يعيش العالم تداعيات التغيير الجوهري داخل المجتمع السياسي الأميركي. ينظر الأميركيون إلى أفغانستان كجانب سيئ من التاريخ، لصالح الاهتمام بالشؤون الأميركية الداخلية، منذ ضربة أرامكو وصراع الخليج على الملاحة وعدم التدخل الأميركي كان واضحاً أنها مرحلة تمهد للانسحاب الكبير. الخطوة الأميركية بالانسحاب من أفغانستان سيكون لها تداعيات كبيرة على كل الوضع في شرق آسيا، تتأثر به سلباً كل من الصين وروسيا وإيران. ستكون تلك المنطقة داخلة إلى مرحلة جديدة من الفوضى واللاجئين، وستغرق ببحور من الدماء، وهي وقائع ستنعكس على الوضع داخل إيران أيضاً. ولهذا الانسحاب الأميركي أثر أكبر على مشروع الصين ومبادرة حزام وطريق.
ستكون تداعيات الأحداث في أفغانستان وسقوط كابل كبيرة جداً على المنطقة. عملية إجلاء الدبلوماسيين الأجانب مؤشر إلى مدى خطورة الوضع وما سينطوي عليه. يأتي ذلك في ظل تخوف إيراني كبير مما يجري، بعد محاولات كثيرة فاشلة من قبل طهران لتشكيل حشد شعبي في أفغانستان من قبل الهزارة والطاجيك، الغاية من هذا الحشد أخذ دور ومكان الدولة الأفغانية التي تنتهي. وهنا لا بد من العودة إلى تصريح وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف وبعد زيارته إلى كابل أعلن أن طالبان منظمة إرهابية وكان ذلك خلال مقابلة أجراها مع التلفزيون الأفغاني الرسمي. مظاهر الميليشيات المدعومة من إيران وهاربة باتجاه أوزباكستان تؤكد أن الصراع لن يتوقف هنا، سيكون أكثر دموية.
ستكون تداعيات الأحداث في أفغانستان وسقوط كابل كبيرة جداً على المنطقة
في قراءة لخريطة المنطقة، تبدو تركيا مرتاحة على وضعها، وكذلك بالنسبة إلى باكستان، فالعلاقات قوية بين طالبان وتركيا التي شاركت بصياغة الاتفاق حول أفغانستان وتنسيق الخروج الأميركي منه، أما باكستان فترتبط بعلاقات تاريخية استخباراتياً مع طالبان. أما أكثر الدول المتضررة فهي إيران، التي كل ما تطلبه هو عدم دخول الطالبان إلى الأراضي الإيرانية، الخاصرة الرخوة في إيران هي منطقة بلوشستان. كذلك فإن الأزمة ستنعكس سلباً على الوضع في أوزبكستان وطاجيكستان، واللتين تعمل روسيا على إرسال قوات إليهما لحمايتهما قدر الإمكان. وصحيح أن هناك قناعة راسخة بأن الأميركيين يتخلون عن حلفائهم، ولكن أيضاً لا بد من الإشارة إلى أن الإيرانيين والروس أيضاً في مثل هذه التهديدات الاستراتيجية يتخلون عن حلفائهم، وهنا لا بد من الإشارة إلى مشهد هرب عبد الرشيد دستم باتجاه أوزبكستان.
حجم المساعدات الأميركية للجيش الأفغاني بلغت 88 مليار دولار، ولم يصمد 88 يوماً أمام الطالبان. الجيش العراقي كذلك الأمر لدى انهياره أمام تنظيم داعش. وهنا لا بد من طرح سؤال كبير بحال إعادة إنتاج داعش في العراق وبروزه، فهل يمكن للولايات المتحدة الأميركية والناتو القيام بأي خطوة؟ الصراع السني الشيعي يفتح على مصراعيه مجدداً ما ينذر بتفجر المنطقة كلها. هذا سيؤدي إلى إنتاج المزيد من التطرف السني في المنطقة بمواجهة التطرف الشيعي، وحينها لن يكون هناك قدرة لأي جهة على إيقاف حمام الدم مجدداً.
حجم المساعدات الأميركية للجيش الأفغاني بلغت 88 مليار دولار، ولم يصمد 88 يوماً أمام الطالبان
الزخم الأميركي الذي اندفع في المنطقة أصبح متراجعاً بشكل كبير، ما سيقود إلى المزيد من انهيارات الدول والمؤسسات في كل المنطقة، وهو ما يحتاج إلى قوى تأتي لسد الفراغ، وفي مثل هذه الحالات لا يمكن لأي جهة أن تسد هذا الفراغ سوى الفوضى، تلك الفوضى التي تنذر بتهديد كل دول المنطقة، والتي انطلق لبنان في مساره المتدهور على طريقها أيضاً. وهذا كله له نتيجة واحدة وواضحة تتعلق بتصغير الكيانات وانحسار أدوار الدول الكبرى في الدول الصغرى، لن يكون هناك مشاهد بتدخل الدول الكبرى في المنطقة، مثلما حصل لدى اجتياح صدام حسين للكويت، ولا مثل ما كان الواقع بعد أحداث 11 أيلول.