ألغام ومخلفات الحرب السورية.. قاتل بلا هوية

2024.07.22 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 22.07.2024 | 06:14 دمشق

11111111111111111111111
+A
حجم الخط
-A

ثلاثة عشر عامًا مضت بكل ما حملته هذه الأعوام من مآس وإرهاب وويلات ومجازر دموية بشعة ارتكبها ولا يزال جيش الأسد وميليشياته الطائفية والاحتلالان الروسي والإيراني بحق الشعب السوري.

هذا الشعب الذي لم يكن له ذنب إلا أنه استطاع كسر قيود الخوف وخرج بالملايين في جميع المحافظات السورية للمطالبة بالحرية والعيش الكريم التي تمت مصادرتها من قبل نظام استبدادي قمعي انقلابي طائفي مجرم. نظام اختار منذ بدايات تسلمه للسلطة استخدام الحديد والنار والإجرام بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى للبقاء على رأس السلطة وتوريثها لعصبته وعصاباته لعقود وعقود.

وعليه فقد قام جيش الأسد وداعموه الدوليون بلا أي رادع باستخدام كل أنواع العتاد والأسلحة والذخائر البرية والبحرية والجوية الحديثة لتدمير وإزالة المناطق والمدن المنتفضة، وإرهاب وتهجير سكانها، وارتكاب آلاف المجازر بحق المدنيين وسقوط مئات الآلاف منهم بين قتيل وجريح ومصاب بإعاقات جسدية ونفسية مختلفة.

انتشار الألغام ومخلفات الحرب

طال أمد الحرب والصراع على الساحة السورية منذ عام 2011 واشتركت أطراف دولية عديدة في هذا الصراع وكلٌّ فيما يعنيه ويحقق أهدافه واستراتيجياته، فروسيا وإيران وحزب الله وميليشياتهم اتخذوا من مكافحة الإرهاب ذريعة لارتكاب جرائمهم بحق السوريين. ولكن الحقيقة القاسية تقول إن هؤلاء ما أتوا بكل قضهم وقضيضهم إلا للوقوف إلى جانب نظام الأسد ودعمه ومشاركته في وأد وإنهاء الثورة السورية. أما التحالف وذراعه قسد فاتخذا أيضًا من ذريعة محاربة داعش والتنظيمات الجهادية التي كان لها وجود ونفوذ ميداني لتدمير بعض المدن السورية وقتل الآلاف من المدنيين.

وعليه فيمكننا القول إن الاشتباكات والسيطرة الميدانية وانتقالها في السنوات العشر الماضية من طرف لآخر قد ساعدت وأوجدت حالة من الانتشار الواسع لمخلفات الحرب وخاصة تلك القابلة للانفجار كالألغام، والعبوات الناسفة، وبقايا الصواريخ وقذائف المدفعية، والقنابل العنقودية المنتشرة على مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، من شرقي البلاد لغربها ومن شمالها ووسطها لجنوبها، والتي باتت تشكل رعبًا وهاجسًا كبيرًا للمواطنين السوريين خاصة الأطفال منهم والنساء الذين غالبًا ما يقعون فريسة تلك المخلفات التي تركت وتراكمت من دون أي تفكير دولي أو إقليمي جدي بإزالتها حتى هذه الأوقات.

تأثيرات الألغام والمخلفات

في الواقع، وعلى مر السنوات الدامية الماضية، فإن خطر العمليات العسكرية وقصف النظام وحليفه الروسي والميليشيات الإيرانية، وقصف التحالف الدولي وعملياته السابقة ضد تنظيم الدولة لم يقتصر على التأثيرات التدميرية المباشرة اللحظية الناجمة عن الاستخدام الواسع لمختلف أنواع الذخائر الحربية، وما رافق ذلك من جرائم مرتكبة بحق المدنيين، وتدمير لأملاكهم وللبنى التحتية للمدن والمناطق، بل إن خطرها كما بات معروفًا ممتدٌّ وباقٍ لفترات طويلة من الزمن. وذلك لأن أي قذيفة أو صاروخ لم ينفجر، أو أي لغم مزروع ومدفون بشكل عشوائي تحت الأرض، سيكون بلا أدنى شك بمنزلة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة مسببة كوارث بشعة إن لم يتم التعامل معها من قبل المختصين بكل الوسائل والطرق الممكنة وقبل فوات الأوان.

عمليًا وبحسب كل المعطيات والحوادث الدموية الكثيرة المفاجئة التي تقع بين الحين والآخر على معظم الأراضي السورية، والتي ينجم عنها ولا يزال سقوط مئات من الضحايا والجرحى والمعاقين المدنيين، فإن الواقع الميداني يقول: لا تزال هناك أعداد كبيرة من الذخائر المتنوعة غير المنفجرة والألغام والعبوات المتروكة من قبل جميع أطراف الصراع موجودة فعليًا ومنتشرة بين أملاك ومنازل المدنيين، وفي أراضيهم الزراعية وبالأماكن المفتوحة التي عادة ما يستخدمها الأطفال كملاعب لهم.

وفي الغالب فإن هذه المخلفات ما نجمت إلا عن طريق القصف والتدمير الممنهج والمستمر طوال السنوات الـ 13 الماضية من قبل ترسانات النظام والروس وميليشياتهم. وعليه فستبقى هذه المخلفات الفتاكة بلا تقييد قابلة للانفجار لسنوات أو لعقود مقبلة حتى في حال توقف أو انتهاء الحرب.

من ناحية ثانية فإن الألغام ومخلفات الحرب القاتلة غير المنفجرة ستؤدي حتمًا إلى حرمان مجموعات سكانية بكاملها من العودة والاستقرار في مناطقهم وبلداتهم المحررة، والخوف من العمل في ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية، كما أن هذه المخلفات الخطرة ستقلل فرص الرعاية الصحية الطبيعية وتنمية المناطق، وستؤثر تأثيرًا سلبيًا على استمرارية واستدامة التعليم، كما ستعيق وإلى حد كبير أعمال المنظمات الإغاثية، وقد تحرم غالبية السكان من المساعدات الإنسانية بسبب خوف المنظمات الدولية من المخاطر الناجمة عن هذه المخلفات.

تقارير وتحذيرات

في وقت سابق كشف تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review) السنوي الصادر خلال العام الماضي، والذي ساهم فيه إلى حد كبير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) من خلال توفير البيانات، وجمع وإدارة المعلومات المتعلقة بالألغام في شمال غربي سوريا وتحديد المناطق التي تنتشر فيها مخلفات الحرب، كشفَ أنّ سوريا سجلت وللعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا الجدد للألغام المضادة للأفراد أو مخلفات الحرب المتنوعة القابلة للانفجار.

ووثق التقرير الأممي أكثر من 834 ضحية في عموم سوريا خلال العام 2022 والنصف الأول من العام 2023. وعليه فإن هناك أمرًا بالغ الأهمية يجب أن تعمل عليه جميع الجهات المختصة من أفراد ومنظمات وقوى أمنية وهو السعي الهادف لزيادة وعي التجمعات السكانية بمخاطر وكوارث الألغام وخاصة في المناطق الأمامية والواقعة على خطوط التماس مع أصحاب النفوذ الآخرين، أو تلك المناطق التي تعرضت للقصف بشكل كبير وواسع. حيث ستسهم حملات التوعية المكثفة بتزويد السكان بالمعرفة والمهارات والخبرات اللازمة لتجنب وقوعهم فريسةً سهلة لهذه المخلفات القاتلة.

وبكل تأكيد يجب أن تشمل حملات التوعية بوسائلها المختلفة إطلاع السكان على كيفية التعرف إلى الألغام وغيرها من الذخائر غير المنفجرة، وتمييزها والابتعاد عنها والحرص الواعي على تفادي العبث بها أو لمسها، والإبلاغ الفوري للجهات المختصة عنها للتعامل معها وإبطال خطرها، بل وكيفية البقاء بأمان في المناطق التي قد توجد فيها. حيث يساعد رفع مستوى الوعي بالمخاطر المرتبطة بالألغام والذخائر غير المنفجرة في تقليل مخاطر الإصابة بالعجز والوفاة إلى حد كبير، ويعزز الفرص لمجتمعات أكثر أمانًا، وتأمين الحماية لجميع السكان وخاصة الفئة الأضعف منهم كالنساء والأطفال.

في الواقع، ومع استمرار الحرب والعمليات المسلحة في سوريا لأكثر من 12 عامًا، فالواضح أن عدد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بإعاقات دائمة مختلفة ممن وقعوا ضحايا للحرب ومخلفاتها يتزايد باستمرار. إذ إن الآلاف منهم، وخاصة من فئتي الأطفال والنساء، قد فقدوا القدرة على عيش حياتهم الطبيعية وصعوبة التكيف مع واقعهم الجسدي والنفسي الجديد، وذلك نتيجة لفقدانهم أجزاءً مختلفة من أجسادهم من جراء القصف المتبادل بين مختلف أطراف الصراع وما نجم عنه من مخلفات حرب، ناهيك عن الألغام بأنواعها التي يتعمد أطراف النزاع زرعها على خطوط التماس، والتي وكما لوحظ أنها باتت تنتشر بشكل كبير وعشوائي في معظم الأراضي والمناطق السورية.

لذا يجب أن لا تقتصر الإجراءات المتعلقة بالألغام ومخلفات الحروب القابلة للانفجار على طرق إزالتها فقط، بل يجب أن تشمل هذه الإجراءات زيادة الجهود الهادفة لحماية المجتمعات السكانية من أخطارها وويلاتها، ومساعدة الضحايا لتحقيق ذاتهم والتغلب ما أمكن على إعاقاتهم الجسدية، ومد يد العون لهم ومساعدتهم في أن يصبحوا أعضاء ناشطين فاعلين في مجتمعاتهم، وتوفير فرص الاستقرار والتنمية المستدامة لهم.