يتقاضى فايز 27 عاماً (طلب عم ذكر اسمه كاملا) أسبوعيا 140 ألف ليرة تقريباً مقابل حياكة القمصان في معمل للخياطة بدمشق، ويقول بغصة إن القميص الواحد يباع في السوق براتب أسبوع عمل، وهو يعمل أكثر من 9 ساعات يوميا.
يفكر فايز بالسفر إلى الإمارات "ولو نام في الشارع هرباً من جشع أصحاب المعامل والورش" على حد تعبيره الذين "لا يعطونه من الجمل إدنه"، وقال لموقع تلفزيون سوريا "سأسافر إلى دبي وسأنام في الشارع، حتى أحصل على عمل في مهنتي أتقاضى فيه مبلغاً أشعر به أنني منصف".
نزيف اليد العاملة السورية
يستمر نزيف اليد العاملة من سوريا بكل المستويات، من عمالة ماهرة و عمال عاديين، وحالياً إما أن ترى أصحاب عمل يعتمدون على أطفال لتسيير أمورهم أو يمكن أن ترى أطفالاً تحت السن القانوني هم نفسهم أصحاب العمل ويعملون بورش مهن حرة لحسابهم الخاص نتيجة ندرة المهرة وذوي الخبرة.
يقول بلال (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) وهو "معلم كهرباء منزلية" كما يصف نفسه، إنه يبحث "بسراج وفتيلة على شغيل" لكن دون جدوى، وإن استطعت تأمين شاب صغير في العمر، سيبقى معك بضعة أشهر ثم يترك العمل بسبب قلة المردود ويبحث عن عمل آخر، أو ينتقل ليعمل وحده ويتقاضى أسعاراً رخيصة جداً قياساً بأصحاب الخبرة، وقد بات هناك كثير من الزبائن يفضلون الأطفال تحت السن القانوني بين (16 – 17 عاماً) أو فوقه بعام أو عامين (19 - 20) للعمل كمعلمين نتيجة أسعارهم الرخيصة بغض النظر عن الجودة.
يعاني أصحاب المصالح الحرة والورش المهنية من قضية العثور على "شغيلة ذوي خبرة" كما يقول أبو نضال وهو يعمل في مصلحة الجبسن بورد، ويبرر ذلك بعدة أسباب أولها الهجرة التي تسيطر على عقول السوريين ، فقد يعمل معك شاب لسنة أو أقل ثم تسمع أنه هاجر في ليلة وضحاها دون سابق إنذار، أو يبحث هذا الشاب على مصلحة أخرى تدر عليه أكثر من المال ولو بـ10 آلاف في الشهر، أو ينتقل للعمل وحده طمعاً بالمال أيضاً، إضافةً إلى الالتحاق بالجيش أو بالمدرسة في الشتاء، حيث يكاد يكون العثور على عامل فترة الشتاء شبه مستحيل".
ندرة بالمعلمين المهرة في دمشق
كما الشغيلة، "بات العثور على معلمين ذوي خبرة شبه مستحيل" يقول فايز وهو صاحب محل في الحريقة، مضيفاً "سيارتي موديل 2011 نوع كيا فورتي، عندما تتعطل أتعوذ من الشيطان، فهذا يعني أنني سأقوم بإدخالها لأكثر من 5 ورش ميكانيك لأعثر على العطل هذا إن عثرت عليه، فأغلب الميكانيكية المتبقين في سوريا ليس لديهم خبرة ويعتمدون على التحزير، وعمالهم أطفال تحت السن القانوني وغالباً هم من يقومون بالأعمال وليس صاحب الورشة الذي يفتقد الخبرة أيضاً".
ليس في مهنة الميكانيك فقط، فأغلب من التقاهم موقع تلفزيون سوريا من سكان في العاصمة، أجمعوا على أن العثور على معلم صحية مثلاً بات شبه مستحيل، فأغلبهم هاجروا من سوريا، إضافةً إلى مهن أخرى تركها أصحابها بسبب قلة الطلب عليها مثل ديكورات الجبس التي تعتبر من الرفاهيات حالياً، وبات العثور على معلم ديكور جبس صعباً جداً.
في مهنة الطلاء أيضاً، يقول فؤاد وهو يصف نفسه بـ"المعلم بالمصلحة من 20 عاماً"، إن أغلب العاملين بالمهنة حالياً أطفال وليس لديهم أي خبرة، وهم شغيلة سابقين بورشات لم يتأهلوا بها، وعملوا بضعة أشهر تحت إشراف أشخاص قليلي خبرة أيضاً، ما أفرز إلى السوق سوية متدنية من "الدهانة" لكن سعرهم الرخيص يغري الزبائن، وفي حال أراد زبون ما "معلم حقيقي بده يستنى بالدور ويدفع غالي".
"من وين بدي جيب شغيلة" يستفسر رائد وهو يعمل بالبناء، عند سؤاله عن استعداده لأي نهضة عمرانية قد تحصل، ويقول "نتمنى البدء بالإعمار لنعمل ونطعم أولادنا، لكن المشكلة بعدم وجود عمال، فأغلب شباب ورشتي السابقة هاجروا، وبعضهم انتقلوا للعمل كشقيعة بيع وشراء عقارات أو فتحوا بسطات خضار ودخان، وعودتهم للمصلحة أمر شبه مستحيل، فكيف ستقنعهم للعمل بمهنة مثل البناء بأسبوعية بين 100 – 150 ألف ليرة؟".
نساء سوريات وكبار في السن لتغطية النقص في العمال
عام 2021 ناشد رئيس الاتحاد العام للعمال جمال القادري الشباب السوري بعدم السفر، معتبراً هجرة الشباب خسارة كبيرة من رأس المال البشري، ومؤكداً على أن سوق العمل السوري تعرض لخلل كبير كمي بالنسبة للعدد، ونوعي بالنسبة للخبرات المطلوبة، ما أرخى بظلاله على القدرة الإنتاجية.
ونتيجة قلة اليد العاملة، عملت النساء في كثير من القطاعات، حيث أشارت أمينة شؤون التنظيم وعضو المكتب التنفيذي بالاتحاد العام لنقابات العمال إنعام المصري عام 2018، إلى أن المرأة السورية اضطرت لممارسة أعمال لم تعتد عليها سابقاً نتيجة الأوضاع التي تمر بها البلاد كجلي البلاط والعمل على الجرارات.
وشهدت السنوات الماضية زيادة كبيرة في دخول الكبار في السن فوق الـ55 عاماً لسوق العمل، نتيجة لانخفاض نسبة الشباب، ويرفض هؤلاء التقاعد نتيجة ضيق الحال الاقتصادي وانخفاض الراتب التقاعدي في القطاعات الحكومية، ما أجبرهم على العمل في مهن لا تتناسب وأعمارهم كما العتالة في سوق الهال أو في أعمال البناء.