توصلت تركيا وروسيا في 17 أيلول من عام 2018 لاتفاق سوتشي حول إدلب، بعد محاولات عديدة لأنقرة لتأمين وقف لإطلاق النار، وذلك بعد نشرها لـ 12 نقطة مراقبة وقف اتفاق خفض التصعيد مع روسيا وإيران، وتجنّب كارثة إنسانية كبيرة وسط استمرار خروقات النظام وروسيا لكل الاتفاقيات حول شمال غرب سوريا.
ومنذ الإعلان عن بنود اتفاق سوتشي حول إدلب، ظهرت نقاط خلاف عديدة بين الدولتين اللتين قدمت كل منهما قراءة متباينة حول تطبيق الاتفاق، وعلى الرغم من بدء تطبيق أول بنوده بتشكيل منطقة منزوعة من السلاح بعمق 15-20 كم، إلا أن النظام وروسيا استغلا هجوم هيئة تحرير الشام على الفصائل العسكرية مطلع العام 2019، لتطلق عملية عسكرية واسعة بدأتها من ريف حماة الشمالي ووصلت قوات النظام الآن إلى مشارف مدينة سراقب.
وبعد استهداف قوات النظام لنقطة مراقبة تركية أنشأها الجيش التركي مؤخراً إلى جانب 3 نقاط أخرى في محيط مدينة سراقب الواقعة على ملتقى الطريقين الدوليين حلب – دمشق (M5) وحلب اللاذقية (M4)، ومقتل 7 جنود أتراك ومتعاقد مدني؛ ردّت المدفعية التركية من نقاط مراقبة عدة بقصف 75 هدفاً للنظام وحيّد 76 عنصراً، لتكون هذه الحادثة نقطة تحول كبيرة في طبيعة العلاقة التركية الروسية فيما يتعلق بإدلب التي هُجر منها منذ اتفاق سوتشي وحتى نهاية الشهر الفائت مليون و695516 ألف شخص.
ومع تقدّم قوات النظام في محيط مدينة سراقب اليوم ومحاصرتها لـ 3 نقاط مراقبة تركية في المنطقة، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات غير مسبوقة وحادة اللهجة، وهدّد بشن عملية عسكرية في حال لم ينسحب النظام حتى نهاية الشهر الجاري "من كل المناطق المحيطة بنقاط المراقبة التركية"، الأمر الذي فسره مراقبون على أنها مطالب للعودة إلى حدود اتفاق سوتشي.
وقال أردوغان: إن استهداف الجنود الأتراك من قبل النظام السوري في إدلب، بداية لمرحلة جديدة بالنسبة لبلاده، مؤكداً أنه في حال لم تنسحب قوات الأسد إلى خلف نقاط المراقبة التركية خلال شباط/ فبراير الحالي، فإن الجيش التركي سيضطر إلى إجبارها على ذلك.
وأضاف الرئيس التركي: "كما يقوم النظام السوري باستهداف المدنيين عند أبسط انتهاك لقوات المعارضة، فإن الرد على انتهاكات النظام السوري بعد الآن سيكون بالرد المباشر على جنوده".
وأكد أردوغان:" قواتنا الجوية والبرية ستتحرك عند الحاجة بحرية في كل مناطق عملياتنا وفي إدلب وستقوم بعمليات عسكرية إذا ما اقتضت الضرورة".
وبعد أن كانت التهديدات التركية بالرد في حال تعرض نقاط المراقبة للاعتداء، أكد أردوغان وللمرة الأولى بأن الجيش التركي "سيرد بشكل مباشر ودون سابق إنذار وبغض النظر عن الطرف المنفذ للهجوم، في حال تعرض جنود بلاده أو حلفاء تركيا لأي هجوم". ويقصد بالحلفاء فصائل المعارضة.
النص الرسمي لاتفاق سوتشي حول إدلب
الجمهورية التركية والاتحاد الروسي، باعتبارهما ضامنتي الالتزام بنظام وقف النار في الجمهورية السورية العربية، وبالاسترشاد بمذكرة إقامة مناطق خفض التصعيد داخل الجمهورية السورية العربية في 4 مايو /أيار 2017، والترتيبات التي تحققت في عملية آستانا، وبهدف تحقيق استقرار الأوضاع داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب في أقرب وقت ممكن، اتفقتا على ما يلي:
- الإبقاء على منطقة خفض التصعيد في إدلب، وتحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها.
- سيتخذ الاتحاد الروسي جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم.
- إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 - 20 كيلومتراً داخل منطقة خفض التصعيد.
- إقرار حدود المنطقة منزوعة السلاح سيتم بعد إجراء مزيد من المشاورات.
- إبعاد جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية عن المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر (تشرين الأول).
- سحب جميع الدبابات وقاذفات الصواريخ المتعددة الفوهات والمدفعية ومدافع الهاون الخاصة بالأطراف المتقاتلة، من داخل المنطقة منزوعة السلاح بحلول 10 أكتوبر 2018.
- ستقوم القوات المسلحة التركية والشرطة العسكرية الخاصة بالقوات المسلحة التابعة للاتحاد الروسي، بدوريات منسقة وجهود مراقبة باستخدام طائرات من دون طيار، على امتداد حدود المنطقة منزوعة السلاح. والعمل على ضمان حرية حركة السكان المحليين والبضائع، واستعادة الصلات التجارية والاقتصادية.
- استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب - اللاذقية) وإم 5 (حلب - حماة) بحلول نهاية عام 2018.
- اتخاذ إجراءات فاعلة لضمان نظام مستدام لوقف النار داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب. في هذا الصدد، سيجري تعزيز مهام مركز التنسيق الإيراني - الروسي - التركي المشترك.
- يؤكد الجانبان مجدداً على عزمهما على محاربة الإرهاب داخل سوريا بجميع أشكاله وصوره.
أبرم في سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول 2018 في نسختين، وتحمل كلتا النسختين الإنجليزية والروسية القيمة القانونية ذاتها.
خلافات حول البنود التفصيلية للاتفاق
جاء نص الاتفاق والتصريحات الرسمية اللاحقة لرئيسي ومسؤولي البلدين، فضفاضة وبخطوط عريضة يصعب تفسيرها، وتوقّع كيفية تطبيقها، وخاصة فيما يتعلق بأبرز بندين وهما فتح الطريقين الدوليين والقضاء على الفصائل المصنفة على لوائح الإرهاب وأبرزها هيئة تحرير الشام، التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية في حين تطلق روسيا هذا الوصف على كل من حمل السلاح ضد نظام الأسد، وحتى أن خلافاً ظهر مع بداية العام 2019 حول كيفية إنهاء التنظيمات الإرهابية، حيث أكد أردوغان على أنه ذلك لن يتم بطريقة عسكرية وإنما سيتم بطريقة امنية وعبر فصل فصائل المعارضة عن تحرير الشام وباقي التنظيمات الأخرى في شمال غرب سوريا.
أما الطريقان الدوليان، فأوضح وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو في اليوم التالي لتوقيع اتفاق سوتشي، بأنه سيتم فتح الطريقين الدوليين قبل نهاية العام 2018، ولفت إلى أنه بحلول 15 تشرين الأول 2018 سيتم إخراج الأسلحة الثقيلة من المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب، وطرد التنظيمات المصنفة إرهابياً منها، في حين سيبقى الأهالي والمعارضة المعتدلة في مكانهما، وأن الاتفاق سيحافظ على حدود إدلب، ولن يجري تغييرا فيها.
وفي 22 أيلول 2018، أعلنت الجبهة الوطنية للتحرير، استعدادها التام للتعاون مع الجهود التركية حول إدلب، مؤكدة عدم تخليها عن السلاح لعدم ثقتها بـ "العدو الروسي"، وفعلاً انتهت في الثامن من تشرين الأول 2018 من تطبيق هذا البند.
أما هيئة تحرير الشام فأصدرت قبل ساعات من انتهاء الموعد المحدد لتطبيق البند المتعلق بالمنطقة منزوعة السلاح، بياناً رحّبت فيه بجهود "كل من يسعى في الداخل والخارج إلى حماية المنطقة المحررة"، حيث اعتبر ناشطون وسياسيون سوريون أن هذا البيان هو بمنزلة موافقة ضمنية بالاتفاق على الرغم من عدم ذكره بشكل واضح في البيان.
روسيا تستغل هجوم تحرير الشام على الفصائل العسكرية في حلب وإدلب وحماة
مع نهاية العام 2018 وبداية العام 2019 هاجمت هيئة تحرير الشام مواقع ومقار الفصائل العسكرية التي تجمّعت تحت مسمى "الجبهة الوطنية للتحرير"، ليتوصل الطرفان في العاشر من كانون الثاني 2019، لاتفاق وقف إطلاق للنار وتبعيّة مناطق سيطرة الجبهة الوطنية لحكومة الإنقاذ إدارياً، وذلك بعد أن سيطرت تحرير الشام على مناطق سيطرة حركة نور الدين الزنكي غرب حلب وحركة أحرار الشام في شمال حماة وجنوب وشرق إدلب، وألوية صقور الشام في جبل الزاوية.
سارعت روسيا إلى زيادة الضغط على تركيا لضرب هيئة تحرير الشام، مهددة بشن هجوم عسكري في حال لم يتم ذلك، لتعيد أنقرة التأكيد على أنها تمضي بخطوات بهدف تحقيق ذلك أمنياً بعيداً عن شن هجوم عسكري.
وبدأت تركيا تُظهر تحركات عملية بهدف تطبيق البند المتعلق بالتنظيمات الإرهابية، حيث اعتقلت فرق مكافحة الإرهاب في 13 كانون الثاني 2019، 16 شخصاً للاشتباه بانتمائهم لـ "هيئة تحرير الشام" في 3 ولايات تركية، وقبل ذلك بيوم واحد وصل رئيس جهاز الاستخبارات حقّان فيدان ووزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى الحدود السوري التركية في ولاية هاتاي المقابلة لمحافظة إدلب، للإشراف على تدريب عسكري أطلقه الجيش التركي في المنطقة.
ومنذ توقيع الاتفاق التقى الرئيسان أردوغان وبوتين في 24 كانون الثاني 2019، وبحثا التطورات الميدانية في إدلب، وأشادا بالتعاون الوثيق بين تركيا وروسيا في هذا الإطار، ودعا لتعزيز هذا التعاون.
وأكد أردوغان على أن البلدين سيواصلان ما سماه بالكفاح المشترك ضد التنظيمات الإرهابية التي تهدف لتقويض التعاون التركي الروسي، وسيواصلان هذا الكفاح ضد التنظيمات الإرهابية في إدلب.
واستبقت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا القمة الروسية التركية بتصريحات قالت فيها "إن الوضع في إدلب وما حولها يثير القلق. الوضع في منطقة خفض التصعيد يتدهور بشكل سريع، الأراضي عمليا تحت سيطرة كاملة من قبل هيئة تحرير الشام الموالية للنصرة".
بعد تحذير تركي الهيئة توافق على خطة جديدة لتفادي الهجوم الروسي
في 31 كانون الثاني 2019 كشفت مصادر لموقع "تلفزيون سوريا" أن تركيا وجهت قبل عشرة أيام رسالة إلى "هيئة تحرير الشام"، حذرتها خلالها من ضم كتائب جديدة أو اتخاذ إجراءات وتحركاته تظهرها أنها الجهة الوحيدة المسيطرة على محافظة إدلب وما حولها، تخلل تلك الرسائل تكرار تحليق الطيران الحربي التركي في أجواء ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي، الأمر الذي أدى لقبول الهيئة بانضمام كتائب كانت تتبع لحركة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي إلى فيلق الشام، وأيضاً تراجعها عن الإصرار على حل قطاع سهل الغاب في أحرار الشام لنفسه واستعادته بعضاً من أسلحته، بعد أن قرر عناصر الأحرار في المنطقة المغادرة إلى منطقة "غصن الزيتون".
وفسّر محللون سياسيون التأخر التركي بإنهاء هيئة تحرير الشام، بأن أنقرة لا تثق بروسيا بشكل كامل بألا تشنَّ الأخيرة هجوماً شاملاً على إدلب، وبذلك ستكون تركيا بحاجة إلى كل الفصائل الموجودة للدفاع عن المنطقة التي أعلنتها امتداداً وعمقاً لأمنها القومي، وهيئة تحرير الشام هي الفصيل الأكبر عدداً والأقوى تسليحاً.
روسيا تهدد بالهجوم وتركيا تبدأ تسيير دوريات في المنطقة المنزوعة السلاح
جددت روسيا في الثامن من شباط 2019 تهديدها بشن عمل عسكري على إدلب، وأشار نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين إلى أن جميع الاتفاقيات حول إدلب "هي تدبير مؤقت وهذا يعني أن لا أحد سيعترف بهذه المنطقة على هذا النحو إلى الأبد".
وبعد أن جدّد نظام الأسد قصفه المدفعي والصاروخي على مناطق عديدة من شمال حماة وجنوب وشرق إدلب، أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الثامن من آذار 2019، عن بدء تسيير دوريات تركية في المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، مطالباً موسكو بالضغط على حليفها الأسد لوقف هجماته وانتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار.
وأوضح أكار بأن الجيش التركي سيسيّر دوريات قرب الخط الفاصل بين قوات النظام والفصائل العسكرية في إدلب، في حين سيكون هنالك دوريات روسية منفصلة على الطرف الآخر في مناطق سيطرة النظام. وأشار إلى أن "عملية الفرز بين المعارضة والمجموعات الراديكالية في إدلب ما تزال متواصلة".
مع استمرار الخلاف حول تطبيق بنود الاتفاق التي بدأت روسيا بتحريفها بما يتناسب مع أهدافها بشن عمل عسكري، دخلت الطائرات الروسية في 14 آذار 2019 على خط الغارات الجوية، ما تسبب بمقتل 15 مدنياً خلال 24 ساعة في مناطق عديدة.
وتأتي حملة الغارات المكثفة بعد أيام قليلة من توقف دوريات الجيش التركي عن التجول في ريف إدلب الشرقي، والتي أكدت مصادر لموقع تلفزيون سوريا أنها جاءت دون تنسيق مسبق مع موسكو. وذلك بعد أن طالبت موسكو من تركيا تسيير دوريات مشتركة داخل المنطقة المنزوعة السلاح في مناطق سيطرة الفصائل، في حين رفضت الأخيرة ذلك بشكل قطعي.
النظام يتقدم بغطاء روسي وأردوغان يتوعّد بعد مقتل 8 من جنوده
بدأت روسيا والنظام في الثامن من أيار هجومها على منطقة خفض التصعيد في بلدة كفرنبودة بريف حماة الشمالي وسيطرت على كامل ريف حماة الشمالي ومدينة خان شيخون جنوب إدلب في 22 آب 2019، بعد محاصرة نقطة المراقبة التركية في مدينة مورك.
وفي 23 آب 2019، أنشأ الجيش التركي نقطة مراقبة جديدة على الطريق الدولي حلب – دمشق، قرب بلدة معرحطاط شمالي مدينة خان شيخون، بعد ان سيطر النظام على مدينة خان شيخون.
وبدأت المرحلة الثانية من هجوم روسيا والنظام في 20 تشرين الثاني 2019، في جنوب شرق إدلب، وسيطرت على مدينة معرة النعمان في 29 كانون الثاني الفائت، بعد أن حاصرت نقطة المراقبة التركية في الصرمان قرب بلدة جرجناز.
أما المرحلة الثالثة من الهجوم فكانت الغاية منها السيطرة على مدينة سراقب، إلا أن تركيا وبشكل مفاجئ أنشأت 5 نقاط مراقبة جديدة في محيط مدينة سراقب، وأرسلت تعزيزات هي الأكبر منذ بدء إنشاء نقاط المراقبة. واستهدفت قوات النظام إحدى النقاط في محيط سراقب ما تسبب بمقتل 8 جنود أتراك، وردّت المدفعية التركية باستهداف 57 هدفاً لقوات النظام لتبدأ مرحلة جديدة من طبيعة التدخل التركي في إدلب.