تعجّب صديق نازح اسمه طيفور من قولي إنَّ لكل حرب سببين لا ثالث لهما؛ هما خليقتا الخوف والطمع، والحق إنه سبب واحد هو طبع الخوف، غير أن لطبع الخوف وجها وظهرا، وظهر الخوف هو الطمع، والخوف طمع في النجاة والأمان، وهما سببا حرب أوكرانيا وحرب سوريا، وحرب ياسر جلال على الشعب المصري، وحرب السيد نيوم على شعب الجزيرة العربية، فتعجّب صديقي اللدود وأنكر قولي، وكان مستغربًا من العقوبات الغربية والأميركية الكثيرة والمتواصلة على روسيا، وأقرّ بأنّ أميركا تزيد الحراب ضرامًا، وعدّد بعض العقوبات التي تنهال على روسيا، منها مصادرة أصول الشركات الروسية في الغرب، ومنع دفع الديون الروسية وحجزها، وطرد السفراء الروس بالجملة من العواصم الغربية الأرثوذكسية والكاثوليكية والسلافية الأرثوذكسية التي مشت في ركاب الغرب البروتستانتي الكاثوليكي، وكانت الحرب قد أظهرت ميدفيدف، فعلمنا أنه حي يرزق، وأنه يترأس الأمن القومي، فقال بأسىً وتجمل: سننظر إلى بعضنا بمناظير البنادق، فهي ليست رمانة بل قلوب مليانة. وتدعو أميركا روسيا إلى الانسحاب من أوكرانيا، لكنها لن ترفع عنها العقوبات، بل إن بريطانيا صرّحت بأنها ستستمر في معاقبتها، والحرب لا تبشر بخير وبنهاية قريبة، وإن ظهرت علامات تقارب وتوافق في أربع مسائل من أصل ست في محادثات السلام الجارية في تركيا، وقد لانت كثيرًا نبرة وزير الخارجية الروسي، الذي تحوّل من نسر عجوز إلى حمامة تشدو على غصنها الميّاد، بسبب الخسائر الروسية.
وسألني طيفور عن البرهان على قولي، فقلت إنّ بوتين خاف من تمدد الناتو على تخوم روسيا، أو طمع في أوكرانيا بعد أن سكت الغرب عن احتلال القرم، فغزاها، الخوف والطمع أهم أسباب الحروب.
لقد شبع بوتين من المشي على السجادة الحمراء، وطمع في مكانة أخرى في التاريخ غير وصف الرئيس السابق، وغير أن روسيا دولة نووية لها حق النقض
قال طيفور: ألا توجد أسباب أخرى مثل المجد، الغيرة، الغضب، يقول الروائي ألبرتو مورافيا: إنّ السأم هو السبب هو كل الوقائع والتغيرات في العالم.
قلت: للطمع أسماء أخرى، مثل الفضول وحب المغامرة، والرغبة والغضب... وهي أشكال من الطمع، السأم من الطبائع التي تدفع للمغامرة والسفر، لقد شبع بوتين من المشي على السجادة الحمراء، وطمع في مكانة أخرى في التاريخ غير وصف الرئيس السابق، وغير أن روسيا دولة نووية لها حق النقض، وتطمع في حق الغزو مثل أميركا، وقد بنى رئيسها جيشًا قويًا على أنقاض الاتحاد السوفييتي، وأسس الاتحاد الروسي، وكان يتحسس تمدد الناتو على تخوم بلاده، فهو خائف من الحلف القديم. الحاجة أم الاختراع، الخوف أبوه.
أما سبب غضب الناتو، فهو الخوف من اقتحام بوتين بجيشه الذي قوامه 150 ألف جندي أوكرانيا العازلة بين روسيا والناتو إلى حديقة أميركا الأوروبية، فاعتبرها حركة لتغيير القوانين الدولية المؤسسة بعد الحرب العالمية الثانية، ومحاولة للانقلاب على زعامة أميركا التي وضعت قواعد القانون الدولي، وكان بوتين قد استشعر شيخوخة أميركا، ورأى تقهقر أميركا من أفغانستان خائبة، ورغّبه تصريح بايدن جهرًا أن أميركا لن تحارب بعد الآن خارج الحدود، فاستخفّها، وقد بلع سوريا من غير مضغ، يمكن أن نضيف أسبابًا أخرى، مثل خوفه من إحداث كنيسة أوكرانية.. وذكرت برهانا من البراهين الأولى وهو أن أبانا آدم عليه السلام..
قاطعني: لم يكن أبونا آدم محاربًا؟
الزعيم العربي هو أكثر الناس خوفًا على الإطلاق مع أنه أكثرهم حرسًا وشهبًا، ملوكنا يخافون من تغريدة أو من نكتة، أما المغرّد فيطمع بالحرية، الخوف والطمع يحركان ناعورة التاريخ
بل إنّ ثمة حرب باردة كانت تدور بينه وبين إبليس، وكان أبونا قد طمع في الخلد، أو خاف من الموت، فأغراه إبليس بالأكل من الشجرة "المحرمة". الزعيم العربي هو أكثر الناس خوفًا على الإطلاق مع أنه أكثرهم حرسًا وشهبًا، ملوكنا يخافون من تغريدة أو من نكتة، أما المغرّد فيطمع بالحرية، الخوف والطمع يحركان ناعورة التاريخ، هما البدالان في دراجة الحياة.
سأل طيفور: فأين الخوف والطمع في حرب ذي قار؟
كان سبب الحرب أنّ كسرى سمع بجمال بنات العرب، فطمع أن يطأ إحدى بنات النعمان فأرسل رجلًا يخطب إليه إحدى بناته، فأبى أن يزوجها كسرى، وكسرى أعظم ملك في الأرض يومها، خشية العار، فأرسل كسرى يدعوه لزيارته، فعلم أنه يكيد له، فأعلن الحرب وجمع القبائل، وكانت وقعة ذي قار. الخوف كان على الشرف الرفيع من الأذى.
سـأل طيفور: أين الخوف والطمع في حرب البسوس، فالمعركة كانت بسبب ناقة؟
الناقة اسمها سراب، وهي ناقة امرأة اسمها البسوس، وهي خالة جساس، كانت معقولة، فبصرت بقطار من الإبل، فوقعت في حب أحد الجمال، فنازعت عقالها حتى قطعته وتبعت الإبل، فلما رآها كليب بن ربيعة أنكرها، وكان سيدًا لقبائل معد، وملكًا قيل فيه المثل: "أعزّ من كليب وائل"، وكان يحمي مواقع السحاب، فلا يرعى حماه، فرماها بسهم، فقتلها. سبب قتلها أنه خشي على هيبته من الكسر، أما جساس فطمع في تجاوز خوفه من كليب.
سأل طيفور: فأين الخوف والطمع في قتل قابيل أخيه هابيل.
قلت: كان هابيل تقًيا يخاف الله رب العالمين، أما أخوه فكان يخاف على حياته من خشونة التقوى.
قال: فأين الطمع والخوف في الحرب الطاحنة بين زوجتي وأمي، والتي ما زالت رحاها تدور في بيتنا؟
قلت: كلاهما خائف على كامل حبك، وطامع في خالص ودّك يا سمو الأمير. الخوف والطمع من آثام النفس.
واقترح الأصحاب المجتمعون على سمو الأمير طيفور أن يسعى للسلام في أوكرانيا، فقال إنه يطمع في إبرار أمه، ومعاقبة زوجته بالزواج من ثانية، ويزداد كيل بعير، فالجنة تحت أقدام الأمهات، "يا حبّذا الجنة واقترابها، طيبٌ وبارد شرابها"، لولا خوفه من الطرد من الجنة الأوروبية.