يسعى المستشار الألماني أولاف شولتس جاهداً ليحافظ على حكومته الائتلافية عقب النصر الذي وصفه بأنه "مرير" والذي حققه اليمين المتطرف في ولاية تورينغن الشرقية.
فقد حصد حزب البديل من أجل ألمانيا 32.8% من الأصوات يوم الأحد الماضي وذلك إثر حملة تزعمها صاحب النزعة القومية والعرقية بيورن هوكه والذي لم يرف له جفن وهو يتبنى موقفاً متشدداً، وأتى الفارق بين هذا الحزب وأقرب منافسيه بما يزيد عن تسع نقاط، لتكون تلك المرة الأولى التي يحقق فيها حزب يميني متشدد مركز الصدارة في الانتخابات التي تقام على هذا المستوى منذ الحقبة النازية.
كما حل الحزب نفسه في المركز الثاني بفارق بسيط في ولاية ساكسونيا المجاورة، حيث حصد 30.6% من الأصوات فيما حقق حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط 31.9% .
أي أن أكثر من نصف الناخبين في كلتا الولايتين رفضوا الأحزاب العريقة، والتفتوا لحزب البديل من أجل ألمانيا، ولحزب شعبوي آخر يعرف باسم تحالف سارة فاجنكنشت وغيره من الأحزاب المتنوعة الأصغر.
هزيمة ساحقة
وبالمقابل، بالكاد حصدت ثلاثة أحزاب مجتمعة في ائتلاف شولتس 10% من الأصوات في ولاية تورينغن و13% في ولاية ساكسونيا، ما دفع شولتز للقول بإن النتائج أتت مقلقة بالنسبة لألمانيا عموماً، ومريرة بالنسبة للحزب الديمقراطي الاجتماعي من يسار الوسط الذي ينتمي إليه، والذي تمسك بمقاعده عن كلتا الولايتين في برلمانيهما، ولهذا صرح بالقول: "لا يجوز بل يجب ألا يعتاد بلدنا على ذلك، لأن حزب البديل من أجل ألمانيا يدمر ألمانيا، فهو يضعف الاقتصاد ويقسم المجتمع ويسيء لسمعة بلدنا".
وسعت الهزيمة من الشقاقات داخل الائتلاف الحاكم الذي أمضى أعضاؤه معظم ولايتهم في السلطة على مدار ثلاث سنوات وهم يتجادلون عبثاً مع بعضهم ويحاولون الدفاع عن مصالح ناخبيهم الأساسيين.
ألهبت هذه القضية أيضاً المناقشات السرية داخل الحزب الديمقراطي الاجتماعي وذلك فيما يتصل بعزل شولتس من منصب المستشار من أجل إنقاذ تصنيف الحزب في استطلاعات الرأي التي أقيمت قبيل انتخابات مجلس النواب الألماني الاتحادي قبل عام.
أما على العلن، فقد أصرت شخصيات قيادية من الحزب الديمقراطي الاجتماعي على بقاء الائتلاف متماسكاً مع احتفاظ شولتس بتأييد الحزب ودعمه، وهذا ما جعل زاسكيا إسكن وهي من الشخصيات القيادية الوطنية في هذا الحزب، للتصريح بالقول: "مايزال أمامنا عمل كثير لننجزه، ولهذا السبب أصبحت على يقين من أن علينا مواصلة العمل سوية [ضمن هذا الائتلاف]".
هذا ولقد دافعت إسكن عن شولتس بوصفه مستشاراً قوياً على حد تعبيرها، وأضافت: "سيترأسنا حتى حملة انتخابات مجلس النواب بوصفه مرشحاً لمنصب المستشار، ولسوف نفوز معه في الانتخابات أيضاً".
في حين أعرب قادة آخرون في الحزب عن تفاؤل أكبر، إذ عندما سُئل زعيم وطني آخر واسمه لارس كلينغبايل عما إذا كان بوسع شولتس أن يعتمد على تأييد حزبه، ذكر هذا الرجل بأن كل عضو في الحزب عليه أن يبذل قصارى جهده لاستعادة من خسروهم من الناخبين.
أما مانويلا شفسيغ وهي وزيرة من حزب شولتس في ولاية مكلنبورغ فوربومرن الشرقية، والتي من المحتمل أن تتعرض لهزيمة متوقعة على يد حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات المحلية التي ستقام العام المقبل، فقد ذكرت بأنه من الأفضل لشولتس أن يركز جهوده على الحفاظ على تماسك العمل داخل الحكومة.
في حين ذكر فولفغانغ كوبيكي نائب رئيس مجلس النواب عن الحزب الليبرالي الراديكالي، بأن على حزبه أن يعيد النظر بفكرة بقائه في ائتلاف شولتس، في حين وصف أوميد نوريبور رئيس مجلس النواب الفيدرالي عن حزب الخضر الذي خسر كل مقاعده في المنطقة، النتائج بأنها نقطة تحول في هذا البلد.
لا سياسة بلا حزب البديل من أجل ألمانيا
ويوم الإثنين الماضي، أعلن تينو شروبالا أحد قادة حزب البديل من أجل ألمانيا بأن حزبه كان يعتزم أن يتحدث إلى جميع الأحزاب بشأن تشكيل أغلبية عاملة في ولاية تورينغن، وأكد على ضرورة احترام رغبة الناخبين، وقال إنه لن تقوم للسياسة قائمة من دون حزب البديل من أجل ألمانيا.
وعلى الرغم من أن بقية الأحزاب لا تفكر بالتعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا، قال كارستن لينمان وهو الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ إن الناخبين يعرفون بأنهم لن يشكلوا أي ائتلاف مع حزب البديل من أجل ألمانيا.
هذا ويحق لأكثر من خمسة ملايين ألماني المشاركة في التصويت ضمن الانتخابات التي ستجرى في الولايات والتي أتت عقب هجوم إرهابي في مدينة زولينغن خلال الأسبوع الماضي نفذه شخص إسلاموي إثر رفض طلب لجوئه وخيبة أمله بوضع السياسة العام في هذا البلد.
وإلى جانب ملفي الهجرة والحرب في أوكرانيا، تصدرت الانتخابات الحالية قضايا ضعف أداء المدارس المحلية والغضب على حكومة شولتس الفيدرالية، إذ ذكر ناخبان من بين كل ثلاثة ناخبين في استطلاعات الرأي بأن السياسة التي تنتهجها برلين هي العامل الحاسم في اختيارهم عند التصويت.
"القوة الأمضى"
أثنت أليس ويدل زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا على هذا النجاح التاريخي وعرضت على حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الدخول في ائتلاف، مع أن في ذلك خرق لجدار الحماية الذي فرضته كبرى الأحزاب على نفسها. وأضافت زعيمة الحزب: "أصبحنا ولأول مرة القوة الأمضى في تورينغن، كما حققنا في ساكسونيا نتيجة أفضل مما توقعناه، وذلك لأن الناخبين يريدون لحزب البديل من أجل ألمانيا أن يصبح عضواً في الحكومة".
من المرجح ألا تعزي استطلاعات الرأي التي أجريت مساء الأحد فريدريك ميرز الزعيم الوطني لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي كان يتمنى أن يحرز تقدماً واضحاً على حزب البديل من أجل ألمانيا في ساكسونيا مع تضييقه للهوة بينهما في تورينغن، وذلك لأن ميرز، 68 عاماً، نقل المحافظين بحدة نحو اليمين ليقف في وجه حزب البديل من أجل ألمانيا عبر سحب البساط من تحت قدميه عند تبني موقف معاد للهجرة وضد السياسات الساعية للحد من التغير المناخي، بعد أن كان جمهور المحافظين يعرف من خلال وسطية المستشارة السابقة أنجيلا ميركل.
إذ بعد الهجوم الإرهابي في مدينة زولينغن، تزعم ميرز الجدل في ألمانيا عبر مطالبته بفرض إجراءات مشددة لإغلاق الحدود ومنع طالبي اللجوء القادمين من سوريا وأفغانستان من القدوم إلى البلد، وفي ذلك خرق لقوانين الاتحاد الأوروبي.
المصدر: The Times