يواجه اللاجئون السوريون الذين يعيشون في المخيمات العشوائية المتناثرة على الأراضي الأردنية مصاعب جمة، فما بين شقاء العمل في الزراعة والبحث عن رزقهم إمكانيات صعبة تحول دون وصول أطفالهم إلى المدارس، مما جعل التعليم خارج أولوياتهم بالرغم من إيمانهم بأهميته، يأتي ذلك وسط تقلص المساعدات الإنسانية في الأعوام الأخيرة بحسب منظمات إنسانية مهتمة بشؤون اللاجئين السوريين في الأردن.
"مخيمات منسية "
اتخذت مجموعة من اللاجئين السوريين في الأردن منطقة القويرة في محافظة العقبة جنوبي الأردن مقراً لهم، يعيشون في مخيم عشوائي لأكثر من عامين للعمل في قطاع الزراعة وهرباً من مصاريف الماء والكهرباء، إلا أن بُعد المدارس عن مكان سكنهم أخرج التعليم من دائرة أولوياتهم، يقول المزارع "أبو علي (41 عاما)" المنحدر من حماة لـ موقع تلفزيون سوريا "نُدرك أهمية التعليم ونطمح لتدريس أبنائنا، إلا أن الإمكانيات المادية لا تسمح، فالمدرسة تبعد أربعة كيلومترات عن مخيمنا وتكاليف التعليم مرتفعة".
طفل "أبو علي" البالغ من العمر 8 سنوات منقطع عن التعليم كلياً منذ عامين حاله كحال خمسة عشر طفلاً في المخيم، منهم من لا يجيد القراءة أو الكتابة، يقول أبو علي "حاولنا المطالبة كثيراً بتوفير حافلات لنقل الأطفال للمدارس إلا أنه لا استجابة".
من ذات المخيم يقول حاتم المبارك (42 عاما) المنحدر من ريف حماة لـ موقع تلفزيون سوريا " أطفالي الأربعة انقطع تعليمهم منذ قدومنا من شمال الأردن إلى هذا المخيم سعياً وراء لقمة العيش"، ويضيف المبارك أن أطفاله الأربعة تتراوح أعمارهم من ثمانية إلى أربعة عشر عاماً لا يجيدون القراءة والكتابة بصورة جيدة، ويحتاج الطفل ساعة وربع الساعة للوصول مشياً على الأقدام.
المدرس أحمد القاسم (37 عاما) المنحدر من درعا يقول لـ موقع تلفزيون سوريا نبعد 6 كيلومترات عن أقرب مدرسة للمخيم العشوائي الذي نعيش به في أطراف محافظة المفرق شمالي الأردن، يمكن استخدام مواصلات النقل العامة للوصول إلى المدرسة، مما يرتب أعباء مادية إضافية لذلك يفضل كثيرون تشغيل أبنائهم في مزرعة قريبة لتحسين وضعهم الاقتصادي بدلاً من إرسالهم إلى المدرسة فيقول "كل طفل قادر على العمل أهله يطلعونه من المدرسة ".
ويصف القاسم "أمام اللاجئ خيار إرسال ابنه إلى المدرسة عن طريق الحافلات التي توفرها المنظمات الإنسانية إلا أنه خيار غير متوفر للجميع لعدد الحافلات المحدودة، هناك مخيمات لا تتوفر بها حافلات مما يضطر الأهالي إلى تكبد مصاريف نقل إلى جانب المصاريف اليومية والقرطاسية، أما عندما تكون المدرسة قريبة فلا يحتاج اللاجئ إلى مصاريف كبيرة".
إلا أن الضرر الأكبر من بُعد المدارس عن المخيمات العشوائية يكون على الفتيات، فيقول "يخشى الأهالي على فتياتهم من المضايقات خلال الطريق الطويل للمدرسة لذا يفضلون بقاءهن في المنزل وتزويجهن".
" قيود التمويل "
مدير العمليات في مؤسسة متين للاستشارات والتدريب أسامة ابو كويك يقول لـ موقع تلفزيون سوريا: "نوفر حافلات نقل طلاب لاجئين سوريين للمدارس لـ 52 مخيما عشوائيا في محافظات المملكة، وهي مخيمات مسجلة لدينا ونقوم بمنحهم مساعدات إنسانية إضافية". مشيراً إلى أنه قبل توفير الحافلات كان الأطفال منقطعين عن التعليم كلياً، الكثير من العائلات لا تُرسل أطفالها الى المدارس لعدم توفر وسائل نقل.
تشير أرقام المؤسسة "متين" إلى أن عدد المخيمات العشوائية في الأردن يبلغ ما يقارب 315 مخيما، عدد كبير منها غير مدعوم ولا يصله أي خدمات إنسانية، ويضيف أبو كويك: "لا نستطيع تغطية كافة المخيمات العشوائية، في ظل تقلص المشاريع والدعم المقدم للاجئين السوريين في الأردن".
ووفق تقرير لليونيسيف "نصف الأطفال في المخيمات العشوائية ممن هم في سن المدرسة يلتحقون بالتعليم الرسمي، إلا أن الرقم انخفض إلى أقل من واحد من كل خمسة في الفئة العمرية 16-17 سنة.
"أرقام أممية تدق ناقوس الخطر"
يوثق تقرير "هيومن رايتس ووتش" "بدّي أكمل دراستي" لعام 2020 العوائق أمام التعليم الثانوي للأطفال السوريين اللاجئين في الأردن"، بأن العقبات التي تعترض وصول الأطفال السوريين اللاجئين إلى التعليم تزداد كلما تقدموا في المدرسة، مع انخفاض معدلات الالتحاق من قرابة 90% في الصفوف الابتدائية إلى 25-30% فقط في المرحلة الثانوية، وفقا لبيانات حكومية وبيانات من الأمم المتحدة.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أن برامج التعليم غير الرسمي التي تستضيفها المنظمات غير الحكومية لا تصل إلا إلى جزء ضئيل من الأطفال، كما يواجه 233 ألف لاجئ سوري في سن الدراسة في الأردن عقبات متعددة أمام التعليم تكون أكثر حدة للأطفال الذين تزيد أعمارهم على 12 عاماً، من ضمنها عمالة الأطفال وزواج الأطفال بدافع الفقر، ونقص وسائل النقل المدرسية بكلفة معقولة، والسياسات الحكومية التي تحد من الوصول إلى التعليم، ونقص التعليم الشامل الذي يُبقي على الأطفال ذوي الإعاقة خارج المدارس.
الناطق الإعلامي في وزارة التربية والتعليم الأردنية أحمد مساعفة في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا يقول: "حق التعليم مكفول لكل من يعيش على الأراضي الأردنية، ولا يشترط للالتحاق بالتعليم إلا إبراز الوثائق الرسمية واللاجئون السوريون يتم إمهالهم حتى نهاية الفصل".
ويقول المساعفة إن التسرب من المدارس يعود لأسباب عدة أهمها اقتصادية، مضيفاً أن مسألة الاكتظاظ في المدارس من التحديات التي تواجه تعليم اللاجئين.
"أوضاع اقتصادية تفاقم المعاناة"
ووفق تقرير تقييم الضعف لعام 2022 للمفوضية في الأردن فإن توظيف فرد واحد من الأسرة السورية في الأردن لا يكفي لتلبية الاحتياجات المنزلية الشهرية ونتيجة لذلك ارتفع عدد الأسر اللاجئين المدنيين بنسبة 39% مقارنة مع عام 2018.
ويعيش 64% من اللاجئين في الأردن على أقل من 3 دنانير في اليوم الواحد أي ما يقارب 4 دولارات كما أن 90٪ من عائلات اللاجئين يستخدمون استراتيجية واحدة على الأقل للتكيف السلبي، مثل الحد من تناول الطعام أو شراء السلع المنزلية عن طريق الدين الآجل، من أجل الاستمرار في حياتهم اليومية.
وبحسب التقرير فإن زيادة الديون لها تأثير سلبي على مستويات المعيشة، يلجأ اللاجئون الذين يعيشون في أماكن خارج المخيمات بشكل متزايد إلى العيش في منازل غير آمنة في ظروف دون المستوى.
كما أن هناك 760 ألف لاجئ مسجلون حالياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن، مما يشكل ثاني أكبر نسبة للاجئين لكل فرد في العالم. يعيش 17% فقط من اللاجئين في مخيمات اللاجئين، ويعيش معظمهم في البلدات والمدن في جميع أرجاء المملكة.