أعلنت مجموعة من التيارات والأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة داخل سوريا، في آذار الماضي، عن تشكيل كيان سياسي جديد، يضم هيئات ذات طابع قومي عربي ويساري وأحزاب كردية وتركمانية فضلاً عن شخصيات مستقلة، تحت اسم "الجبهة الوطنية الديمقراطية - جود".
وتحدثت الوثيقة السياسية للجبهة عن تمسكها بـ "إنهاء نظام الاستبداد القائم"، و"تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بموجب بيان جنيف والقرارات الدولية"، وطالبت بإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وبناء جيش وطني، وتحييده عن السياسة والعمل الحزبي، وإخراج كل الجيوش والميليشيات غير السورية من البلاد.
وترافق الإعلان عن تأسيس "جود" الكثير من اللغط والتساؤلات والتأويلات بين السوريين عموماً، وفي أوساط المعارضة خصوصاً، حول طبيعة التجمع الجديد وعلاقته بالقوى السورية والإقليمية وموقفه من نظام الأسد، خاصة وأن نشاطه ينطلق من الداخل السوري.
حول أحزاب المعارضة داخل سوريا وعلاقتها بالمعارضة في الخارج، والعملية السياسية ومساراتها، نحاور رئيس "تجمع الشباب الوطني"، ورئيس المؤتمر التأسيسي لـ "الجبهة الوطنية الديمقراطية - جود"، السيد أسعد رشيد، المقيم في العاصمة دمشق.
المشكلة الرئيسية للمعارضة السورية هي التخوين
لنبدأ مما حصل مؤخراً، ماذا عن مشاركتكم في مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في دمشق، رغم أن "جود" نفت المشاركة بصفة اعتبارية وشخصية؟
المؤتمر الذي عُقد في 4 أيلول الجاري لم يكن مخصصاً للحوار، بل هو المؤتمر التأسيسي الأول لـ "الجبهة الديمقراطية السورية"، أو أطلق عليه "مؤتمر محمود مرعي"، وضم حزبين مرخصين من أحزاب المعارضة، بالإضافة إلى 18 مكونا معارضا موجودا داخل سوريا وشخصيات معارضة مستقلة.
تمت في هذا المؤتمر التأسيسي دعوة عدد كبير من الضيوف، وحضر أعضاء السلك الدبلوماسي وممثلون عن السفارات العربية والأجنبية الموجودة والمعتمدة في دمشق، بالإضافة لممثل عن الأمم المتحدة.
بالنسبة لي، تمت دعوتي كضيف شرف بصفتي الشخصية أولاً، وكرئيس لـ "تجمع الشباب الوطني" و"الجبهة الوطنية الديمقراطية - جود".
لم تشارك جود بأي حوار سياسي في المؤتمر، فقط تقدمنا بكلمة مختصرة، تمنينا فيها النجاح للمؤتمر، وطالبنا بالتعددية السياسية وتحقيق دولة العدل والقانون، وتخليص سوريا من الوضع الاقتصادي الكارثي الذي وصلت إليه.
يصف البعض اللقاءات والمؤتمرات التي تجريها القوى السياسية المعارضة داخل سوريا بأنها تأتي في سياق الترويج للتعددية في ظل نظام الأسد، فضلاً عن اتهامات بارتباطها بما ترسمه روسيا لمستقبل سوريا. كيف ترون ذلك؟
لدى المعارضة السورية مشكلة رئيسية، وهي التخوين.
والتخوين فكر ممنهج للقضاء على المعارضة الداخلية والخارجية على حد سواء، فالمعارضة الداخلية تُتهم بالعمالة والعمل وفق مصالح النظام، والمعارضة الخارجية تتهم بالعمالة لدول إقليمية ودولية.
بدأ التدخل الروسي في سوريا بوقوف موسكو بشكل كامل إلى جانب نظام الأسد، وحالياً لها قوات موجودة على الأراضي السورية، وتتحكم بشكل كبير بمفاصل الدولة السورية، ولها مصلحة باستقرار الوضع في سوريا تنبع من حماية مصالحها على الأراضي السورية.
لكن هناك ضغوطات دولية تمارس اليوم على روسيا، وتحديداً من الولايات المتحدة، ما جعل المواقف الروسية تتغير باتجاه إيجاد حل سياسي في سوريا والاستغناء على الحل العسكري، وروسيا اليوم مطالبة بإدخال المعارضة السورية للجلوس على طاولة المفاوضات كطرف ثانٍ أمام النظام.
وبالنسبة لنا، كل المؤتمرات الخارجية التي حصلت، كاجتماعات "اللجنة الدستورية" أو اجتماعات "أستانا" وغيرها، تصب في هذا الموضوع.
المعارضة الداخلية والخارجية يكملان بعضهما
هل تحقق المعارضة السورية الموجودة داخل سوريا موقفاً معارضاً حقيقياً، أم أنها لا تعدو كونها حراكاً لا يضر ولا ينفع، ومسموحا به من قبل النظام؟
المعارضة الموجودة داخل سوريا هي معارضة حقيقية، ويوجد عدة تجمعات وأحزاب وحركات معارضة في الداخل السوري منذ أكثر من 30 عاماً، ولا تزال مستمرة بعملها رغم جميع الظروف السيئة التي مرت بها، ومحاولات اعتقال كوادرها وسجنهم التعسفي.
وإذا كان لابد من حراك حقيقي، فيجب أن يبدأ من الداخل، وبالأخص من دمشق، ويجب على المعارضة الخارجية أن تدعمه.
برأيكم، أين تقف المعارضة داخل سوريا من نظيرتها في الخارج، هل توجد نقاط خلاف جوهرية، وماذا تحتاج المعارضة السورية، بشكل عام، لتكون أقرب إلى السوريين وتمثّلهم بشكل حقيقي؟
يجب عدم التمييز بين المعارضة الداخلية والخارجية، فهما يكملان بعضهما البعض، و90 % من الأهداف والمطالب مشتركة، وهي أهداف ومطالب أي مواطن سوري يعيش في هذه الظروف السيئة.
من الضروري التأكيد على أن لا أحد من المعارضة الداخلية أو الخارجية يدّعي تمثيل الشعب السوري، فنحن نمثل جزءا، وكل حزب أو تجمع يمثل جزءا من الشعب السوري، ويعبر عن أهداف ورغبات وتطلعات هذا الجزء.
ماذا عن تجمع الشباب الوطني؟
تجمع الشباب الوطني هو مجموعة من الشباب المؤمنين بسيادة القانون في سوريا، ويسعون نحو تطوير البلد بالخبرات الموجودة، الاقتصادية والسياسية والإعلامية داخل التجمع، الذي قسم من أعضائه داخل سوريا وقسم آخر خارجها، والجميع يتمم بعضه البعض.
يعمل التجمع وفق رؤية سياسية هدفها الأساسي إحقاق العدل والقانون في سوريا، وتنص على وحدة الأراضي السورية، بالإضافة للمساواة بين جميع أفراد الشعب السوري في الحقوق والواجبات، وهذا هدف أساسي للتجمع.
كما يطالب التجمع بالتعددية السياسية، للوصول للحرية وبناء اقتصاد متين بعيد عن المحسوبيات.
التجمع عضو في عدة تحالفات داخل سوريا وخارجها، ومؤخراً أجرينا تحالف مع "التيار السوري للبناء والتجديد - سبت"، وهو تيار معارض موجود داخل سوريا وخارجها، بالإضافة لعضويته في "الجبهة الوطنية الديمقراطية - جود".
تجمعات جديدة ستنضم لـ "جود" قريباً
كنتم قد صرحتم في وقت سابق أن "الجبهة الوطنية الديمقراطية" تسعى لتوسيع قاعدتها من المشاركين، أين وصلتهم في هذا الأمر، وما هي معايير المشاركة ضمن التجمع؟
"الجبهة الوطنية الديمقراطية – جود" عبارة عن مجموعة من الأحزاب والحركات والتجمعات والشخصيات المستقلة، وأي شخصية أو تجمع مستقل يريد الانضمام يجب أن يتمعن بالرؤية السياسية لـ "جود" والتوقيع عليها، وهذا أحد المبادئ الأساسية.
أما المطلب الثاني، فيجب أن يكون الشخص غير متورط بالدم السوري، ويؤمن بالحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية، وهذا أيضاً مطلب أساسي.
الرؤية السياسية لـ "جود" تم نشرها، ومعروفة لمعظم أطياف المعارضة، وهناك آلية معينة متبعة لدراسة ملف الحركة أو التجمع أو الحزب أو الشخصية المستقلة قبل الانضمام، وحالياً يوجد تواصل مع أكثر من جهة ترغب بالانضمام لـ "جود"، وهذا ما سيحدث قريباً.
كيف تصف علاقة "الجبهة الوطنية الديمقراطية" بالقوى الكردية شمال شرقي سوريا؟
كثير من الحركات والتجمعات والأحزاب المشاركة في "جود" لها علاقات مع مكونات وأحزاب في الشمال السوري، ومنها "هيئة التنسيق الوطنية"، والحوار بين هذه المكونات والتجمعات مفتوح منذ أكثر من عامين.
كما تجدر الإشارة إلى أن بعض الأحزاب والشخصيات الكردية ترغب بالانضمام لـ "جود"، وهذا الموضوع قيد الدراسة.
هل لديكم أي اتصالات أو مشاورات مع أطراف دولية أو إقليمية فاعلة في الشأن السوري، وما هي طبيعتها؟
المشاورات التي تقوم بها حالياً "الجبهة الوطنية الديمقراطية - جود" تتم فقط مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمسؤول عن الملف السوري، غير بيدرسون.
إعادة هيكلة الائتلاف شأن داخلي
يرى البعض أن الوثيقة السياسية التي قدمتها "جود" ذات سقف عالٍ، دعت لإسقاط النظام وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وإخراج المليشيات الأجنبية، فضلاً عن ملاحظات الوثيقة على عمل "الائتلاف الوطني" والدعوة لإعادة تنظيمه؟
كثير من الأحزاب والتجمعات والأشخاص كان لديهم اعتراض على السقف المرتفع للوثيقة السياسية التي قدمتها "جود"، بما في ذلك مكونات من المعارضة السورية.
التوجه الدولي اليوم يسعى لإعادة هيكلة النظام وتعويمه، دون أي تغيير جذري، وهذا هو المطروح الآن، لكن بالنسبة لنا في "جود" سنبقى على مبادئنا ووثيقتنا السياسية.
وفيما يتعلق بـ "الائتلاف الوطني"، فهو مؤسسة قائمة ومستقلة بحد ذاتها، ونحن في "جود" ليس لا نتدخل وليس لدينا علاقة بالائتلاف، بما في ذلك تنظيمه وإعادة هيكلته. هذه الرؤية موضوع داخلي لا شأن لنا به، ولا يوجد لدينا أي انتقاد للائتلاف أو طلبات لإعادة هيكلته، فهذا ليس من اختصاصنا أو اختصاص أي مكون آخر.
الوضع في سوريا معقد أكثر من أفغانستان
يمكن القول إن سوريا الآن تخضع لثلاث قوى، تركيا في الشمال الغربي، والولايات المتحدة في الشمال الشرقي، وفي مناطق سيطرة النظام روسيا وإيران. هل يمكن أن يتغير ميزان القوى الحالي، خاصة مع انسحاب أميركا من أفغانستان؟
ميزان القوى في سوريا مقسم وفق مناطق النفوذ، ويوجد حالياً حراك سياسي ضخم حول الملف السوري، بدأ مع إعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً لسوريا، وجاءت الخطوة الثانية مع اجتماع مجلس الأمن وإقراره تمديد دخول المساعدات إلى سوريا.
هذا الحراك يتم وفق اتفاق وخريطة بين الولايات المتحدة وروسيا، وليس له معالم واضحة ومحددة لكن يتم تنفيذه على الأرض، ويندرج ضمنه الآن استئناف أعمال اللجنة الدستورية، التي يوجد ضغط دولي لاستئنافها، وإنتاج مشروع دستور للجمهورية العربية السورية.
ويمكن القول إن الوضع في سوريا معقد أكثر من أفغانستان، حيث كانت الولايات المتحدة الوحيدة هناك، بينما في سوريا يوجد قوات عسكرية أجنبية لأكثر من دولة، سواء كانت أميركية أو تركية أو روسية أو إيرانية، فضلاً عن الميليشيات التي أنشأتها ظروف الحرب، ومنها ميليشيات قومية ومذهبية وتشكيلات محلية.
روسيا تدفع للحل السياسي والقرار السوري مفروض من الخارج
كقوة سياسية معارضة، هل ترون وجود روسيا في سوريا ضامن للاستقرار وداعم للعملية السياسية، أم أنها تحمي مصالحها أياً كان الشريك؟
جاء التدخل الروسي بشكل أساسي لمنع سقوط النظام، بالطبع كانت الحجة الرئيسية وجود "تنظيم الدولة"، واستيلائه على مناطق واسعة من سوريا، فضلاً عن وجود حركات إسلامية أخرى، لكن أحد أهم أهداف التدخل الروسي في سوريا هو حماية مصالح موسكو، سواء كانت القواعد العسكرية أو المصالح الاقتصادية.
وفي الفترة الأخيرة حاولت روسيا التواصل مع المعارضة، والضغط على النظام بما يتعلق بموضوع اللجنة الدستورية، ودفعت باتجاه المفاوضات، خاصة في مسار "أستانا"، للوصول إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف.
هل ترون انفراجاً قريباً في مسار اللجنة الدستورية، وما هو تقييمكم للمسارات السياسية المختلفة، وهل ستشاركون في أي منها؟
تم الاتفاق على عقد اجتماع للجنة الدستورية بداية الشهر القادم، ويوجد ضغط أميركي وروسي وجهات أخرى لاستئناف عمل اللجنة، وأن يكون عملها مجديا وليس اجتماعا من أجل الاجتماع فقط.
لكن للأسف القرار في سوريا اليوم خارج يد النظام والمعارضة، فالتدخل الدولي جعل القرار مفروضاً من الخارج وليس من الداخل.
ومشاركتنا في أي من المسارات أو المبادرات السياسية إذا كانت وفق سياسة "تجمع الشباب الوطني" ورؤيته السياسية، فسنشارك، لأنه أولاً وآخراً يجب الجلوس على طاولة المفاوضات.
هل يمكن اعتبار "هيئة التفاوض السورية"، بشكلها الحالي، كيانا تفاوضيا قادرا على الإصلاح الدستوري وإعداد مشروع الدستور، وتوفير بيئة آمنة ومحايدة للاستفتاء عليه؟
من الممكن أن تتوصل "هيئة التفاوض السورية" لإعداد مشروع لدستور سوري برعاية دولية، وهناك توجّه الآن لاستئناف عملها، لكن المشكلة اليوم في الهيئة أن كثيرا من الدول الإقليمية والعربية والدولية تتدخل في عملها، وكثيرا من العراقيل تتم وفق مصالح وتوجهات هذه الدول.
أين المعتقلون والمغيبون قسرياً في خطابكم وبرامجكم السياسية، وهل ترون انفراجاً من أي نوع في هذه القضية؟
أحد أهم المطالب في "تجمع الشباب الوطني" هو بيان وضع المختفين قسرياً، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والمعتقلين على خلفية الأحداث في سوريا، و"جود" لها المبادئ نفسها في هذا الموضوع.
لكن الانفراج في هذه القضية غير موجود، وجميع الوعود الدولية التي تحدثت عنها الأمم المتحدة أو روسيا للكشف عن مصير المعتقلين والمختفين قسرياً لم يظهر منها أي شيء حتى الآن.
"قيصر" أتى بنتائج عكسية
مع تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السوريون في الداخل يوماً بعد يوم. هل ينبئ ذلك بحراك ما بين أوساط السوريين عموماً والحاضنة المؤيدة للنظام خصوصاً؟
تمر سوريا حالياً بأزمة اقتصادية خانقة، بسبب عدم توافر المواد البترولية لتحريك الآلات وتوليد الكهرباء، كما أن القطاع الزراعي منهار، والقطاع الصناعي المتوسط والخفيف متوقف، واليد العاملة السورية، وبالأخص الخبرات، معظمها هاجر خارج سوريا، ومؤخراً توجد حركة هجرة كبيرة للشباب الموجود داخل سوريا إلى خارجها.
القوانين التي فرضت لمحاصرة النظام، ومنها "قانون قيصر"، فرضت عقوبات على أشخاص وشركات معينة، لكن للأسف من تأثر بهذه العقوبات هو الشعب السوري فقط، بينما الأشخاص والشركات المشمولة بالعقوبات لم يتغير عليها شيء، بل زادت أرباحها، فضلاً عن ظهور طبقة جديدة من تجار وأثرياء الحرب.
تطبيق "قانون قيصر" أتى بنتائج عكسية على الشعب السوري، فعوضاً عن مساعدة الشعب السوري للخروج من محنته التي يعيشها، زاد "قيصر" من تعقيد الأزمة الاقتصادية.
ويمكن القول إن السوريين سواء كانوا في الداخل أم في المخيمات أم في المهجر، تبين لهم أن الدول الأساسية الفاعلة على المستوى الدولي هي من تملك قرار الحل في سوريا، ولن تكون هناك أي نتائج سواء كان هناك حراك مدني في الداخل أو حتى حراك عسكري.