في الطريق من محطة الحجاز إلى سوق الحميدية في دمشق يلفت المار مسجد ضخم في منتصف شارع النصر تقريباً، هو جامع تنكز الذي شهد العديد من القصص والحكايات المتصلة بأحداث مهمة من التاريخ السوري القديم والحديث والمعاصر.
يُعرف جامع تنكز باسم الجامع السيفي التنكزي أيضاً، بناه سيف الدين تنكز الناصري نائب السلطنة في دمشق في صفر 717هـ / 1317م في منطقة الشرف الأعلى، ظاهر باب النصر تجاه حكر السماق على نهر بانياس أحد فروع بردى بدمشق.
يوم مشهود من أيام دمشق
استغرق بناء الجامع ما يقارب السنة وثمانية أشهر في تحفة فنية حافظت على رونقها رغم كل تلك السنوات والتخريب الذي حصل للمسجد.
وفي شهر شعبان اكتمل بناء الجامع، وأقيمت أول صلاة جمعة فيه في العاشر من الشهر نفسه، حيث كانت الخطبة فيه يومئذ للشيخ نجم الدين علي بن داود بن يحيى الحنفي المعروف بالفقجازي، وحضر الصلاة سيف الدين والقضاة والأعيان والقراء والمنشدون وكان يوماً مشهوداً من أيام دمشق.
لجامع تنكز واجهة حجرية فيها أربعة أبواب، اثنان يؤديان إلى القبلية واثنان إلى الصحن الذي فيه بركة كبيرة تجري بها مياه نهر بانياس، وإلى يمين الداخل من الباب الأول ضريح الواقف وولده.
محراب المسجد مصنوع من الحجر وكذلك المنبر وفوق موقف الخطيب قبة صغيرة، وفي الجهتين الشرقية والغربية غرف أرضية وعلوية، وفي الجهة الشمالية تقوم المئذنة العالية التي تعد من أروع المآذن إتقاناً وبساطة.
وفي الجامع عشرون نافذة وفي وسط صحنه كان يمر نهر بانياس ليتوضأ منه المصلون، وبه ناعورتان يملآن ويفرغان إلى حوضي الأشجار داخل صحن الجامع.
حُول إلى ثكنة عسكرية
وقيل إنه بني على أنقاض كنيسة أخذن قبل العام 500 هـ، وحولت إلى مسجد، ولكن روايات تاريخية أخرى تنفي ذلك.
في الرابع والعشرين من ذي القعدة من عام 795 هـ أعيد تجديد الجامع من قبل سيف الدين منكلي بغا بعد أن أصبح المسجد رث الهيئة وتقادم عهده مدة دهر، وهجر فلم يكن يدخله أحد إلا القليل، فتمت توسعته من قبليه ورفع له سقف جديد، وبني له صرحة شمالية مبلطة، وعدة أروقة على هيئة الجوامع، وتم إنشاء رواق كبير له جناحان شرقي وغربي، وزين بأعمدة وقناطر.
وخلال حملة المصريين في دمشق (1831-1840)، تحول الجامع إلى ثكنة عسكرية بأمر من الحاكم إبراهيم باشا، ابن والي مصر محمد علي باشا. وبعد هزيمة جيش محمد علي وانسحابه من سوريا، أقامت الدولة العثمانية مدرسة حربية في الجامع، قبل أن يُصبح ثكنة عسكرية في زمن الحرب العالمية الأولى.
وبعد انهيار الدولة العثمانية عام 1918 تم إخلاء العسكر من داخله، بطلب من الشيخ بدر الدين الحسني، وبقي جامعاً طوال فترة حكم الملك فيصل الأول.
إطلاق حملة انتخابية من أروقته
وفي فترة الاحتلال الفرنسي، أطلق الرئيس شكري القوتلي حملته الانتخابية سنة 1943 من الجامع، وهي خامس انتخاباتٍ تُجرى في تاريخ سوريا الحديث (1919، 1928، 1932، 1936، 1943)، وآخر انتخاباتٍ تشريعيةٍ في عهد الانتداب الفرنسي.
وفي تلك الانتخابات فاز القوتلي بمنصب رئيس الجمهورية وكلف سعد الله الجابري فشكّل وزارة في 19 آب من العام نفسه.
تعرض جامع تنكز لحريق كبير على يد الفرنسيين ثم تدمر بسبب قصف المدفعية الفرنسية خلال العدوان على مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945.
وقامت الدولة السورية بعد الاستقلال بترميم الجامع وفي عام 1951، قررت هدمه وبناء مسجد جديد مكانه، مع الإبقاء على مأذنته المملوكية ومحرابه القديم وعلى قبر الأمير تنكز المجاور له. وقد أقامت مديرية أوقاف دمشق مدرسة شرعية للبنات في جزء من صحن المسجد القديم، وهو على شكله الجديد يؤمه المصلون إلى اليوم في شارع النصر بدمشق.