icon
التغطية الحية

أزمة مواعيد تأشيرة شنغن: السوق السوداء تزدهر والمعاناة تتفاقم للمسافرين

2024.07.25 | 11:23 دمشق

آخر تحديث: 25.07.2024 | 11:24 دمشق

3546
تستمر معاناة الكثيرين في تنفيذ خططهم لزيارة الدول الأوروبية بسبب عوائق الحصول على فيزا شنغن
 تلفزيون سوريا ـ إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • يزن السوري ينتظر بفارغ الصبر الاجتماع بعائلته في إيطاليا ولكنه لم يتمكن من الحصول على موعد لفيزا شينغن.
  • يزن ليس الوحيد الذي يعاني من صعوبة الحصول على مواعيد تأشيرة شنغن، حيث واجه العديد من الأشخاص من دول مختلفة نفس المشكلة.
  • الطلب على تأشيرات شنغن زاد بشكل كبير بعد رفع قيود كوفيد-19، بينما تعاني القنصليات الأوروبية من نقص في الموظفين.
  • السوق السوداء توفر خدمات لحجز المواعيد بطرق غير قانونية باستخدام برامج "بوت" وروابط مع موظفي الشركات.

ينتظر يزن السوري البالغ من العمر عشرين عاما بفارغ الصبر موعد الاجتماع بعائلته في إيطاليا، وأعد كل ما يلزمه للتأشيرة وبدأ البحث عن موعد لتقديم وثائقه في لندن حيث كان يدرس وقتها.

يقول يزن: "استمرت محاولاتي شهرين كاملين.. كنت أصحو من نومي عند الساعة الرابعة أو الخامسة فجرا أحيانا، علني أظفر بموعد لكن من دون جدوى"، بحسب ما قاله لموقع "بي بي سي".

أخيرا، استسلم يزن للأمر الواقع واجتمعت عائلته في إيطاليا بدونه.

لم يكن يزن وحيدا في رحلة البحث عن موعد لتقديم وثائق التأشيرة لواحدة من تسع وعشرين دولة في منطقة شنغن فأشخاص من دول مختلفة خاضوا جميعهم التجربة نفسها التي انتهت بخيبة أمل في أحيان كثيرة.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، رصد موقع بي بي سي مجموعات على فيسبوك ومنتديات على "كورا" وقنوات على تلغرام يتبادل فيها أشخاص تجاربهم ويشتكون من عدم الحصول على مواعيد للتأشيرة مهما حاولوا، وتتخلل هذه النقاشات عروض من بعضهم للمساعدة بمقابل.

ووسط فوضى اقتناص موعد للفيزا من بين عدد لا يبدو كافيا، وجدت أنشطة السوق السوداء فرصة للازدهار.

يمر طلب الفيزا عبر واحدة من وكالات الخدمات الخارجية التي تتعاقد معها حكومات دول شنغن، وتستقبل هذه الوكالات الوثائق المطلوبة من المتقدم وتسجل بياناته البيومترية، وبعد صدور قرار من قنصلية الدولة المقصودة، تتكفل هذه الوكالات بإرجاع جوازات السفر لأصحابها.

أكدت اثنتان من هذه الوكالات، "تي-ال-اس كونتاكت" و"في-اف-اس غلوبال" لبي بي سي أن قنصليات البلدان الأوروبية هي من تحدد عدد مواعيد التأشيرة التي توفرها على مواقعها.

غورفندر، هندي مقيم بإيطاليا، عانى لخمسة أشهر للحصول على موعد فيزا لوالدته حتى تتمكن من زيارتهم وحضور حفلة عيد ميلاد ابنته.

يقول غورفندر لبي بي سي: "حاولنا الحصول على موعد في المراكز التابعة لفي-اف-اس المكلفة من قبل القنصلية الإيطالية في ثلاث مدن. لكننا لم ننجح."

من جانبه، يؤكد أنيل كلسي، وهو نائب رئيس فدرالية وكلاء السفر في الهند: "مواعيد التأشيرة لأغلب دول منطقة شنغن غير موجودة بالمرة".

ويبدو أن الوضع ليس حديث عهد، كما أفادنا روبيندر سينغ، صاحب مكتب استشارات السفر في شانديغار في الهند: "مررنا بالوضع نفسه السنة الماضية".

زيادة في الطلب

أشار المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، كريستيان ويغاند، لبي بي سي إلى أن الطلب على فيزا شنغن تزايد بشكل سريع وكبير بعد رفع قيود السفر التي كانت مفروضة على العالم خلال فترة كورونا.

وأوضح أن دول منطقة شنغن أصدرت 7.3 مليون فيزا في عام 2022 و10 مليون فيزا في عام 2023، في حين لا تزال قنصليات هذه الدول تعاني من نقص في العمالة.

قال ويغاند: "قيود السفر التي كانت مفروضة على الدول خلال فترة كوفيد اضطرت عددا من دول الاتحاد الأوروبي إلى تقليص عدد العاملين في مكاتبها القنصلية وبعضها ألغت عقودا مع شركات الخدمات الخارجية التي كانت تساعد في هذا الأمر."

طلب كبير في إسبانيا وفرنسا

وزارة الخارجية الإسبانية أوضحت لبي بي سي أن "الطلب على تأشيرة إسبانيا كبير جدا في بعض مناطق العالم"، ما يفسر بالنسبة لهم توازي عدد المواعيد المتاحة مع الطلب.

وشهدت فرنسا هي الأخرى إقبالا استثنائيا على مطالب التأشيرة بسبب الألعاب الأولمبية التي تحتضنها باريس من 26 تموز.

"تسوق الفيزا" وطرق بديلة للوصول إلى الوجهة المرغوبة

توفر بعض شركات الخدمات الخارجية مثل "تي ال اس كونتاك" خدمات تسهل الحصول على موعد للفيزا لكن مقابل مبالغ قد تصل إلى مئات الدولارات مثل خدمة "التقديم من أي مكان". في الدول التي تتوفر فيها هذه الخدمة، يأتي إليك موظفو الشركة حيث أنت لجمع وثائقك وبياناتك البيومترية، وهذا ما يفسر ارتفاع ثمن الخدمة حسب تي ال اس.

أفادت الشركة لبي بي سي بأن اتفاقاتها مع القنصليات تضمن لها "عددا يوميا محدودا من المواعيد مخصصا لمراكز الشركة".

أصبح مصطلح "visa shopping" أو التسوق من أجل الحصول على الفيزا دارجا، ويعني المصطلح أن يتقدم الشخص بطلب فيزا لأي واحدة من دول شنغن وليس بالضرورة الدولة التي يقصدها لمجرد توفر المواعيد فيها، إذ تسمح فيزا شينغن إجمالاً لحاملها بالدخول إلى كل دول المنطقة.

ووفقا لقوانين الاتحاد الأوروبي، يجب الحصول على تأشيرة أول دولة سيدخلها المسافر ضمن منطقة شنغن، إلا إذا كان المقصد أكثر من دولة أوروبية واحدة، عندها يجب الحصول على تأشيرة دخول للدولة التي سيطول فيها البقاء أكثر.

من جانبه، أفاد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لبي بي سي بأن هذه الظاهرة هي واحدة من أسباب طول انتظار مواعيد تأشيرة شنغن.

بالنسبة للمسافرين يبقى اللجوء إلى زيارة دولة إضافية في منطقة شنغن عبئا إضافيا، من ناحية الوقت والمال. إذ يتوجب عليهم قانونا الدخول إلى الدولة التي منحتهم الفيزا حتى لو لم تكن خطتهم الرئيسية، وإلا فإنهم يعرضون أنفسهم لخطر منعهم من دخول شنغن عند الحدود وتكون كل مساعيهم قد ذهبت سدى. في دول حول العالم تفتح السوق السوداء ذراعيها لمن استنفد كل الطرق للحصول على موعد للفيزا.

التلاعب بنظام حجز المواعيد للحصول على تأشيرات

نيرفانا، المصرية المقيمة في لندن، اضطرت لدفع 100 جنيه إسترليني (ما يعادل نحو 130 دولار أميركي) في السوق السوداء للحصول على موعد تأشيرة قبل موعد زفاف صديقتها في إيطاليا.

تقول نيرفانا لبي بي سي: "كنت الوحيدة من صديقات العروس التي استطاعت الوصول، أما البقية فلم يتمكنوا من الحصول على موعد التأشيرة". واتبعت نيرفانا نصيحة صديقتها ولجأت إلى موقع يوفر مواعيد التأشيرات باستخدام "بوت".

الـ"بوت" هو برنامج كمبيوتر يحاكي السلوك البشري بسرعة فائقة، حيث يقوم بتحديث صفحات مواقع الحجوزات بشكل مستمر للعثور على المواعيد فور توفرها.

بعد ثلاثة أشهر من المحاولات الفاشلة للحصول على موعد للتأشيرة، دفعت سيرين اللبنانية 30 جنيها إسترلينيا مقابل "بوت" ينبهها عند توفر موعد على موقع "في اف اس غلوبال"، ومن ثم تقوم هي بمحاولة الحجز. اعتقدت سيرين أن هذه الطريقة أكثر أمانًا من مشاركة معلوماتها الشخصية مع غرباء.

اكتشفت سيرين هذه الخدمة عبر مجموعة على تلغرام، والتي وعدت مستخدميها بالحصول على موعد في غضون ثلاثة أيام فقط. لكن، لم تكن سيرين الوحيدة التي تلقت الرسالة بوجود الموعد. "آلاف الأشخاص دفعوا نفس المبلغ للحصول على نفس "البوت" ولم أتمكن من حجز موعد مرة واحدة"، تقول سيرين.

"كان الأمر شاقا، وأخيرًا قررت الاستسلام"، تضيف سيرين التي فشلت في حضور حفل موسيقي في هولندا مع أصدقائها، وهو مخطط كانت قد أعدت له منذ العام الماضي واشترت تذاكره.

تعتبر هذه الطريقة في حجز المواعيد أزمة كبيرة للقنصليات والشركات الخارجية التي تتعامل معها. تحاول هذه الشركات محاربة الظاهرة بوسائل تقنية مختلفة، لكن لا يبدو أنها كافية.

شركة "تي ال اس كونتاكت" ذكرت لبي بي سي أنها تحاول باستمرار تحديث وسائل الدفاع التكنولوجية لمواجهة هذه الأزمة، مستخدمة أنظمة التحقق من الهوية مثل كلمات السر ذات الاستخدام الواحد، وأحيانًا تطلق بعض المواعيد بشكل مفاجئ وغير منتظم لمنع استغلال السوق السوداء. شركة "في اف اس غلوبال" أكدت أيضًا أنها تأخذ هذه الظاهرة بجدية، وتستخدم طرقًا تقنية مشابهة.

مساعدة من الداخل

"أحمد" (اسم مستعار)، صاحب وكالة سفر يعلم بخفايا الأمر، وأوضح أن بعض العاملين في السوق السوداء وبعض وكلاء السفر يستفيدون من علاقاتهم بموظفي شركات الخدمات الخارجية لمعرفة مواعيد إطلاق المواعيد.

بحسب أحمد، قد يستفيد تجار السوق السوداء من "نافذة خاصة للحجز" يفتحها لهم العامل في الشركة قبل دقائق من إطلاق المواعيد للعامة.

شركات الخدمات الخارجية التي تتعاون مع الحكومات المعنية نفت هذه الادعاءات. شركة "تي ال اس كنتاكت" أكدت أن هذه الادعاءات "كاذبة" وأن عددًا محدودًا جدًا من كبار موظفيها يطلعون على خطط إطلاق المواعيد، وخطواتهم في هذا الصدد مراقبة من خلال الأنظمة الإلكترونية للشركة والحكومات التي تمثلها.

مدير شركة "في اف اس غلوبال" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أريبراساد فيزواناثان، أفاد بأنه لا يملك معلومات بشأن خرق موظفيه للوائح العمل بهذا الشكل، لكنه سيحقق في الأمر، مؤكدًا أنه لا وجود لـ"نوافذ خاصة للحجز" وأن المواعيد تُطلق للجميع في نفس الوقت.

الفرص المتاحة في السوق السوداء

تتيح السوق السوداء فرصًا لأشخاص مثل "عبد الله" (اسم مستعار) الذي يعمل وسيطًا بين من يحتاجون مواعيد تأشيرة إسبانيا في المغرب ومن يوفرونها في السوق السوداء. يسعى عبد الله الآن لتعلم كيفية حجز المواعيد ليصبح بائعًا بدلاً من وسيط.

تختلف التسعيرة حسب المدينة. في طنجة والرباط يتراوح السعر بين 700 و1000 درهم (ما يعادل تقريبا 70 إلى 100 دولار أميركي). بينما يصل السعر في الدار البيضاء إلى 5000 درهم (ما يعادل 500 دولار) للخدمة الأولى، وقد يحصل الزبون على تخفيض عند العودة مجددًا.

التجار الذين يعمل معهم عبد الله يعرفون مواعيد إطلاق الحجوزات من موقع شركة "بي ال اس العالمية" التي تقدم خدمة التقديم لتأشيرة نيابة عن القنصلية الإسبانية في المغرب.

وزارة الخارجية الإسبانية أفادت لبي بي سي بأنها تعزز الرقابة على نظام حجز المواعيد في الأماكن التي تلاحظ فيها وجود تلاعب.

اتفاقات شركات الخدمات الخارجية مع حكومات الدول الأوروبية تخضع لقواعد تضع مسؤولية مراقبة الالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي بشأن تأشيرة شنغن على عاتق الحكومات الأعضاء، وفقًا لمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي كريستيان ويغاند.

أوضح الاتحاد الأوروبي أنه يتخذ إجراءات عملية، مثل زيادة سعر فيزا الدخول منتصف هذا العام لتوفير الموارد اللازمة للمساعدة في تقليل وقت انتظار الحصول على موعد لطلب التأشيرة.

ومع ذلك، تستمر معاناة الكثيرين في تنفيذ خططهم لزيارة الدول الأوروبية.