ينتظر الفاعلون في الشرق الأوسط نتائج الانتخابات الأميركية، والتي من المفترض أن تبدأ بالظهور صباح الأربعاء، والأكيد أن هذا الترقب مرتبط بكل سياقاته بالتطورات التي ستنعكس على الحرب الدائرة، التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان والمرتبطة بشكل مباشر بالمرحلة الرئاسية الأميركية المقبلة.
وبدا أن لبنان يعيش في أسابيع ملتهبة، ومن المحتمل أن يمتد ذلك طوال الشهر الجاري، بهدف تعزيز الأوراق التفاوضية، وقبل أن يدخل الجميع في صوغ التسوية المنتظرة مع انطلاق المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس الفائز، سواء كان ترامب أو هاريس، مما يعني أن الرئيس الأميركي المقبل سيباشر مشاوراته ودراسة ملفاته والتحضير لبداية ولايته.
وعليه، سيكون ملف الحرب المفتوحة في المنطقة في طليعة الملفات التي يُفترض العمل على حلها، من خلال ترتيب صفقة تفضي إلى حل جذري وشامل، وهذا الملف كان ضمن الالتزامات العلنية التي أطلقها الجمهوريون والديمقراطيون.
لكن المعضلة الأكبر ستكون في حال إعلان فوز كامالا هاريس، مع رفض دونالد ترامب للنتيجة بحجة التزوير الذي كان يلمح إليه بشكل مستمر، ما يعني الدخول في دوامة داخلية، واستنفاد مزيد من الوقت لإعادة إجراء فرز يدوي وتصديق المحكمة والجهات الرسمية المعنية.
لذا فإن أطراف الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط، وتحديداً إسرائيل وإيران، باتت تدرك أن المدى الزمني للحرب لم يعد مفتوحاً إلا إذا طرأت مفاجآت كبيرة بشأن إعلان نتائج الانتخابات الأميركية خارج المألوف والمتوقع، وتحديداً فيما يتعلق بالواقع الداخلي الأميركي والصراع الهوياتي في الولايات المتحدة.
وهناك اعتقاد لدى جهات فاعلة في الشرق الأوسط أن الخط البياني الذي يتم ترتيبه للحرب الدائرة في لبنان وغزة يخضع لمتابعة حثيثة من البنتاغون ومستشارية الأمن القومي والقيادة العسكرية والاستخبارية، وهذا المسار لا يرتبط بالإدارات التي تتوالى على السلطة بقدر ما هو مرتبط بالرؤى الاستراتيجية للدولة وتحدياتها.
ما يعني أن هوية الرئيس الأميركي المقبل قد لا تُحدث فارقاً كبيراً في مسار الأحداث الجارية في الشرق الأوسط، وتحديداً في دول الصراع التاريخي، وجلّ ما قد يحدث هو تغييرات في الأداء والتفاصيل، لكن الخطوط العريضة وضعتها المؤسسات المعنية في الدفاع والأمن والاستخبارات، وهي ثابتة والتغيير بها منوط بالمشروع وليس الأشخاص.
خطط الحرب في لبنان وغزة تتابعها أجهزة الأمن القومي الأميركية، ولا ترتبط بالإدارات بقدر ما هي استراتيجية دولة.
ولأجل ذلك بدأ نتنياهو من جهة والحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى التفكير في مسارات المرحلة المقبلة وفق النتائج التي سينتهي إليها الواقع الميداني، سواء في غزة أو في لبنان، وحتى في سوريا مع بشار الأسد، إذ يبدو أن أي رئيس أميركي قادم سيحتاج لخلق مشروع سلام جديد في المنطقة.
حتى إيران، فقد اتعظت من مماطلتها مع بداية ولاية جو بايدن في ترتيب اتفاق نووي وفق أسلوب "حياكة السجادة" واستنفاد الوقت إلى أقصى حد، ما أدى إلى مماطلة في شروط النووي امتدت لأكثر من سنتين. ولكن الظروف قد تبدلت، ما فرض على الإدارة الديمقراطية وضع الملف النووي على الرف، وبالتالي ضياع فرصة رفع العقوبات عن إيران وإنعاشها مالياً في ظل واقع داخلي صعب.
بالتوازي، يعمل نتنياهو على تحضير دفتر مطالبه من غزة ولبنان. ومن هذه الزاوية سيندفع في آخر فصول الحرب الشرسة، حيث يسعى لتحقيق مكتسبات سياسية وميدانية خلال الأسابيع القليلة المقبلة ليجعل حضوره أقوى على طاولة المفاوضات.
وليس من باب المصادفة أن يعلن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين أن نتنياهو قد أبلغه بأنه يريد من هذه الحرب تثبيت وقائع تمنح إسرائيل هدوءاً لفترة أطول، عبر إبعاد حزب الله وصواريخه وطائراته المسيّرة عن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية والسورية – الإسرائيلية بشكل نهائي.
وهذا المسار يحتاج إلى شريك في سوريا يشارك في صياغة هذا الواقع ميدانياً، وتحديداً في ظل محاولات بشار الأسد تقديم نفسه كحامي الاستقرار والرافض للانخراط في المعركة التي يخوضها المحور، وخاصة في ظل انحيازه للخيار الروسي – الإماراتي طمعاً في مكتسبات مستقبلية.
وثمة من ينقل عن لسان مدير المخابرات السورية حسام لوقا ما يشير إلى إمكانية أن تضبط دمشق في المستقبل الحدود السورية – اللبنانية والسورية – الأردنية، في حال تم الوصول إلى توافقات متعلقة بدور النظام في المنطقة ورفع العقوبات الأميركية عنه.
أما حزب الله فيعول على نتائج المعركة البرية جنوبي لبنان، وهو يتحدث عن استعداده لقتال طويل، مشيراً إلى تكثيف تمتين الأنفاق التي دمرها الجيش الإسرائيلي، ويركز الحزب، وفق ما يحاول أن يبرز، على إنزال أكبر قدر من الخسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين وأسر البعض منهم، وكذلك انتظار المدرعات لإطلاق صواريخ الكورنيت المتوفرة لديه بكثرة.
لكن الأهم أن أحد أبرز عناوين المرحلة المقبلة هو العمل على تثبيت القرار الدولي 1701. لكن المشكلة بالنسبة لحزب الله تكمن في بعض الإضافات التي تطلبها إسرائيل، والتي كشفتها المسودة المسربة. وبالتالي، فإن المعارك الضارية المحتملة مرتبطة بمن يستطيع تثبيت شروطه في إطار القرار 1701.
لكن الأهم أن حزب الله بات على يقين بأن حضوره العسكري سينسحب إلى شمال خط الليطاني وفق القرار الأممي، وهو يأمل أن ذلك سيسمح له بالدخول في أي تفاهم بين واشنطن وطهران بعد انتهاء الحرب.
وعليه، من الصعب التخمين بطبيعة الموقف السياسي لحزب الله الآن، لكنه يجري تقييماً داخلياً للخروج من الأخطاء والاختراقات التي حصلت وأدت إلى ما أدت إليه، وتحديداً فتح جبهة الإسناد والمغامرة بمستقبل لبنان.