في مشهد يومي بات يختصر معاناة سكان محافظة اللاذقية يقف أبو محمود 43 عاما على طابور مختلف هذه المرة عن طوابير المحروقات والخبز يحمل بيده بيدونات بلاستيكية سعة كل منها 10 ليترات للحصول على المياه من حديقة عامة (سبيل) بسبب غياب المياه عن منزله في حي سكنتوري لأكثر من أربعة أيام.
يتشارك الرجل الأربعيني معاناته مع آخرين انتظروا دورهم وجميعم يبحثون عن نفس الإجابة:" هل يمكن لمدينة غنية بالينابيع والمياه أن تعطش ويصل بها الحال لمثل هذا الوضع؟".
أزمة تفاقمت
منذ بداية نيسان الماضي تفاقمت أزمة المياه في محافظة اللاذقية بشكل غير مسبوق وشملت معظم أرجاء المحافظة بما فيها القرى والمدن، وتفاوتت أيام القطع بين منطقة وأخرى ففي حين اشتكى سكان قرى من انقطاع مياه لأكثر من ثلاثة أيام متتالية أكد آخرون أن بعض المناطق لم تعد تصل إليها المياه منذ أسابيع وحتى إن أتت لا يتصادف وصولها مع فترة وجود التيار الكهربائي ما يحرمهم من تعبئة خزاناتهم.
وفق الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي يلجأ سكان قرى ريف اللاذقية وجبلة إلى تعبئة مياه عن طريق شراء الصهاريج منذ أكثر من شهرين رغم أن سدود وينابيع مدينة اللاذقية قد فاضت هذا العام نتيجة ارتفاع معدل هطول الأمطار.
وقال جبلاوي في حديث لموقع تلفزيون سوريا "منذ بداية فصل الصيف تبدأ المياه بالانقطاع لأكثر من سبعة أيام متواصلة وعند ضخها يكون الضخ ضغيفا جداً ولا يمتلئ الخزان إلا بالمضخات الكهربائية، في ظل انقطاع الكهرباء بشكل دائم".
ويؤكد جبلاوي أن هذه الأزمة فاقمت من معاناة سكان المحافظة سواء على الصعيد النفسي أو الاقتصادي حيث وصلة كلفة تعبئة صهريج المياه إلى ٣٠ ألف ليرة سورية.
هذا الواقع ولّد حالة من الغضب الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي تجاه مسؤولي المحافظة لعدم قدرتهم على حل هذه المشكلة رغم وعود كثيرة سابقة، وبرزت العديد من التساؤلات عن سبب هذه المشكلة وعدم قدرة الحكومة على حلها رغم غنى المحافظة بالمياه.
وسبق أن وعدت"بلدية جبلة أنّ كلّ منطقة سوف تُزوّد بالمياه ليوم واحد، وفي اليوم التالي تُقطع عنها". لكنّ لم يتمّ الالتزام ببرنامج التقنين هذا بحسب ما أكدت مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا.
تحرك حكومي
وعلى إثر تصاعد الشكاوى أقال رئيس وزراء النظام السوري، حسين عرنوس نهاية شهر حزيران الفائت مدير المياه باللاذقية طارق اسماعيل، كما زار عرنوس المحافظة وأعلن عن تخصيص مليار ونصف مليار للمحافظة لتحسين الواقع الخدمي بما فيه مشكلة المياه.
من جانب آخر ألقى رئيس المكتب الصحفي في مؤسسة مياه اللاذقية، سهيل عراكي في حديث لموقع "شام تايمز" الموالي سبب الأزمة الحاصلة على التقنين الكهربائي في المدينة، موضحاً أن ساعات التقنين الطويلة كانت السبب الرئيس بانقطاع المياه عن أحياء اللاذقية، لكنه استدرك بالقول إن هناك تعاونا مع مؤسسة الكهرباء لتزويد بعض أحياء المدينة بنصف ساعة كهرباء زيادة عن المدة المحددة للتقنين، من أجل تمكين الأهالي من استخدام شفاط المياه.
اتهامات بالسرقة
على صعيد متصل نفت مصادر في اللاذقية لموقع تلفزيون سوريا أن يكون سبب الأزمة الأخيرة مقتصرا فقط على سوء تنسيق بين مديريتي الكهرباء والمياه في المحافظة.
وتساءل عبد الله وهو موظف حكومي في مدينة جبلة عن سبب وجود "أحياء مدعومة لا تغيب عنها المياه" وأخرى "عطشى" وأكد في الوقت ذاته أن هناك شبهات فساد تلاحق مسؤولين في المحافظة لبيع المياه عبر الصهاريج والحصول على حصص من تلك الأموال مضيفا أن "المياه باتت باب رزق جديد والأسعار التي باتت تشبه البورصة خير دليل على ذلك".
مياه متوفرة
بدوره قال إبراهيم وهو مهندس مدني في مدينة جبلة (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) إن حكومة النظام سلّمت شركة روسية مؤخرا مشاريع مياه في الساحل. موضحا أن شبكة المياه في عموم المحافظة سيئة جداً، ويُسجّل فيها تسريب كبير للمياه، وهي منذ سنوات بحاجة إلى عملية تجديد كاملة.
وأكد المهندس أن المياه متوافرة في السدود والمحطات بغزارة لكن عملية الضخّ ضعيفة، ولا تصل إلى بعض المناطق، بسبب الحاجة لعمليات تأهيل وصيانة للشبكات. لافتا في الوقت ذاته إلى أن البنية التحتية لشبكات المياه قديمة جدا ومنذ أكثر من 12 عاما تقتصر الصيانة على عمليات ترقيع بسيطة واصلاح بعض الأعطال في حين يحتاج الأمر إلى تخصيص أموال ضخمة لتحسين الوضع.
ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن نحو 15 مليون شخص في مختلف أرجاء البلاد بحاجة إلى المساعدة للحصول على المياه، حيث تنفق الأسر ما يصل إلى 25% من دخلها لتلبية احتياجاتها اليومية من المياه.