أحداث زولينغن الألمانية وتهديدات مفتي الأسد لأوروبا

2024.09.14 | 06:47 دمشق

2555555555555
+A
حجم الخط
-A

في خضم الأحداث الأخيرة التي عصفت بمدينة زولينغن الألمانية نتيجة العمل الإرهابي المقصود الذي نفذه وتبناه تنظيم داعش الإرهابي (الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم، حيث قال إن منفذه أحد جنوده، زاعماً أنه نصرة لأهالي غزة)، والذي تدعمه جهات معادية للاجئين السوريين، تعيش ألمانيا مرحلة حاسمة وحساسة متعلقة بسياسة الهجرة واللجوء، وحالة فائقة من التوتر والضغط السياسي المتزايد في ظل الانتخابات القادمة، مما دفع بالحكومة الألمانية إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن ترحيل اللاجئين وتشديد الإجراءات الأمنية. رغم أن هذه القرارات تحظى بدعم شعبي في بعض الأوساط، إلا أنها قد تواجه صعوبات قانونية وتحديات حقوقية، مما يجعل مستقبل سياسة اللجوء في ألمانيا موضع تساؤل.

تبقى الانتخابات المقبلة محورية في تحديد الاتجاه الذي ستسلكه البلاد في هذا الملف الحساس، بعد أن أسفر هجوم زولينغن عن مقتل ثلاثة ألمان وجرح خمسة آخرين، الأمر الذي ترك آثاراً نفسية قاسية على السوريين، متجاوزة في نتائجها آثار الهجوم الذي أزهق الأرواح وجرح العديد خلال أحد التجمعات الاحتفالية في ساحة "فروينهوف" بمدينة زولينغن، بمناسبة مرور 650 عاماً على تأسيس المدينة.

إن هجوم زولينغن الإرهابي هو امتداد لمخططات إرهابية مستمدة من إيديولوجيات أنظمة ثيوقراطية، عملت على نهج سياسي تحريضي لا إنساني.

لقد أثار الهجوم بعدها حملة غضب وانتقادات لسياسة الهجرة الألمانية، حيث جاء في توقيت حساس للغاية، إذ تستعد البلاد لخوض انتخابات برلمانية في ولايتي تورينغن وساكسونيا.

وكان لا بد أن تتخذ الحكومة الألمانية إجراءات صارمة حيال الضغوط الكبيرة من الشارع بشكل عاجل، وانتهاج سياسات مشددة تجاه اللاجئين، خصوصاً أصحاب السوابق والمجرمين والمرتبطين بتنظيمات إرهابية متشددة. وهذا ما دفع الحكومة الألمانية بقيادة المستشار أولاف شولتس إلى الدعوة لتشديد سياسة اللجوء وتسريع عمليات الترحيل.

إن هجوم زولينغن الإرهابي هو امتداد لمخططات إرهابية مستمدة من إيديولوجيات أنظمة ثيوقراطية، عملت على نهج سياسي تحريضي لا إنساني. ولا يزال عالقاً في أذهان العالم، وخاصة السوريين، مقطع الفيديو الذي ظهر فيه مفتي الجمهورية السابق في نظام بشار الأسد (المفتي أحمد حسون)، المدعوم من مخابرات النظام، وهو يهدد أوروبا وأمريكا في بداية الثورة السورية، قبل أن يصل أي لاجئ سوري إلى أوروبا. حيث قال مفتي الأسد علناً مهدداً أوروبا والغرب منذ بداية الثورة السورية عام 2011، في فيديو لا يزال مرفوعاً على يوتيوب: "أقول لكل أوروبا وأقولها لأمريكا سنعد استشهاديين هم الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم لبنان. فبعد اليوم العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم".

وكرر مفتي الأسد تهديده للأوروبيين بانتقال ما سماه "النار" إليهم، محملاً أوروبا مسؤولية عواقب الحرب التي شنها رئيس البلاد على شعبه.

ولا يزال تصريح وزير الخارجية السابق في نظام الأسد، وليد المعلم، حاضراً في الذاكرة عندما قال: "سنمحي أوروبا عن الخارطة ونتجه شرقاً وجنوباً وإلى كل اتجاه يمد يده إلى سوريا، لأن العالم ليس أوروبا فقط، وسننسى أن أوروبا على الخارطة".

في الحقيقة، الإرهاب لا دين له ولا عرق ولا مذهب. للإرهاب جناحان هما تنظيم الدولة (داعش) والقاعدة، وهذان التنظيمان قيادتهما في طهران، ويتشارك معهما في الإدارة حلفاؤهما في دمشق وبغداد وبيروت، لتحقيق أهدافهم التخريبية.

اللاجئون السوريون هم ضحايا الإرهاب الذي مارسه عليهم نظام الأسد وداعش والفصائل المتشددة. وهم يرفضون التصرفات الهمجية التي تُرتكب باسمهم.

تعمل الأنظمة الثيوقراطية في دمشق وطهران على إثارة القلاقل والمخاوف، واستغلال ملف اللاجئين للحصول على مكاسب مادية من الدول المانحة، والتأثير على المشهد السياسي في ألمانيا. وهذا ما يزيد من ضغوط الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تستخدم ملف اللاجئين كورقة انتخابية لكسب الأصوات، في ظل اتهام الحكومة بأنها قاصرة عن تنفيذ الإجراءات الكفيلة بتنظيم ملف الهجرة واللاجئين.

كما تواجه الأحزاب اليسارية انتقادات بعدم تقديم حلول جذرية لمسألة الهجرة، رغم سعيها لاستغلال المخاوف الأمنية لتعزيز مواقفها. فحزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" يضغط باتجاه تطبيق حالة الطوارئ الوطنية لتجاوز قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة وتسريع عمليات الترحيل، متهماً المستشار الألماني بالتخاذل.

لكن توقعات نظام الأسد وحليفته إيران لم تتطابق مع الواقع، إذ جاءت تصريحات المسؤولين الألمان لصالح السوريين، حيث أشارت وزيرة الداخلية، نانسي فيزر، إلى أن الحكومة تسعى لتحقيق التوازن بين الأمن واحترام حقوق الإنسان. إلا أن بعض السياسيين يرون أن هذه الإجراءات قد تواجه تحديات قانونية ودستورية، مما قد يعرض ألمانيا لضغوط دولية من منظمات حقوق الإنسان التي ترى أن ترحيل اللاجئين إلى دول مثل سوريا وأفغانستان يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.

إضافة إلى ذلك، تشير التقارير الواردة من منظمات حقوق الإنسان إلى أن مناطق سيطرة الأسد غير آمنة، مع تزايد أعداد المعتقلين شهرياً وحالات الاختفاء القسري، إضافة إلى عمليات الاختطاف للحصول على فدية، تحت إشراف السلطات الأمنية.

ختاماً، اللاجئون السوريون هم ضحايا الإرهاب الذي مارسه عليهم نظام الأسد وداعش والفصائل المتشددة. وهم يرفضون التصرفات الهمجية التي تُرتكب باسمهم، مؤكدين حرصهم على سلامة علاقتهم بالمجتمع الألماني الذي رحّب بهم وقدّم لهم يد العون. ومن هذا المنطلق، جاءت تصرفات اللاجئين السوريين الحضارية بعد الهجوم الإرهابي بوضع أكاليل الزهور على قبور الضحايا، وإضاءة الشموع، تعبيراً عن رفضهم الكامل لهذه الأعمال الإرهابية.