قال ستيفن راب سفير الولايات المتحدة السابق بالنسبة لشؤون جرائم الحرب، إنه إذا قامت في يوم من الأيام محاكمة ضد رئيس النظام بشار الأسد، فلا بد أن تكون ضربة قاضية، إذ يرى المدعي العام السابق عن جرائم الحرب بأن هنالك مجموعة من الأدلة قد تم جمعها ضد الأسد وكلها تفوق بقوتها كل ما استخدمه الحلفاء لإدانة النازيين ومحاكمتهم في نورمبيرغ. فقد عرف عن النازيين توثيقهم لجرائمهم، إلا أن "راب" يرى بأنهم لم يقوموا بالتقاط صور للضحايا من الأفراد إلى جانب إضافة معلومات تعريفية عن كل ضحية!
اقرأ أيضاً: محاكمات أعوان الأسد تهيئ ألمانيا لنورمبيرغ جديدة
فبالنسبة لسوريا، يوجد آلاف الصور للضحايا الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت على يد أتباع الأسد، بالإضافة إلى الأوراق والوثائق التي تنسب عمليات القتل كلها لديكتاتور سوريا. وقد كتب الصحفي سكوت بيلي تقريراً عن تلك الجرائم وعن المصور الذي خاطر بحياته لفضح تلك الجرائم أمام العالم بأسره، وسيظهر هذا التقرير في العدد القادم من 60 دقيقة يوم الأحد المقبل الموافق 21 شباط عند الساعة السابعة مساءً.
فقد قتل أكثر من 250 ألف إنسان خلال الحرب في سوريا التي تقترب اليوم من سنتها العاشرة، ومن بينهم الضحايا الذين قتلوا تحت التعذيب، إضافة للمدنيين الذين قتلوا بالهجمات الكيماوية التي استهدفت مناطق سيطرة المعارضة. وعن ذلك يخبرنا السيد راب الذي شغل منصب المدعي العام بالنسبة للمحاكمات التي أقيمت لجرائم الحرب في كل من سيراليون ورواندا، فيقول: "لدينا قتل وإبادة وتعذيب واغتصاب، كما لدينا أشكال أخرى من العنف الجنسي. ولدينا عمليات اعتقال وحبس وحشية، كما لدينا تقطيع أوصال وتشويه".
ثم إن نظام الأسد قام بتوثيق الأحداث في ملفات بقيت في مناطق الحرب، إلا أنه تم تهريب 900 ألف وثيقة منها خارج البلاد لتحفظ ضمن الأرشيف على يد الهيئة المستقلة للعدالة الدولية والمحاسبة التي يترأسها السيد راب، والتي تمول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معظم أعمالها ونشاطاتها. وقد تحدث المدعي العام للسيد بيلي فقال: "لا شك بأن جميعها يفضي إلى الرئيس الأسد، أعني أن العمل منظم وينتقل من القمة إلى القاعدة. فهنالك وثائق كتب اسمه عليها، ومن الواضح أنه هو من ينظم هذه الاستراتيجية... وقد حصلنا على أدلة ضد الأسد وزبانيته أكثر من تلك التي جمعناها ضد ميلوزفيتش في يوغوسلافيا... بل إنها أفضل حتى مما جمعناه ضد النازيين في نورمبيرغ، وذلك لأن النازيين لم يقوموا بالتقاط صور فردية لكل ضحية من ضحاياهم مع إضافة معلومات تعريفية عن كل ضحية".
اقرأ أيضاً: رحلة أنور البني.. من بناء سجن صيدنايا إلى محاربة النظام قضائياً
ويعود الفضل الأكبر في ذلك لقيصر، وهو الاسم الحركي الذي استخدمه مصور عسكري سوري تم فرزه إلى المشارح ليقوم بتصوير الموتى الذين نقلوا إلى المشرحة بعدما فارقوا الحياة في سجون الأسد السرية.
وعن ذلك يعلق "راب" بالقول: "كان من الواضح تماماً بأنهم تعرضوا للتعذيب... فقد كانت أجسادهم هزيلة، بل تحولت إلى هياكل عظمية. وكان هنالك أشخاص معظمهم سُملت أعينهم. كما كانت هنالك عمليات صعق بالكهرباء، إذ بوسعك أن تعرف ذلك من خلال الهالات السوداء الظاهرة على أجساد الضحايا الذين كانوا هناك.... كما بوسعنا أن نرى كل صنوف التعذيب على أجساد هؤلاء الأشخاص... وهذا ما دفعني للتساؤل كيف استطاعت تلك الحكومة أن تفعل ذلك بشعبها؟!" أما قيصر فقد قال: "لقد خاطرت بحياتي وحياة أسرتي حتى أكشف للعالم بأسره الوجه الحقيقي لهذه الديكتاتورية التي يمثلها نظام الأسد".
يذكر أن قيصر نقل الصور التي التقطها إلى قرص تخزين ثم أعطاه لصديق له اسمه الحركي سامي، فقام الأخير برفع تلك الصور على جهاز حاسوب ثم هرّب كل شيء خارج البلاد. وتلك الصور تحمل إدانة كبيرة وواضحة لتلك الجرائم حسبما ذكر، فالنظام كان يحتفظ بسجل لأرقام القتلى، وعن ذلك يخبرنا قيصر فيقول: "ثمة ثلاثة أرقام تكتب عادة على كل جثة في مناطق مختلفة من الجسم، يوضح الأول رقم المعتقل، أما الثاني فهو رقم الفرع الذي عذبه حتى الموت، فيما يقوم الطبيب بإعطاء الرقم الثالث ليشير بالتسلسل إلى رقم الجثة".
لقد قام هذان الشابان بذلك حتى يعرف أصدقاؤهما وجيرانهما بما حدث في يوم من الأيام، حسبما ذكر سامي الذي أضاف: "كانت تلك مسؤولية حملناها على عاتقنا، أعني أنا وقيصر، إذ تلك مسؤوليتنا تجاه الشعب السوري والتي تحتم علينا أن نعرض عليهم وأن نثبت لهم وأن نعرفهم ما حل بأحبائهم والمصير الذي لاقوه".
وقام مكتب التحقيق الفيدرالي بمعاينة ودراسة عينة من بين 242 صورة قام قيصر بتسريبها، فأكد المكتب عدم وجود ما يثبت أنه تم التلاعب بتلك الصور.
ولسوء الحظ، كل تلك الأدلة قد لا تفضي لإدانة الأسد أو أي شخص آخر، وذلك لأن حلفاء سوريا وعلى رأسهم روسيا والصين قاموا بعرقلة محاولات مجلس الأمن الساعية لرفع ملف سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبما أن الأسد شارف على الانتصار في الحرب السورية، لذا من المحتمل أن تتحول سوريا إلى ملاذ آمن للمجرمين في ظل قبضة الأسد الحديدية على البلاد.
غير أن السيد راب ما يزال يأمل بتحقيق العدالة قائلا: "إنني أميركي متفائل، فقد اطلعت على حالات اعتقدنا أنها ميئوس منها تماماً، لدرجة أنه لم يعد أحد يؤمن بأنه يمكن للعدالة أن تتحقق معها، ومع ذلك نجحنا في مساعينا. أي إن الاحتمالات ما تزال قائمة، ومن الطرق التي نسعى باتجاهها اليوم طريقة جمع الأدلة الدامغة التي حصلنا عليها الآن".
المصدر: سي بي إس نيوز