عائدات بيع النفط شمالي شرقي سوريا؛ كانت العامل الرئيسي في تمدد تنظيم الدولة، وجذب المقاتلين إلى "خلافته" التي امتدت على مناطق واسعة من سوريا قبل أن يقضي عليها التحالف الدولي، وفي حين يشدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب على حماية حقول النفط بحجة منع عودة التنظيم، تبقى قوات سوريا الديمقراطية المستفيد الأول من حقول النفط التي تؤمن لها التمويل الذاتي.
مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية قال اليوم إن "السلطات المحلية" في شمال شرق سوريا تستغل النفط المستخرج من المنطقة، في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تدير هذه الحقول.
الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي أعلن عن حبه للنفط، أشار في وقت سابق إلى أن شركات الطاقة الأميركية قد تشغل حقول النفط في تلك المنطقة.
وأضاف المسؤول للصحفيين في إفادة شريطة عدم الكشف عن اسمه "النفط تستغله السلطات المحلية لفائدة المجتمعات هناك، لكن لم تصدر الإدارة لنا هنا في وزارة الخارجية توجيهات بشأن أي شيء يتعلق بحقول النفط".
وعلى الرغم من إعلان ترمب أنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، فقد اضطر لتقليص خططه بعد انتقادات من الكونغرس، جاء بعضها من جمهوريين بارزين.
ووسط مخاوف من أن يعاود تنظيم الدولة الظهور، قال ترمب الشهر الماضي إن عددا صغيرا من القوات الأميركية سيظل في شمالي شرقي سوريا "حيث يوجد النفط".
من يستفيد من النفط شرقي سوريا؟
تسيطر "الإدارة الذاتية" على على أكثر من 70 بالمئة من مصادر الطاقة في سوريا، بحسب مركزعمران للدراسات، واستغلت الإدارة عائدات النفط الذي باعته لأطراف عدة من بينها النظام الذي عانى من نقص في إمدادات النفط ومشتقاته.
وكان النظام قد عقد اتفاقاً مع قسد العام الماضي، برعاية عضو "مجلس الشعب" حسام القاطرجي، مالك "مجموعة القاطرجي" لنقل النفط. وهي المسؤولة عن نقل النفط من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة النظام.
وفي السادس من الشهر الجاري، أعلن تنظيم الدولة استهداف قافلة صهاريج تنقل النفط من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق سيطرة النظام، وحرق عدد منها قرب مدينة الرقة.
وأوضحت وكالة أعماق أن عناصر التنظيم أحرقوا عدداً من الصهاريج التي تعود ملكيتها لـ "القاطرجي"، المخصصة لنقل الوقود إلى مناطق سيطرة النظام.
ومؤخرا سيطرت قوات الأسد على حقل للنفط في محافظة الحسكة، كان خاضعا لسيطرة "قسد"، رغم تعهّد الولايات المتحدة بحماية حقول النفط من نظام الأسد وإيران وتنظيم الدولة.
وأظهرت صور نشرتها وكالة أنباء النظام "سانا" انتشار قوات الأسد في حقل "ملا عباس" التابع لحقول نفط رميلان شمالي الحسكة.
ونشرت الوكالة صوراً لتلك القوات من داخل الحقل النفطي، مشيرة إلى أن "وحدات الجيش انتشرت على الحدود السورية التركية بين القامشلي والمالكية شرقاً، على محور 60 كم شرق القامشلي".
و"شملت عملية الانتشار بلدتي القحطانية والجوادية وقرى وبلدات دير غصن وعتبة وتل الحسنات وتل السيد ملا عباس وقحطانية وكرديم فوقاني وتل جهان وتل خرنوب".
مصادر تمويل قسد
تتوزع أهم حقول النفط والغاز في سوريا في الحسكة ودير الزور، إضافة إلى شرق مدينة حمص، وبعض آبار النفط والغاز التي تم اكتشافها أخيراً في ريف العاصمة السورية دمشق، أو ما يعرف بجبال القلون "قارة ودير عطية".
وتحتوي محافظة دير الزور على أكبر الحقول النفطية في سوريا، وهو "حقل العمر" الذي يقع على بعد 15 كيلومترا شرقي بلدة البصيرة بريف دير الزور، وهو الحقل الذي أعلنت قوات قسد المدعومة من قبل الولايات المتحدة يوم 22 من تشرين الأول 2017 سيطرتها عليه.
كما تسيطر قسد على "حقل التنك"، وهو من أكبر الحقول في سوريا بعد "حقل العمر"، ويقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي.
وتحوي محافظة دير الزور حقل الورد، والتيم، والجفرة، وكونيكو، ومحطة الـ"تي تو" (T2)، وهي محطة تقع على خط النفط العراقي السوري.
وتأتي محافظة الحسكة بالمرتبة الثانية لجهة احتوائها على آبار النفط والغاز والتي خرجت حقولها من سيطرة "داعش" إلى سيطرة "قسد" اليوم، وأهم مواقع إنتاج النفط والغاز في حقول ومصفاة رميلان في أقصى شمال شرق سوريا.
ماهي المشكلة التي ستواجه ترمب؟
يخدم قرار ترمب بحماية حقول النفط في شمالي شرقي سوريا، قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية أي البائع والمشتري. وتساعد أموال النفط قسد بالحفاظ على قوتها العسكرية، رغم عملية نبع السلام التركية التي تهدف لطردها من المناطق الحدودية وإضعافها عسكريا.
وبحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية، ضخت سوريا 24 ألف برميل فقط من النفط يومياً في العام الماضي و تبلغ قيمتها نحو 1.5 مليون دولار بالأسعار الحالية - بعد انخفاض الإنتاج بأكثر من 90٪، معظمها ذهب لصالح قسد.
وبعد قرار"حماية النفط" توجهت قافلة من المدرعات الأميركية شرقًا، باتجاه حقول نفط الرميلان في أقصى الشمال الشرقي لسوريا.
وتقول صحيفة لوس أنجلوس تايم إن المشكلة التي ستواجه ترمب هي أنه لا يوجد الكثير من النفط الذي يجب الحفاظ عليه، لأن سوريا لم تكن أبدًا منتجًا رئيسيًا للنفط على المستوى الدولي، حيث بلغت 385 ألف برميل يوميًا من النفط الخام ، أو 0.5٪ من الإنتاج العالمي في عام 2010، وفقًا لتقرير صادر عن British Petroleum Review of World Energy Report. كما أن العمليات العسكرية دمرت معظم موارد البلاد وخاصة النفطية، التي تستخرج بأساليب معظمها بدائية في مناطق سيطرة قسد.
وتضيف الصحيفة أن ما يتم إنتاجه يتم استخدامه للاستهلاك المحلي في مناطق قسد أو يُباع للتجار الذين يعيدون بيع جزء منه إلى حكومة الأسد المتعطشة للطاقة. وتشير الصحيفة إلى أن عائدات النفط أصبحت شريان الحياة لشبه الدولة التي أنشأتها "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سوريا.
روسيا تريد النفط أيضاً
يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدياً مالياً جديداً غير مرحب به في سوريا بعد أن مكن الانسحاب الأميركي حليفه بشار الأسد من استعادة أكبر مساحة في البلاد. بحسب وكالة بلومبيرغ.
قرار الولايات المتحدة بإبقاء القوات في شمال شرق سوريا لحراسة حقول النفط يحرم نظام الأسد من الوصول إلى الأموال التي يحتاج إليها لإعادة الإعمار، وهو ماتحاول روسيا الحصول عليه لجذب الأموال الأوروبية والخليجية بعد إنجاز العملية السياسية التي تجري حاليا في جنيف.
وتقدر الأمم المتحدة تكاليف إعادة الإعمار في سوريا بنحو 250 مليار دولار، ولا يمكن للنظام الاعتماد على روسيا وإيران، للحصول على أي تمويل.
صحيفة واشنطن بوست تناولت التعليقات الأكثر وضوحا في مؤتمر صحفي ضم كلا من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيريه الإيراني محمد جواد ظريف والتركي مولود تشاويش أوغلو في جنيف، حيث انتقد المؤتمر خطط البنتاغون الجديدة لزيادة الجهود لحماية حقول النفط السورية من كل من تنظيم الدولة ونظام الأسد.
واتهم لافروف الولايات المتحدة بالبحث عن "ذريعة" لحماية حقول النفط. وقال إن أي "استغلال للموارد الطبيعية لدولة ذات سيادة دون موافقتها أمر غير قانوني".
وانتقد وزير الخارجية الروسي قرار البنتاغون بإعادة القوات الأميركية إلى سوريا التي انتقلت عبر الحدود إلى العراق في وقت سابق، ووصف العملية العسكرية للسيطرة على حقول النفط بأنها "غير قانونية".
وقال وزير الدفاع مارك أسبر الأسبوع الماضي إن المبرر الآخر لوجود الولايات المتحدة هو ردع قوات النظام وروسيا من السيطرة على حقول النفط.
وفي اليوم التالي لإعلان ترمب، كانت المركبات المدرعة المقاومة للألغام التابعة للجيش الأمريكي تتجه إلى مدينة الرميلان، وقامت بدوريات في المناطق الشمالية الشرقية التي صدرت إليها أوامر بالتخلي عنها قبل أسابيع فقط.