"لا أضحية هذا العام" عبارة قالها السوري معتز رمضان بحرقةٍ وحسرة، فارتفاع أسعار الأضاحي في تركيا وتدني مستوى الدخل، جعله غير قادرٍ على شراء الأضحية، بعدما اعتاد على ذلك طوال عقدين من الزمن.
تشهد أسعار الأضاحي هذا العام ارتفاعاً كبيراً، حيث زاد سعر الأضحية بمعدل ضعفين ونصف تقريباً، مقارنةً بالعام الماضي.
ويبلغ سعر كيلو لحم العجل الحيّ 73 ليرة تركية، بينما يتراوح سعر لحم الخاروف الحيّ بين 75-80 ليرة، في حين كان سعر الكيلو بين 28-30 ليرة العام الفائت.
وارتفعت أسعار اللحوم في تركيا بشكلٍ كبير هذا العام، مع غلاء الأعلاف وتراجع قيمة الليرة التركية، والتي وصلت إلى 17 ليرة مقابل الدولار.
وكانت مؤسسة اللحوم والألبان التركية، رفعت أسعار كل اللحوم بنسبة 48%، نهاية آذار الماضي.
الأضحية تعادل راتب عامل
بعد حسبةٍ طويلة قام بها معتز رمضان، جمع فيها نفقاته الشهرية وقارنها مع راتبه، تبيّن له أنه لن يستطيع شراء الأضحية هذا العام، كما اعتاد طوال عشرين سنة.
يقول رمضان، وهو لاجئ سوري مقيم في ولاية أنقرة، لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "أسعار السلع ارتفعت بشكلٍ جنوني هذا العام، بما فيها الفواتير وإيجارات المنازل، فلم تعد تقل أجرة البيت عن ألفيّ ليرة، وبالوقت نفسه أغلب العمال في تركيا لا يزيد دخلهم على 5 آلاف ليرة تركية، أي أن سعر الأضحية تعادل راتب عامل، وبالتالي من الصعب عليهم شراؤها".
ويختلف سعر أضحية الخاروف أو العجل بحسب وزنها وجودتها، ولنتعرف أكثر على تكاليف الأضحية بشكلٍ كامل، التقى موقع "تلفزيون سوريا" مع أبي العبد، وهو صاحب ملحمة في منطقة أسنيورت بإسطنبول.
يقول أبو العبد "في تركيا يوجد نوعان من الخراف، الأول الخاروف السوري (العواس)، ويبلغ سعر الكيلو الحيّ حالياً 80 ليرة تركية، أما النوع الثاني الخاروف التركي (البيلا)، وجودة اللحم فيه أقل ونسبة الدهون أكثر، ويتراوح سعر الكيلو منه بين 73-75 ليرة".
ويتراوح وزن خاروف الأضحية بين 45-75 كيلو، وبالتالي فإن سعر الخاروف، الذي يزن 60 كيلو، يبلغ 4800 ليرة من نوع العواس، و4500 من نوع بيلا، يُضاف لها 350 ليرة أجور الذبح والتقطيع والتغليف.
يضيف أبو العبد أن "إقبال الزبائن هذا العام على شراء الأضاحي ضعيف مقارنةً بالعام الفائت، حيث كان سعر الأضحية حينها 1800 ليرة فقط".
"أضحية العجل" بالتشارك
تعتبر أضحية العجل أقل إقبالاً من السوريين في تركيا، في ظل سعرها الباهظ من جهة، وتفضيل السوريين لحم الغنم على العجل من جهةٍ أخرى، على خلاف معظم الأتراك.
يتراوح وزن العجل بين 400-600 كيلو، ويبلغ سعر الكيلو هذا العام 73 ليرة، ما يعني أن السعر الوسطي للعجل 35 ألف ليرة.
وقال اللّحام أبو العبد إنه "من النادر أن يُضحي السوريون بلحم العجل، وفي حال حصل ذلك، فيكون من خلال تشارك عدة أشخاص على عجلٍ واحد".
ووفق الشرع الإسلامي، وبحسب رأي معظم المذاهب، يمكن أن يشترك سبعة أشخاص على بقرة أو عجل، حيث قال عبد الله بن عباس: "كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة".
ونوه أبو العبد إلى أن أجرة ذبح العجل تفوق الخاروف، حيث تبلغ كلفة ذبح وتقطيع العجل إلى أربع أو ست قطع، نحو ألفي ليرة تركية، وإذا أراد الشخص تقطيع العجل لحصص صغيرة وتغليفها، فتبلغ الكلفة حينها 3 آلاف ليرة".
تفاصيل حاضرة في الذاكرة
تختلف أجواء الأضاحي من بلدٍ لآخر، لكن القاسم المشترك بينها أنها إحدى العبادات والأجواء الدينية التي تقربنا من الله، وتُدخل البهجة على قلوب الفقراء من خلال التصدّق بجزءٍ من الأضحية.
يستذكر "أبو صبحي قصاص"، لاجئ سوري مقيم في حي أفجلار بإسطنبول، أجواء الأضحية في سوريا، بينما افتقد جزءاً كبيراً من تلك الأجواء كغيره من السوريين حين جاء إلى تركيا.
يقول أبو صبحي إن "رب المنزل كان يذهب لمزارع الأغنام قبل أسبوع من العيد، للاستفسار عن الأسعار وانتقاء الأضحية الأفضل من حيث الجودة والسعر، ومن ثم يأخذ الخروف معه بسيارته أو بسيارة أجرة إلى منزله، حيث يتم ربطه في حديقة البيت".
وصول الخاروف إلى المنزل كان يُدخل البهجة في قلوب أفراد العائلة، خاصةً الأطفال الذين يبدؤون باللعب مع الخاروف وإطعامه، بينما يكون الأب والأم مشغولين بكتابة قائمة الأقارب والفقراء الذين سيتم توزيع حصص الأضحية عليهم بعد ذبحها.
مع حلول أول أيام عيد الأضحى، يذهب رب المنزل لإحضار اللّحام، الذي يقوم بذبح الخاروف في حديقة المنزل، أو على الرصيف المجاور للمنزل.
تتعالى أصوات التكبيرات حين يبدأ اللّحام بذبح الخاروف، ومعها تتعالى أصوات الأطفال الذين يصرخون من البكاء وهم يقولون "حرام لا تموتوا"، بينما تحاول الأم تهدئتهم وتخبرهم عن فضل الأضحية للمسلم وحلال ذبحها.
بعد الانتهاء من الذبح يقوم اللّحام بتقطيع الخاروف، ليبدأ بعدها دور الأم والأب بتغليف الحصص في أكياسٍ صغيرة، ومن ثم التنقّل إلى منازل الأقارب والفقراء لتوزيع الحصص.
أجواء افتقدها السوريون
يوجد خمس طرق لشراء وذبح وتوزيع أضحية العيد في تركيا، تتنوع بين الشراء والذبح في أماكن مخصصة بالمدن الكبرى، أو ذبحها قرب المنزل في القرى النائية، أو المساهمة مع أصدقاء وجيران في أضحية، أو شراء أضحية جاهزة ومعلبة، وانتهاءً بالتبرع بثمنها لمنظمات المجتمع المدني، لترسلها إلى المحتاجين داخل تركيا أو خارجها.
يقارن أبو صبحي قصاص بين الطقوس التي كانت ترافق ذبح الأضاحي في سوريا، وبين الطقوس الحاضرة في تركيا.
يقول أبو صبحي "في تركيا لا يحق لك أن تصطحب الأضحية التي اشتريتها إلى المنزل، أو تذبحها بجوار بيتك، لأن ذلك سيدفع الجيران الأتراك لتقديم شكوى لدى الشرطة، لانزعاجهم من صوت الخاروف ورائحته، لذا يذهب الشخص إلى المزرعة وينتقي أضحيته ويدفع ثمنها، وثم يتم وضع رقم عليها لمعرفتها وقت الذبح".
منع اصطحاب الأضحية إلى المنزل، يحرم الأطفال من بهجة اللعب مع الخاروف وإطعامه، كذلك لم يعد هناك داعٍ لكتابة قائمة طويلة للأشخاص الذين سيتم توزيع الأضحية لهم، فأغلب اللاجئين باتوا بعيدين عن أهلهم وأقاربهم.
يضيف أبو صبحي أنه "في الشريعة الإسلامية، ثلث الأضحية لصاحبها، وثلث للأقارب وثلث للفقراء، لكن ليس لديّ أقارب في تركيا، وحتى من له أقارب، يصعب عليه التوجه لهم لإعطائهم حصصهم، كون المسافات بعيدة ضمن المدن التركية خاصةً إسطنبول، وتوزيع الحصة الواحدة قد يستغرق أربع ساعات، بينما كنا نوزع كل الحصص في سوريا خلال ساعة واحدة".
غياب الأقارب أو صعوبة إيصال الحصص لهم، يدفع السوريين لتوزيع ثلثيّ الأضحية على الجيران السوريين والأتراك والفقراء الذين يعرفونهم.
في المقابل يفضّل كثير من السوريين في تركيا، إرسال مبلغ من المال إلى ذويهم في سوريا، ليتكفلوا بشراء الأضحية وذبحها وتوزيعها، على الأهل والأقارب والفقراء، على مبدأ "الأقربون أولى بالمعروف".