وسط حفاوة واسعة من المؤسسات المدنية العاملة في منطقة شمال غربي سوريا، أعلنت جامعة حلب في المناطق المحررة التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة" عن تخريج الدفعة الأولى من كلية الطب البشري، عبر حفل أقامته في مقر الجامعة الكائن في مدينة اعزاز شمال مدينة حلب، أمس السبت 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، وليكون هذا التخريج هو الأول من نوعه في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة السوريّة.
32 طبيباً وطبيبة، كان قوام دفعة التخريج الأولى جميعهم من الطلاب المنقطعين عن جامعات النظام، ووجدوا في جامعة حلب فرصةً سانحة لإكمال دراستهم وهو ما تمّ في نهاية المطاف بعد سنوات من الدراسة، إذ بدأت دراسة معظمهم من السنة الثالثة وفق نظام الاستكمال في مقاعد جامعة حلب في المناطق المحررة.
وكان لحضور "نخبة من الشخصيات السياسية" وفقًا لتوصيف كلية الطب البشري عبر حسابها في فيس بوك، ومنها رئيس الائتلاف السوري المعارض "نصر الحريري" حفل التخرّج، تحفّظ واسع لدى بعض الطلبة والكوادر التدريسية، وخرج صدى هذا التذمر حتى إلى روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، في حين اعتبر آخرون أنّ المنجز يستحق أن تنحى الخلافات السياسية جانباً، والتركيز على الحدث العلمي المتمثّل بتخريج دفعة من الأطباء للمرة الأولى في المنطقة، كما امتدت الانتقادات لتطول الحفل بالعموم لغياب معايير الوقاية من فيروس "كورونا" بين الحاضرين واقتصارها على بعض "الكمامات".
وبحسب ما تداول ناشطون محليون، فإنّ الدكتور عثمان حجاوي وهو من كوادر كلية الطب البشري أحجم عن حضور حفل التخرّج، بسبب حضور "نصر الحريري".
وعلى الرغم من الخلافات الجانبية، لا بد من الوقوف على مسألتين مهمتين تتعلّق بالدفعة الأولى من الأطباء والطبيبات، وهما مرحلة الاختصاص إلى جانب سوق العمل المتوفر لهم، وهو ما استطعنا الوقوف عليه من خلال الاستماع لأطباء كانوا من ضمن الدفعة، وأيضاً عمادة كلية الطب البشري في جامعة حلب.
الاختصاص
اعتبر "محمود خطّاب" وهو أحد الأطباء الخريجين، أنّ مرحلة "التخصص" واحدة من العقبات التي تنتظرهم من وجهة نظره، وذلك بسبب محدودية المقاعد الممنوحة للخريجين والتي ستكون بموجب منحة.
ويقول "خطّاب" لـموقع "تلفزيون سوريا" إنّ الخريجين سيخضعون لفحص مقابلة كمرحلة تمهيدية للاختصاص، وعليها سيكون الفرز وقد تكون من نصيب أشخاص دون أشخاص آخرين.
وتوفر "الهيئة السورية للاختصاصات الطبية" نحو 22 اختصاصاً تنوعت بين أمراض القلب والأوعية الدموية والجراحة العامة والأطفال والعصبية والصدرية وغيرها من الاختصاصات في ريفي حلب وإدلب.
وفي تحديث صادر في 21 أيلول/ سبتمبر عن "الهيئة السورية للاختصاصات" أصدرت قائمة بالاختصاصات والمستشفيات المعترف عليها من قبلها، بعد مطابقتها جميع المعايير المعتمدة لدى الهيئة ومجالسها العلمية وكذلك زيارة ميدانية من قبل اللجنة المركزية للاعتراف.
العمل
لا يحمل محدثنا "خطّاب" قلقاً اتجاه فرصة ومكان العمل، على اعتبار أنه يعمل حالياً بصفة طبيب إسعاف في أحد المستشفيات، وبعد الحصول على الشهادة فرص العمل ستكون أكثر وفرةً، وخاصةً أنّ قسماً جيداً من المنظمات تعترف بالشهادة الصادرة عن جامعة حلب في المناطق المحررة. ويصبّ خطّاب اهتمامه بالوقت الحالي للبدء في مرحلة الاختصاص وهي الأولوية على حدّ وصفه.
الطبيب "موسى الأعرج" وهو من أحد الخريجين أيضاً، أشار في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" إلى أّنه في الوقت الحالي يبحث عن فرصة عمل ريثما تتوفر فرصة الاختصاص، التي ما زالت ضبابية المعالم.
ويبدي "الأعرج" شعور الطمأنينة حول تأمين فرصة العمل، وقال: "إنّ كثيراً من الزملاء من باقي الأفرع والتخصصات يعملون بشهاداتهم الصادرة عن جامعة حلب في المناطق المحررة".
وضمن مذكرة تفاهم بين كلية الطب البشري ومستشفى الشهيد الدكتور محمد وسيم معاز، وبالتعاون مع منظمة الأطباء المستقلين أجرى الأطباء الخريجون الفحص السريري لنيل التخرج، بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بحسب ما أعلنت "الأطباء المستقلين" على صفحتها في "فيس بوك".
"أبو حطب" يوضّح
أكّد عميد كلية الطب البشري في جامعة حلب في المناطق المحررة "جواد أبو حطب" في حديث لـ"تلفزيون سوريا" أنّ ستة طلاب قبلوا في مرحلة التخصص على الفور من دفعة الخريجين وكان من بينهم طبيبان حصلوا على المركزين الأول والثاني ضمن المسابقة التي أجرتها منظمة (الأطباء المستقلين) لمرحلة الاختصاص عبر الهيئة السورية للاختصاصات وبلجنة حيادية من خارج الجامعة، متفوقين في ذلك على خريجين من جامعات غير سوريّة، كما أنّ خريجي جميع المعاهد التقانية الطبية خلال السنوات الماضية دخلت سوق العمل مباشرةً ووجدت فرص عمل.
ومن أجل مجالي التخصص والعمل، نوّه محدثنا أنّ مذكرات تفاهم عديدة وقعت خلال السنوات الماضية بين منظمات طبية عاملة في الشمال السوري منها منظمة الأطباء المستقلين، والجمعية الطبية السورية الأمريكية "سامز" والرابطة الطبية للمغتربين السوريين "سيما".
ويؤكد "أبو حطب" أنّ التفوق لدى الطلاب يعود إلى خطة علمية متكاملة وجديّة دون أي اختصارات أو تهاون في العمليات الامتحانية وتضمن للطبيب تقديم عمله وخدماته بالصورة الكاملة، لافتاً إلى أنّ التعليم لم يقتصر على الكوادر المحليّة بل كان هناك مشاركة فاعلة من قبل أطباء وكوادر من الخارج ومنها الولايات المتحدة الأميركية عبر الإنترنت، وهم من أفضل الأطباء في بلادهم.
وأشار إلى أنّ "الأطباء بالمجمل وحتى في البلدان المستقرة لا يتجه جميعهم إلى التخصص، إنما يختار بعضهم الطب العام، لكن مع ذلك نعمل على توسعة فرص الاختصاص بالتنسيق مع الهيئة السورية للاختصاصات التابعة لـ"المؤقتة".
ويعتبر تجهيز مستشفى جامعي خاص ومستقل بالوقت الحالي هو أولوية لكلية الطب البشري، بحسب "أبو حطب" أمّا مسألة الاعتراف الدولي بالجامعة فهو قضية سياسية بحتة ولا شأن للمعايير الأكاديمية فيها.
وكشف لـ"تلفزيون سوريا" عن محادثات تجرى مع جامعة طبية تركية لافتتاح فرع لها في الداخل السوري بما يضمن تأمين معادلة الشهادة الصادرة عن كلية الطب البشري، إلا أن أزمة "كورونا" عرقلت المشاورات وأخّرتها.
وحول الجدل الحاصل والاحتجاجات من جراء حضور "نصر الحريري" حفل التخرج، استطرد "أبو حطب" حديثه قائلاً: إن قيمة الحدث بالنسبة للناس وذوي الأطباء المتخرجين هو أولوية، وباقي الخلافات لها أماكن أخرى كي تطرح وتناقش وليس حفل تخرج.
وأضاف: "التخرج هو يوم مميز وانتصار على الظلم وهو فرح يخص عائلة مقيمة في خيمة تنتظر تخرج أبناءهم، وكنت أتمنى أن تركز الجهود على هذا الانتصار أما السجالات السياسية مفتوحة كل الأيام، وليس صائباً الحديث عن وجود خلافات لوجود أشخاص على حساب الحديث عن هذا الانتصار العلمي".
أهميّة الخطوة
يقول "أبو حطب"، إنّ السنوات العشرة الأخيرة توقفت الجامعات في مناطق سيطرة المعارضة عن رفد السوق بالمجال الطبي وخاصةً الأطباء، وهذه الفئة التي تعرض بعضها للملاحقة الأمنية من النظام السوري والاعتقال بسبب انضمامها إلى صفوف الثورة السورية، فضلا عن مغادرة بعضها إلى خارج البلاد لتأمين لقمة العيش.
وأشار إلى أنّ الأطباء المنقطعين الذين غادروا البلاد وأكملوا دراستهم في بلدان اللجوء، بالمدى المنظور من الصعوبة أن يعودوا إلى المناطق المحررة، وهنا تأتي أهميّة تخريج دفعة الأطباء من جامعة حلب في المناطق المحررة لسد هذه الفجوة.
وبحسب توثيق منظمة "أطباء من أجل الإنسانية"، فإنّ 923 عاملاً طبياً قتلوا بين عامي 2011 و2020 في سوريا، بنسبة 91% منهم على يد قوات النظام السوري وحليفه الروسي.
وتقول المنظمة، إنّ العاملين الطبيين في الخطوط الأماميّة في حالات الصراع المسلح، يدعمون المدنيين الذي يعانون من العنف والظلم والحرمان. في سياق لعبت فيه مهاجمة المدنيين دوراً بارزاً للغاية، وتم استهداف العاملين الطبيين لمنعهم من تأدية واجباتهم من خلال الاضطهاد والتعذيب والقتل.