وثق من بحثوا وتحروا لصالح أبحاث تسليح النزاع في شمال شرقي سوريا عثورهم على مواد استخدمها مقاتلو تنظيم الدولة في ثلاث عمليات كبرى لاستعصاءات وقعت في عدة سجون، شملت استعصاء سجن الحسكة في 20 كانون الثاني 2022، والذي كان أكبر عملية لتنظيم الدولة منذ أن خسر ذلك التنظيم سيطرته على الأراضي في مطلع عام 2019.
وفي كل مجموعة عثر عليها الباحثون، لاحظوا وجود علامات ثانوية مميزة على الأسلحة المستخدمة، وهذه العلامات التي ظهرت على مجموعة متباينة من الأسلحة، كشفت أن تلك الأسلحة تعود لجهة واحدة، ولهذا يعتقد الباحثون أن تلك الجهة التي تعود إليها الأسلحة ما هي إلا الجيش الوطني السوري.
من خلال العمل الميداني بشمال شرقي سوريا، وثق فريق بحث ميداني تابع لمركز أبحاث تسليح النزاع الأسلحة والذخائر التي صادرتها قوات الأمن المحلية بعد كل عملية استعصاء شنها تنظيم الدولة.
المكتشفات:
المجموعة الأولى: تم الاستيلاء عليها في تشرين الثاني 2021 وانتزاعها من خلية لمقاتلي تنظيم الدولة بقرية أبو خشب.
كانت الخلية تخطط لاستعصاء في سجن الصناعة بمدينة الحسكة بهدف تحرير نحو 4 آلاف مقاتل من مقاتلي تنظيم الدولة.
المجموعة الثانية: في كانون الثاني 2022 في سجن الحسكة.
حدثت تلك العملية في أعقاب الهجوم على سجن سيناء والمعركة التي امتدت بعد ذلك لمدة عشرة أيام على يد مقاتلي تنظيم الدولة.
المجموعة الثالثة: في أيلول 2022 في منطقة القيروان.
كانت تلك الخلية تخطط للقيام بهجوم معقد على مخيم الهول.
علامات بالأرقام XXX ~ XXXX
وثق الفريق البحثي ما بلغ مجموعه تسع قطع من الأسلحة خلال تلك العمليات وجميعها تحمل العلامة المميزة ذاتها، حيث تم اعتماد تلك العلامة مع العديد من أنواع الأسلحة التي تتراوح بين نماذج وأنواع وجهات مصنعة مختلفة دون أن يرد تاريخ منشأ واحد لها، بينها سبعة بنادق من نوع AK، ورشاش خفيف واحد، وقاذف صواريخ واحد.
وقد ظهرت تلك العلامة دوماً مع مختلف الأسلحة بالاعتماد على آلة للدق تنتج أرقاماً ذات حجم موحد وبخط ونمط واحد، وتشتمل كل منها على سبعة أرقام، ويفصل بين الأرقام الثلاثة الأولى والأربعة الآخرين رمز (~).
لم يلاحظ فريق البحث والتحقيق وجود تلك العلامة على أي من الأسلحة التي تجاوز عددها ألف قطعة والتي وثقت في شمال شرقي سوريا منذ عام 2020، كما لم تلاحظ تلك العلامة في عملية التوثيق الموسعة للأسلحة التي حملها مقاتلو تنظيم الدولة في العراق وسوريا خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2014 و2017.
كما أن أياً من تلك العلامات لا تشبه الأرقام المتسلسلة الأساسية التي تظهر على الأسلحة، مما يشير إلى عدم وجود أي صلة بين الجهة المصنعة للأسلحة والجهة التي قامت بكتابة تلك العلامة. وعند التفكير بكل تلك الأمور، تشير هذه الملاحظات إلى أن تلك العلامات قد أضيفت للأسلحة بعد إنتاجها وتصنيعها على يد الشبكة المتسلسلة التي قامت بنقلها من الجهة نفسها التي كانت تلك الأسلحة بحوزتها.
كيف تم ربط العلامة بالجيش الوطني؟
يشير تحليل فريق البحث وبكل قوة إلى أن تلك القطع التسع من الأسلحة كانت بحوزة الجيش الوطني السوري.
اتبعت تلك الجماعات في تشكيلها تسلسلاً هرمياً عسكرياً يتألف من ثلاثة فيالق، وهذه الفيالق تنقسم إلى فرق، وكل منها يتألف من عدة ألوية.
لذا وبحسب التسلسل الهرمي العسكري للجيش الوطني السوري، تمثل الأرقام الثلاثة الأولى رقم الفيلق/الفرقة/اللواء، في حين تشير الأرقام الأربعة الأخرى إلى رقم متسلسل ثانوي.
وعليه، إن صحت تلك الفرضية، فهذا يعني تمكن فريق البحث من الربط بين قطع الأسلحة التسع التي تم الاستيلاء عليها بعد عمليات استعصاء شنها تنظيم الدولة وبين الشيفرة التي تشير إلى ستة ألوية مختلفة تتبع للجيش الوطني.
هذا ولقد عزز فريق البحث تقييمه لتلك العلامات من خلال محللين اعتمدوا على مصادر مفتوحة، حيث لاحظوا في البداية بأن تلك العلامات الفريدة ظهرت في سوريا في أواخر عام 2019، فضلاً عن اعتمادهم على المصادر السرية الموجودة في شمال شرقي سوريا والتي اطلعت على عمليات حفر تلك العلامات من قبل الجيش الوطني. كما ظهرت تلك العلامة أيضاً على مادة ترويجية صادرة عن الجيش الوطني نفسه، وهي عبارة عن رشاش خفيف شوهد خلال عمليات تدريب أجرتها فرقة المعتصم والفيلق الثاني التابع للجيش الوطني، حيث ظهرت على ذلك السلاح العلامة: 231~1309
يذكر أن العلامات التي تضاف بعد إنتاج وتصنيع السلاح تتم في معظم الأحيان بهدف تتبع مخزون مستودعات السلاح أو الأسلحة النارية التي تعطى لأفراد أو قطعات. بيد أن فريق البحث لم يستطع أن يتأكد من الغرض من تلك العلامة. كما لم تتضح خلال هذه المرحلة من البحث والتحري آليات التحويل والنقل التي وصلت من خلالها تلك الأسلحة لتنظيم الدولة من خلال الجيش الوطني، غير أن الباحثين في سوريا تحدثوا عن وجود صلات بين بعض فصائل الجيش الوطني ومهربي الأسلحة الذين يتعاملون مع تنظيم الدولة. ومن المحتمل أيضاً وجود آليات أخرى لوصول هذا السلاح ليد تنظيم الدولة، مثل وضع اليد عليه أو سرقته من مخازن أسلحة الجيش الوطني.
ولهذا يواصل الفريق البحثي تعاونه مع قوات الأمن المحلية في شمال شرقي سوريا لتوثيق الأسلحة والذخائر التي تم وضع اليد عليها بعد مصادرتها من جهات مسلحة بشكل غير قانوني، كما يبحث الفريق أيضاً بأمر مصادر التوريد للمواد والأسلحة التي استخدمتها خلايا تنظيم الدولة. وفي الوقت الذي ماتزال فيه عمليات البحث والتحري قائمة، يحاول الفريق البحثي التوصل إلى مزيد من النتائج التي تثبت وجود صلات بين عمليات الاستحواذ تلك وقدرة تنظيم الدولة على شراء الأسلحة منذ خسارته للأراضي التي سيطر عليها.
المصدر: Conflict Armament Research