icon
التغطية الحية

"أبو ماهر صالح".. منشد الغوطة الذي سيّست الثورة أهازيجه

2024.03.15 | 07:09 دمشق

أبو ماهر صالح
شارك أبو ماهر الصالح في الثورة عقب اندلاعها في غوطة دمشق الشرقية
تلفزيون سوريا ـ بثنية الخليل
+A
حجم الخط
-A

على مدار سنوات تعرضت مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية لحصار شديد، وقصف وحشي من قبل قوات النظام وروسيا، وكانت أصوات المنشدين إحدى الصلات بين أهالي الغوطة وبين العالم.

موقع تلفزيون سوريا استعاد مع "أبو ماهر صالح" أحد أشهر منشدي الغوطة، لحظات انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 في أحد أهم معاقلها، غوطة دمشق الشرقية.

عائلة منشدين وقرّاء

"أبو ماهر" نحات ومقاول بناء، نشأ في عائلة فيها منشدون وقرّاء، وبعد بروز موهبته في الإنشاد، بدأ يشارك في المناسبات تطوعاً، واشتهر بالأهازيج والأغاني الشعبية، وخاصة أغنية عدد فيها مدن وبلدات الغوطة الشرقية: دوما، حرستا، عربين، كفربطنا، القابون، جسرين، جوبر، عين ترما، مرج السلطان، سقبا، زملكا، المليحة، مسرابا، المحمدية، بيت نايم، الشفونية، أوتايا، الأشعري، حمورية، بيت سوى.. مدن وبلدات معظمها لم يكن معروفاً لكثير من السوريين قبل الثورة، وصارت معروفة بعدها، بصمودها وبالفظائع التي ارتكبها النظام فيها، وخاصة مجزرة الكيماوي 2013 التي جعلت بلدات الغوطة تذكر في مجلس الأمن الدولي وفي قمم دولية.

يقول "أبو ماهر" لموقع تلفزيون سوريا: "قبل الثورة كنت أعمل في القصور والمباني الفخمة، أي مع المسؤولين والأغنياء والبيئات المترفة والموالية للنظام، وكانت أسرتي مسالمة، لم أكن في وسط مسيّس أو معارض على الإطلاق، لا في البيت ولا في العمل، والإنشاد كان هواية. كان فقط لمجاملة الناس، وكان يعبر عن بيئة المنطقة وثقافتها وتقاليدها وهويتها".

ويضيف أبو ماهر: "في بداية الثورة كان هناك تخوف من الانضمام إليها، وتخوف من إجرام النظام، وكان هناك ضغط علينا لعدم الانضمام إلى الثورة، خوفاً من انتقام النظام من الأهل والأقارب. وفي أحد الأيام سقط صديق لي من كفربطنا شهيداً، وكان من غير الممكن ألا أشارك بجنازته، وفي الجنازة حملت الميكروفون وقلت:

ربي يرحم شهدانا.. يجازي كل من عادانا

لا تيأس يا شعب العز.. رب البرايا معانا

طالع أنا عالحرية.. ودمي بإيديي

وإن جيتك يمي شهيد.. لا تبكي علي

وروحي فداكي يا غوطة.. وفدا الشعب اللي عانا".

بعد هذه الجنازة، وهذه الكلمات، صار "أبو ماهر" من رموز الثورة في الغوطة، فشارك في أول مظاهرة، وكانت في يوم الجمعة العظيمة، وصار وعيه السياسي والوطني يكبر، يقول: "لم يكن عندي وعي سياسي، شاهدت أناساً أثق بهم خرجوا في الثورة، فخرجت معهم، وأنا شخص شعبي بطبيعتي، دائماً مع الناس في أفراحهم وفي أتراحهم، فكان طبيعياً أن أنضم إلى الثورة، خاصة وأن البلد كلها ثارت. وبعدها زاد وعينا، صرنا نحكي بالحرية، والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وإلغاء قانون الطوارئ، والإصلاحات.. كان الوعي يتصاعد ويكبر، ويشمل كل الناس، وقبل ذلك كان الوعي السياسي حكراً على المعارضين القدماء وأسرهم".

الكيماوي و"حلاوة" الحصار

وبعد سنة من التظاهر والاحتجاج، عاشت الغوطة، وعاش أبو ماهر أخطر حدث على الإطلاق، يقول: "أهم حدث عشته هو قصف النظام للغوطة بالسلاح الكيماوي عام 2013. كان حدثاً مأساوياً فظيعاً، أكد صحة توقعات من كانوا يخوفونا من الانضمام إلى الثورة، ويقولون لنا إن النظام متوحش بلا حدود".

وعن أجمل لحظات الثورة يقول "أبو ماهر": “هي لحظات الانتصار. كنا نفرح أشد الفرح كلما انضمت بلدة إلى الثورة، وبلغ فرحنا أوجه في تنظيف الغوطة من القطع العسكرية وحواجزها الطيارة التي كانت تؤذي الناس بشدة. ومع سقوط كل حاجز للنظام كنا نعتقد أن النظام سقط".

وفي عام 2013 حصل حدث خطير ممتد يتحدث عنه "أبو ماهر" بمزيج من الأسى والفخر. يقول: "في عام 2013 حوصرت الغوطة، واستمر الحصار والقصف خمس سنوات، كانت أياماً حلوة رغم مرارتها. المر فيها القصف الدموي الذي كان يحصد أرواح الناس، والجوع الذي دفعنا لتناول ما تأكله الدواب، أما الجميل فهو التكاتف والتضامن والتساوي بين الناس. حلاوة لا يدركها إلا من عاش الحصار".

ومن أجمل ما عاشه المحاصرون كما يقول "أبو ماهر": "الاختراعات والابتكارات لتلبية حاجاتنا، فاخترعنا المازوت من البلاستيك، والغاز من روث البقر والأغنام، والكهرباء من نواعير الأنهار. لقد قطع النظام عنا الكهرباء خمس سنوات متواصلة".

وبأيام الحصار الطويلة، صار "أبو ماهر صالح" معروفاً في كل سوريا، يشاهده السوريون عبر الإنترنت ووسائل التواصل ووسائل الإعلام ينشد تراث الغوطة، ويبث الحماسة في المقاتلين والسكان المحاصرين، ويصف الواقع كما هو، بحلوه ومره.

يقول "أبو صالح" لموقع تلفزيون سوريا: "لم أحمل السلاح، ولم أتطوع في أي مجال، كنت أحمل صوتي فقط، وعبره أنقل معاناة وواقع وانتصارات أهلي، هذا هو دوري في الثورة، استخدام الكلمة والصوت لإغاظة النظام المجرم".

الإنشاد والنقش على الحجر في الشمال السوري

في نهاية الحصار عاش أبو ماهر حدثاً كبيراً آخر هو التهجير القسري، والخروج من الغوطة عام 2018. يقول: "خرجنا من الغوطة في الشهر 3 عام 2018 بتدخل روسي، كان يوماً يشبه يوم القيامة، الذي وصفه القرآن الكريم بعبارة وترى الناس سكارى وما هم بسكارى. كنا خارجين من الموت المحتم، إلى المجهول المطلق. لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون، ولا ماذا ينتظرنا. كنا نظن أن إدلب صغيرة، وأنهم يجمعوننا فيها ليتم حرقنا جميعاً. ومع ذلك لم يكن أمامنا خيار إلا الخروج، فالطائرات والمدفعية والراجمات تقصف بلا توقف، ومستعدة لقتل كل الناس. لو بقينا في الغوطة كنا قتلنا جميعاً".

ومن اللحظات التي وثقتها وسائل التواصل الاجتماعي، الجدل الذي دار بين "أبو ماهر الصالح" وموالين للنظام وإعلامييه الذين جاؤوا للحديث معه عند خروجه من الغوطة، حيث حصل صدام حاد بينه وبينهم سجلته الكاميرات.

ووصل ضيفنا إلى الشمال السوري، وهناك تعرف إلى شخصيات "ثورية" من كل سوريا، يقول: "في عامي 2018 و2019 تعرفت إلى عبد الباسط الساروت، ومنشدين وقادة مظاهرات من كل سوريا، وصرنا نتقاسم المهمات في مدن وبلدات إدلب، كل واحد ينشد ويقود المظاهرات والاحتجاجات والمناسبات والتجمعات في مدينة أو بلدة. شاركت في مظاهرات في بلدات لم أكن أعرفها، سراقب والمعرة وكفرنبل وأريحا وجرجناز..".

بعد الغوطة أقام "أبو ماهر صالح" في سراقب ثم بنش (محافظة إدلب) ثم في مارع (محافظة حلب)، وواصل عمله المعتاد، وهو مقاولات البناء والنقش على الحجر، كما حوّل هواية الإنشاد والغناء إلى خدمة أهله وبلده والثورة، وجد في البناء والنحت مجالاً للقيام بهذا الدور، يقول: "أنا ومن يعملون معي تركنا بصمات في العديد من المدن والبلدات في المحرر، عن طريق إنشاء النصب التذكارية والرموز الحجرية وتزيين الساحات والدوارات وبناء المساجد والمدارس والبيوت.. لقد نقلنا ثقافة وتراث الغوطة، وروح الثورة، عبر البناء، إلى كل مكان انتقلنا إليه".

منشد الثورة

حتى عندما يزور "أبو ماهر الصالح" تركيا، يظل لسانه يتحدث عن الثورة، وعن تراث الغوطة، وعن مشكلات وواقع السوريين في كل مكان، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "قدمت برنامج حكواتي الغوطة، وهو برنامج يوثق أحداث الثورة، والتقيت مع الملحن سمير الأكتع وصار لي أغان بكلمات وألحان خاصة بي، وحتى اليوم ما زلت أشارك في المظاهرات والمناسبات والاحتجاجات، بما فيها الاحتجاجات على مشكلات السوريين في المحرر، ومشكلات إقامتهم في خارج سوريا".

لا يتحدث أبو ماهر عن الثورة بصيغة الماضي، بل يتحدث عنها بصيغة المضارع، ويرفق الحديث بالفعل، إنه يحاول أن يعيش الثورة في كل تصرفاته، منذ عام 2011، وحتى اليوم.