icon
التغطية الحية

أمل السورية جابت العالم.. من السهولة أن ترحب بدمية أكثر من ترحيبك بلاجئ حقيقي

2022.09.29 | 15:33 دمشق

الدمية أمل الصغيرة
الدمية أمل الصغيرة
ذا نيشن - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

مضت الدمية أمل الصغيرة التي يبلغ طولها ثلاثة أمتار ونصف والتي تمثل لاجئة سورية، للبحث عن أمها في بروكلين خلال الأسبوع الماضي، بعدما جابت كل أرجاء العالم بحثاً عنها. ولقد حظيت أمل بترحيب مشوب بحماسة كبيرة من قبل جماهير الأطفال والبالغين الذين احتشدوا حولها مشدوهين بحركاتها التي تشبه حركات البشر، وأخذوا يعانقونها ويقبلونها، وينظرون لعينيها وهما ترمشان، كما أعجبوا ببراعة من يحركونها ويجعلونها ترقص، وتحدق بالنوافذ، وتمد يديها لتعانق من يريد معانقتها.

توجهت إحدى الصحفيات، واسمها هيلين بنيديكت، برفقة حفيدها البالغ من العمر سبع سنوات، لمشاهدة أمل، فكان أول تعليق للصغير، عندما نظر إلى الحشود: "ألم يبالغوا بالتجمع حولها؟"، ثم طرح المزيد من الأسئلة، ومنها: "كيف فقدت أمها؟ أين أبوها؟ لماذا لم تستطع العثور على أمها؟" فشرحت له جدته الحرب السورية قدر استطاعتها، كما حكت له عن محنة اللاجئين، وكيف يمكن أن يتفرق أفراد الأسرة الواحدة، وهذا ما أثار استغرابه وقلقه إلى أبعد الحدود، فسأل: "متى ستعثر أمل الصغيرة على أمها"... أجل متى؟

أقرأ أيضا: منظمات أممية تدعو للتحرك بشأن مأساة غرق قارب اللاجئين قبالة السواحل السورية

في 23 أيلول، أي في اليوم الذي حيت فيه الحشود أمل الصغيرة، غرق أكثر من 77 لاجئ قبالة سواحل سوريا، بينهم أطفال سوريون. وقبل ذلك بأسبوعين، توفي أربعة أطفال سوريين برفقة ثلاث نساء جوعاً وعطشاً بعدما تقطعت بهم السبل في قوارب الهجرة قبالة سواحل لبنان وتركيا، تلك القوارب التي لم يتمكن أحد أن ينقذ من فيها، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الغرقى من اللاجئين في البحر المتوسط خلال عام 2022 إلى ما يزيد على 1200 شخص، وقد وقعت معظم تلك الحالات بسبب حرس الحدود الأوروبي، فرونتيكس، المنتشر على حدود اليونان وتركيا وإيطاليا ومالطا وليبيا، والذي لا يرفض إنقاذ تلك القوارب فحسب، بل أيضاً يقوم بدفع كثيرين منها عمداً وإعادتها إلى البحر. كما جرمت كل من اليونان وإيطاليا كل من ينقذ المهاجرين، وذلك عندما أخذتا تعتقلان هؤلاء المنقذين وتوجهان إليهم تهمة الاتجار بالبشر، على الرغم من معرفتها بأنهم متطوعون يحاولون إنقاذ أرواح الناس.

معاملة وحشية

توجهت الصحفية هيلين إلى اليونان خلال السنوات الأربع الماضية لتبحث بطريقة التعامل الحقيقية مع اللاجئين، ومنهم السوريون وغيرهم، عند البوابة الرئيسية لأوروبا، فهؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن "حياة أفضل" وحسب، كما يصفهم مذيعو الأخبار دوماً، بل إنهم يبحثون عن حياة بوسعهم أن يعيشوا فيها من دون أن يتعرضوا للقتل أو السجن أو التعذيب أو الموت جوعاً. ولكن، وبعيداً عن الترحيب الذي حظيت به أمل الصغيرة (على الرغم من أنها تعرضت للرشق بالحجارة في اليونان)، يتم التعامل مع هؤلاء الأشخاص بقسوة بالغة، وهذه القسوة لا تقتصر على تركهم في عرض البحر فحسب.

إذ مثلاً، قبل سنة من اليوم، افتتحت اليونان مركز احتجاز جديد لطالبي اللجوء في جزيرة ساموس، ليكون ذلك نموذجاً للطريقة التي سيتم التعامل معهم بها مستقبلاً. فقد بني ذلك المركز بكلفة بلغت 38 مليون يورو، تحمل الاتحاد الأوروبي معظمها، وأقيم في موقع قصي بين الجبال، كما صمم لاحتجاز ثلاثة آلاف شخص بعيداً عن الأنظار.

معسكر اعتقال جديد

أطلق على هذا المركز اسم مخيم زيرفو، وقد نصب فيه نظام مراقبة جديد موسع يعرف باسم سينتور، ومن قاعدة موجودة في أثينا، تقوم شاشات مربوطة بشبكة مغلقة بتعقب تحركات المحتجزين في ذلك المخيم، بما أن كلاً منهم يتعين عليه ارتداء سوار إلكتروني. كما زودت بواباته بأجهزة للكشف عن المعادن بالإضافة إلى أجهزة التصوير بأشعة إكس. ولا يسمح لأحد بالخروج منه بين الساعة الثامنة مساء والثامنة صباحاً. ويوجد داخله نظام آلي لإذاعة عامة تقوم بإذاعة البيانات عبر مكبرات صوت طوال النهار.

وهنا لا بد لنا أن نتذكر بأن المحتجزين في ظل تلك الظروف ليسوا بمجرمين، بل بشر فروا من بلدهم بسبب الحروب والاضطهاد، كما حدث في سوريا، وأفغانستان، والكونغو، والصومال، وذلك ليمارسوا حقهم القانوني بطلب اللجوء بعيداً عن الاضطهاد والقتل.

توجهت تلك الصحفية لترى مخيم زيرفو خلال الصيف الماضي، فلم تجد ما يالكلمات ما يصفه سوى أن تقول إنه يبدو كمعسكر اعتقال جديد، فقد أقيم في واد بين الجبال بعيداً عن أي قرية أو متجر أو مشفى أو أي منظمة غير حكومية، فوق مساحة شاسعة من الأراضي القاحلة تشتمل على صفوف من حاويات الشحن المعدنية التي رصت بجانب بعضها بعضاً ويحيط بها جدار مؤلف من طبقتين طوله ستة أمتار، يعلوه سياج شائك، ولا يمكنك أن تشاهد أي شجرة أو شجيرة أو وردة في الأفق، بل كل ما تراه هو مساحات مكشوفة خانقة وبشعة.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي منح اليونان 152 مليون دولار لا لتبني هذا المخيم فحسب بل لبناء أربعة مخيمات مغلقة أخرى في أماكن قصية ضمن جزر بحر إيجة، وذلك لتحصين حدود الاتحاد الأوروبي، أو بمعنى أصح، لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا الغربية.

هذا ولقد وصفت كل من منظمة أطباء بلا حدود واللجنة الدولية للإنقاذ، ومنظمة العفو الدولية، وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية هذا المخيم وغيره من المخيمات التي تشبهه بأنه يمثل مكاناً عقابياً لاإنسانياً. إذ في عام 2020، نشرت منظمة أطباء بلا حدود تقريراً تؤكد فيه بأن احتجاز الناس في مخيمات مغلقة مثل مخيم زيرفو يزيد من حالة الصدمة التي يعانون منها بالأصل كونهم لاجئين، كما يزيد من حالات الاكتئاب لديهم، والانهيار العصبي، والنزعة الانتحارية بين صفوف الكبار والصغار على حد سواء، حيث أعلن ذلك التقرير بأن: "هذا النظام يسبب التعاسة للناس، ويعرض حياتهم للخطر، ويهدم حق اللجوء.. فالاتحاد الأوروبي وحكومة اليونان يصرفان ملايين اليوروهات على وضع معايير وعلى تشديد القوانين التي وضعوها بالأصل والتي تسبب الكثير من الضرر والأذى".

هذا ويحظر مخيم زيرفو اليوم على أي شخص لا يحمل بطاقة شخصية مغادرة المخيم، وبما أن معظم الناس لا يحصلون على تلك البطاقات، لذا فقد أصبح هذا المخيم لا يختلف عن السجن بشيء.

ولهذا لا يمكن لأمل الصغيرة أن تبلي بلاء حسناً في مكان كهذا، ولكن في الوقت الذي تسير فيه أمل بين الحشود التي تعشقها في نيويورك، يتحول الخطاب المعادي للاجئين إلى حجر الزاوية في كل حملات السياسيين من اليمين بدءاً من إيطاليا وحتى الدنمارك، مروراً بالسويد وإسبانيا، وفرنسا والمملكة المتحدة، وبالطبع الولايات المتحدة، حيث يقوم حكام الولايات الجمهورية في الجنوب بنقل طالبي اللجوء إلى الولايات الديمقراطية في الشمال، ويصفون بيادقهم بأنهم: "مهاجرون غير شرعيين" أو "مهاجرون"، أي أنه من السهولة بمكان أن ترحب بدمية أكثر من ترحيبك بلاجئ حقيقي من لحم ودم.

إذن كيف بوسعنا أن نجيب عن سؤال صغير: "متى ستعثر أمل الصغيرة على أمها؟" هل يجب علينا أن نخبرها بأن عليها أن تجوب العالم إلى أن يكف الناس عن وصم طالبي اللجوء بالمهاجرين الهاربين من بلادهم بحثاً عن الثراء، والترحيب بهم بوصفهم أشخاصاً يقومون بالشيء الذي سيقوم به أي منا عندما يضطر للهروب من بلده حفاظاً على حياته؟ هل يتعين علينا أن نخبرها أنه إلى أن يحين ذلك لا يهم طول المسافة التي ستقطعها أمل ولا المدة التي ستقطع رحلتها خلالها، لأنها لن تعثر على أمها على الإطلاق؟! إن الجواب بكل تأكيد يكمن في موضعين مهمين: وهما قلوبنا وصناديق الانتخابات التي نقترع فيها.

  المصدر: ذا نيشن