صادف يوم الأربعاء الماضي مرور ستة أشهر على قيام الكرملين بشن غزوه على أوكرانيا، وبما أن روسيا قصفت جارتها، ضمن حرب تحولت إلى أكبر حرب في القارة الأوروبية منذ عام 1945، إلا أن أضرارها الكبيرة تجلت في الجنوب، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، تلك المنطقة المتقلبة التي تسودها مشكلات كثيرة، ولذلك لم يكن الشرق الأوسط استثناء عندما انقطعت أشياء كثيرة عن دول عديدة فيه بسبب النزاع الدائر في أوروبا، حيث أصبح يعاني من نقص في الأغذية ومن التضخم، ما تسبب بظهور اضطرابات سياسية وسط لعبة شد الحبل بين حلفاء روسيا وحلفاء الغرب في تلك المنطقة.
ولكن على أية حال، ثمة دول في المنطقة اغتنت بشكل كبير بسبب القتال الدائر، وأضافت إلى خزينتها مليارات الدولارات.
إليكم الآن النواحي الأربعة التي تأثر من خلالها الشرق الأوسط بالحرب في أوكرانيا على مدار الأشهر الستة الماضية:
زيادة صادرات الطاقة
شهدت الحرب زيادة في أسعار النفط والتي وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عاماً، ما تسبب بارتفاع نسبة التضخم والانكماش الاقتصادي على مستوى العالم، ولكن بالنسبة لدول الخليج الغنية بموارد الطاقة، كانت تلك الأخبار جيدة بعد ثماني سنوات من الركود الاقتصادي الذي حدث بسبب انخفاض سعر النفط إلى جانب تفشي جائحة كوفيد-19.
يتوقع صندوق النقد الدولي لدول الشرق الأوسط المصدرة للنفط أن تحقق أرباحاً من البترول بقيمة 1.3 تريليون دولار خلال السنوات الأربع المقبلة.
وهذا الفيض من الأموال يعني فائضاً في الميزانية بالنسبة لدول الخليج وذلك لأول مرة منذ عام 2014، كما يُتوقع للنمو الاقتصادي أن يتسارع بشكل كبير. إذ خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام مثلاً، حقق الاقتصاد السعودي نمواً بنسبة 9.9%، والتي تعتبر الأعلى خلال عقد من الزمان. وفي تناقض صارخ، تراجع الاقتصاد الأميركي بنسبة 1.5%.
حملت تلك الحرب أيضاً فرصاً للدول المنتجة للغاز في المنطقة، وذلك لأن الدول الأوروبية بقيت على مدار عقود تفضل استيراد الغاز من روسيا عبر خطوط الغاز بدلاً من شحنه من دول بعيدة عبر البحر. ولكن بما أن أوروبا حرمت نفسها من الغاز الروسي، لذا صارت تبحث عن شركاء جدد لتشتري منهم، ولهذا وعدت قطر بتقديم نصف إجمالي الغاز لديها لأوروبا خلال السنوات الأربع المقبلة.
كما وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقيات غاز مع مصر وإسرائيل، والتي تطمح كل منهما للتحول إلى مركز للغاز الطبيعي في هذه المنطقة. وخلال زيارة لباريس في هذا الشهر، وقع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتفاقية تضمن تصدير الإمارات للديزل إلى فرنسا.
دعم زعماء المنطقة
يبدو أن الغرب عاد لحضن زعماء المنطقة بعد انتقاده الحاد لهم.
إذ على الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن تعهد بتحويل السعودية إلى دولة منبوذة، فإنه زار السعودية ضمن جولته التاريخية خلال الشهر الماضي، حيث اعتبر كثيرون تلك الخطوة بمنزلة إذعان لثقل المملكة ونفوذها بالنسبة للاقتصاد العالمي، على أمل أن تزيد من إنتاج النفط بما يخفف من نسبة التضخم العالمي وذلك قبل إجراء الانتخابات النصفية الأميركية في شهر تشرين الثاني المقبل. بيد أن تلك الخطوة منيت بالفشل إلى حد كبير، وذلك بعدما قررت منظمة أوبك التي تترأسها السعودية والتي تعتبر تكتلاً للدول المنتجة للنفط أن تزيد حجم الإنتاج النفطي بمستوى معتدل، وهذا ما وصفه أحد المحللين بصفعة على وجه بايدن.
سمحت الحرب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتحول إلى شخصية لا يمكن الاستغناء عنها في النظام الدولي، إذ بما أنه يواجه مشكلة اقتصادية في الداخل، فضلاً عن الانتخابات التي قرر خوضها في العام المقبل، لذا فقد استغل وبكل براعة موقع بلاده الجيوسياسي لينتزع امتيازات لصالح تركيا في الخارج، وذلك عبر تأجيله انضمام دولتين اسكندنافيتين إلى حلف شمال الأطلسي. كما حافظ أردوغان على علاقات ودية مع روسيا في الوقت الذي اعترض فيه على الحرب، ولهذا أخذ يبيع لأوكرانيا كل ما تريده من طائرات بلا طيار إلى جانب توسطه بين الطرفين المتحاربين.
تغير التحالفات
مع تغير طرق التجارة بسبب الحرب، تغيرت التحالفات أيضاً.
فقد أعلن مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش في شهر نيسان الماضي بأن الحرب أثبتت بأن النظام الدولي لم يعد أحادي القطب، وبأن الولايات المتحدة هي من يترأسه، كما شكك في استمرار تفوق الدولار الأميركي ضمن الاقتصاد العالمي، حيث ذكر بأن أبوظبي باتت تعيد النظر بتحالفاتها، وذلك عندما قال: "أصبحت الهيمنة الغربية على النظام العالمي في آخر أيامها". كما أعلن سفير الإمارات في الولايات المتحدة في مطلع هذا العام بأن علاقة بلاده مع واشنطن دخلت في "اختبار إجهاد" وذلك بعدما انضمت الإمارات للهند والصين في الامتناع عن التصويت لقرار مجلس الأمن الدولي الذي تدعمه الولايات المتحدة والذي يدين الحرب الروسية على أوكرانيا في شباط الماضي.
ومع إعادة تقييم العلاقات مع الغرب، يبدو بأن العلاقات مع الصين آخذة بالتطور، ولذلك وصفت الإمارات خلال الشهر الماضي زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان بالمستفزة، مؤكدة دعمها لسياسة الصين الواحدة. ومن جانبها، وصفت السعودية الصين بأنها بديل عن الولايات المتحدة، ولهذا عززت التعاون العسكري مع بكين، وهي تفكر اليوم ببيع النفط لها باليوان الصيني. في حين يتوقع للرئيس الصيني تشي جيبينغ الذي لم يقم بأي زيارة خارجية منذ فرض قيود كوفيد-19 على بلاده، أن يقوم بزيارة تاريخية للمملكة خلال هذا العام.
في مقالة نشرتها مجلة الأطلسي في شهر آذار الفائت، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان: "أين تكمن الفرص في العالم اليوم؟ إنها في السعودية، لذا إن كنتم ترغبون بإضاعتها، فإنني أعتقد أن هنالك أشخاصاً في الشرق سيكونون بمنتهى السعادة عند سماعهم بذلك".
بيد أن الولايات المتحدة تسجل كل تلك الملاحظات، إذ في افتتاحية نشرتها صحيفة واشنطن بوست، كتب الرئيس بايدن مبرراً زيارته للسعودية بأنه وضع الولايات المتحدة في أفضل مكانة ممكنة لتبز الصين وتتفوق عليها.
زيادة التوتر بسبب أزمتي الغذاء والتضخم
شعرت معظم دول العالم بوطأة انقطاع شحنات الحبوب عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن تلك الوطأة كانت أشد على الشرق الأوسط، وذلك لأن نحو ثلث قمح العالم يأتي من روسيا وأوكرانيا، وبعض دول تلك المنطقة تعتمد على هاتين الدولتين لتحصل على أكثر من نصف المواد التي تستوردها. ولهذا كانت ضربة قوية بالنسبة لليبيا التي مزقتها الحرب وللبنان الذي يعاني على المستوى الاقتصادي عندما توقف تصدير الحبوب من أوكرانيا، وكذلك الأمر بالنسبة لمصر التي تعتبر من أكبر الدول المستوردة للقمح.
واصلت أوكرانيا تصدير حبوبها في أواخر شهر تموز عقب توقيع اتفاقية بوساطة أممية بين كييف وموسكو، فاستقرت أسعار المواد الغذائية عالمياً منذ ذلك الحين، إلا أن معظم دول الشرق الأوسط ما تزال تنتظر تلك الشحنات المعطلة.
أبحرت أول سفينة تحمل حبوباً من أوكرانيا في الأول من آب، وكان من المقرر لها حينذاك أن تصل إلى لبنان، غير أن الشحنة غيرت مسارها بعد رفض من اشتروها في لبنان تسلمها، ولهذا توجهت نحو مصر بحسب وكالة رويترز.
اجتاحت نسب التضخم المرتفعة أيضاً عدداً من دول الشرق الأوسط ذات الاقتصاد المتقلقل، ولذلك تسبب ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في كل من العراق وإيران بخروج الناس إلى الشوارع احتجاجاً على ذلك، أما في مصر التي قامت فيها ثورة قبل عقد من الزمان أطاحت بالنظام السابق، وذلك تحت شعار: "خبز، حرية، عدالة اجتماعية"، فإن القوة الشرائية لدى الشعب على اختلاف مستويات الدخل فيه، أصبحت تشهد تراجعاً سريعاً.
المصدر: سي إن إن