أشهر انتقالية في البيت الأبيض ورمال متحركة في سوريا بإشراف روسي 

2024.11.10 | 06:12 دمشق

منذ ثماني سنوات، وعندما انتصر ترمب أيضاً في انتخابات تشرين الثاني 2016، تعرضت الخريطة السورية العسكرية لأكبر تغير لها عبر تسليم مدينة حلب كاملة للنظام السوري بإشراف روسي مباشر.
+A
حجم الخط
-A

فور إعلان فوزه بدأت اتصالات وتصريحات التهنئة تنهال على الرئيس الأميركي المنتخب مجدداً دونالد ترمب، ولاسيما من زعماء منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الكلمات والمعاني الدبلوماسية التي أشارت إلى سعادة الجميع بالعمل مع ترمب في السنوات الأربع المقبلة، إلا أن أجواء التوجس من الأجندة الخارجية التي سيعمل عليها لا يمكن أن يُنكرها أحد. كما أن طغيان الحدث أدى إلى حمى توقعات وتحليلات سياسية لما يمكن أن يتغير نتيجة لهذا الفوز، ليس بدءاً من ولاية ترمب الرئاسية رسمياً في العشرين من كانون الثاني العام القادم 2025 وحسب، بل حتى خلال الأشهر الثلاثة الانتقالية وصولاً لها، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، التي تعيش تحت وطأة الحربين اللّتين تشنهما إسرائيل على غزّة ولبنان، والقصف الذي تتبادله مع إيران، وكذلك بالطبع بالنسبة للتواجد الإيراني في سوريا، والذي أصبحت معالجته موضوعاً على سلم الاهتمامات الروسية أيضاً.

وعلى الرغم من أن الحرب الروسية الأوكرانية تبدو بعيدة جغرافياً، إلا أن آثارها المباشرة كانت بادية في المنطقة، وبالتالي فإن أي تطور بخصوص الاتجاه نحو تصعيدها قبل قدوم ترمب، أو وقفها، وهو ما يُرجح تحقيقه من قِبل ترمب، بحسب ما هو معلن، ستكون له منعكساته حتماً على ملفات الشرق الأوسط الدموية والشائكة، بما فيها ما يتعلق بالقضية السورية. هذه القضية، يُتوقع ألا تكون من أولويات العمل لدى إدارة ترمب، والتي يُرجح أن يقوم بتفويض طرف آخر لتسييرها نحو وضع أكثر أمناً وقبولاً.

الذاكرة السورية القريبة تشير إلى إمكانية وقوع تطورات دراماتيكية خلال الأشهر الانتقالية قبل بدء عهد ترمب الجديد، فمنذ ثماني سنوات، وعندما انتصر ترمب أيضاً في انتخابات تشرين الثاني 2016، تعرضت الخريطة السورية العسكرية لأكبر تغير لها عبر تسليم مدينة حلب كاملة للنظام السوري بإشراف روسي مباشر. وذلك بعد فتح باب تسليم المناطق المحاصرة ورحيل الثوار والمعارضين المسلحين إلى إدلب، انطلاقاً مما حدث في داريا أواخر صيف وأوائل خريف 2016. فتلك الأشهر شهدت إنهاء الملف الأكثر حساسية في التوافق الأميركي الروسي بخصوص خلق رمال متحركة نحو تخفيض التصعيد بين النظام والمعارضة والتفرغ للحرب على تنظيم الدولة، والذي مهد لمسلسل أستانا الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا، إذ استعاد النظام السوري فيما بعد وعلى مدار سنتين معظم الأراضي السورية التي كان الثوار والمعارضة المسلحة يسيطرون عليها. لقد مرَّ على آخر تلك التغيرات قرابة أربع سنوات، بُعيد تولي بايدن لمهامه الرئاسية في عام 2020.

منذ ثماني سنوات، وعندما انتصر ترمب أيضاً في انتخابات تشرين الثاني 2016، تعرضت الخريطة السورية العسكرية لأكبر تغير لها عبر تسليم مدينة حلب كاملة للنظام السوري بإشراف روسي مباشر.

لقد نجحت إدارة بايدن باختصار القضية السورية بمسألة اللاجئين والاحتياجات الإنسانية والمعابر، ضمن وضع ساكن عسكرياً وسياسياً وأمنياً، وكذلك تطبيق اتفاق سوتشي الروسي التركي في ربيع عام 2020 بخصوص إدلب، وهو الوضع والاتفاق الذي مرَّ عليه تداعيات حروب إسرائيل ولاسيما في لبنان، وتحولات سياسية  مهمة بخصوص إعادة تأهيل النظام من قبل الدول العربية، وكذلك استفادته -أي النظام-من المطالب والتحركات الأوروبية بمعالجة طويلة الأمد لملف اللاجئين السوريين، تحت وقع عودة مئات الآلاف من لبنان، ودخول الأمم المتحدة -مؤخراً-بصورة مباشرة في مشاريع التعافي المبكر انطلاقاً من دمشق.

فمع احتمالية عدم تحقيق إيقاف سريع للحرب الروسية الأوكرانية خلال الأشهر الثلاثة الانتقالية القادمة، إذ ستفرج إدارة بايدن عن آخر حزمة مساعدات لأوكرانيا، كما يُرجح الإبقاء على الدعم الأوروبي اللازم لصمود أوكرانيا خلال إنجاز الصفقة النهائية، يُرجح أن يكون التنسيق الأميركي الروسي بخصوص سوريا أكثر تطابقاً وفعالية. فروسيا تعمل على ملف مهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، وهو إنجاز رحيل ميليشيات أجنبية موالية للحرس الثوري الإيراني، وحل وإعادة تموضع ودمج الميليشيات المحلية المدعومة من إيران، ونجاحها في ذلك ستكون له تبعات على غاية من الأهمية بالنسبة للأطراف المذكورة صاحبة المصلحة، وبالتأكيد لن يكون ذلك بعيداً عن استفادة روسيا المباشرة في مفاوضات الذهاب إلى وقف الحرب مع أوكرانيا، ضمن صفقة نهائية مناسبة لها، ومدعومة من ترمب وإسرائيل أمام أي عراقيل أوروبية.

حل مشكلة الميليشيات الإيرانية ليس بالسهولة التي يمكن التفاؤل بنجاحها سياسياً وعبر التفاوض، ومن دون تدخلات عسكرية، وإذا كانت الإجراءات العسكرية بخصوص الميليشيات الإيرانية موجودة فعلاً عبر الضغط العسكري الإسرائيلي المتمثل بالقصف الجوي، فإن تزامن ذلك مع تحركات على الأرض، سواء فيما يتعلق بنوع من التضييق على حزب الله وتقييد نفوذه ضمن مناطق سيطرة النظام، أو تحويلها إلى تحركات شعبية معلنة وواسعة النطاق، كما حصل في البوكمال من قبل حشد عسكري قَبَلي، حين تم قطع طريق بغداد بيروت لأول مرة منذ سنوات، إن هي إلا تشير إلى بدء روسيا للعبة رمال متحركة لإحداث تغيرات أساسية بدءا من المناطق الشرقية ذات النفوذ الإيراني، ستتضح أكثر مع الأيام، وذلك ضمن توافق إقليمي بات يسعى علناً إلى إنهاء وجود الميليشيات في سورية، وعلى رأسها الميليشيات المدعومة من النظام الإيراني، وخلال هذه الأشهر الانتقالية في البيت الأبيض، للانتقال للمرحلة التالية.