icon
التغطية الحية

 الصيف "عدو" لمئات آلاف النساء في مخيمات شمال غربي سوريا 

2023.07.18 | 05:52 دمشق

مخيم للنازحين شمال غربي سوريا (AP)
مخيم للنازحين شمال غربي سوريا (AP)
إدلب ـ حباء شحادة
+A
حجم الخط
-A

بانتظار نسمة للهواء، وسط أرض تكويها أشعة الشمس، ترتفع جوانب الخيام عن الأرض، ويظهر داخلها أطفال يستلقون على ظهورهم ورجل متكئ يرتدي قميصاً داخلياً ويمد رجليه محاولاً الاسترخاء، وإلى جانبه امرأة جالسة ترتدي ثوباً طويلاً ويظهر عند كعبيها البنطال الذي ترتديه أسفله وعلى رأسها تلف حجاباً يغطي شعرها ورقبتها وتعلو وجهها علامات التعب. 

تحتل أخبار الطقس الحار عناوين وكالات الأنباء العالمية، إذ تتوالى موجات الحر في أنحاء الأرض، وتكسر كل منها الدرجات القياسية التي كانت لسابقتها، وتسارع الدول والمنظمات العالمية لإطلاق التحذيرات من "أكثر المخاطر الطبيعية فتكاً"، والتي خلفت نحو 70 ألف قتيل في أوروبا وحدها العام الماضي، مع تقديم نصائح الابتعاد عن أشعة الشمس، وشرب الماء، وارتداء الملابس الفضفاضة المريحة، والاستحمام بالماء البارد للوقاية من الحر الشديد. 

لكن ماذا بإمكان المرأة أن تفعل لتهرب من حر الصيف حينما تقيم في خيمة تحبس الحرارة ولا ترد الشمس، ووسط مجتمع محافظ، لا يتيح لها فرصة الراحة وهي محط عيون الآخرين، وهي مضطرة للحفاظ على لباس كامل طوال النهار، مع شح في المياه وغياب لمرافق الاستحمام. 

مئات الآلاف من النساء يقمن في مخيمات شمال غربي سوريا، يذقن عذاب الصيف مضاعفاً عن غيرهن، وسط تجاهل لاحتياجاتهن، ونقص في الدعم الإغاثي العام، وحرارة متزايدة تهدد بمشكلات صحية ونفسية واجتماعية متصاعدة. 

حلم الخصوصية  

"إن أردت زيارة جارتي علي وضع النقاب لأحتمي من عيون الناس"، بهذا بدأت سلمى حديثها عن واقع معيشتها في المخيم، في مدينة حربنوش بريف إدلب، واصفة ما يسببه تزاحم الخيام واختلاط الأغراب بالأقارب من انعدام للخصوصية وضيق مستمر في فصل الصيف. 

شرحت سلمى معاناة كررتها نساء عديدات لـ موقع تلفزيون سوريا، إذ أن عدم القدرة على إغلاق باب الخيمة أو إنزال جوانبها يعني الاختناق خلال الصيف، لذلك يكون الاحتشام الدائم ضريبة للتنفس، في حين لا يجري الاستحمام إلا بسرعة وبعد تخطيط للوقت الأمثل حسبما قالت الشابة ذات العشرين عاماً مضيفة "أخشى أن يفتح أحدهم الباب أو أن يأتي أحد من الجيران ليطلب شيئاً ما". 

لا يأمن المقيمون في المخيمات من "كلام الناس"، والذي يزيده اختلاط "الأغراب" ضمن المخيم الواحد، حسبما أوضحت المشرفة الميدانية لفريق "يمامة التطوعي"، سوريا الخالد، لموقع تلفزيون سوريا، "أغلب المخيمات عشوائية ولا تراعي الخصوصية وهو ما ينعكس على النساء إذ لا تستطيع المرأة أن تجلس حتى أمام باب خيمتها خشية من الغرباء". 

مرافق الاستحمام ليست موجودة في المخيمات العشوائية، وإنما تخصص كتل مشتركة للحمامات، ولا تذهب إليها المرأة دون مرافقة زوجها كي لا تتعرض للمضايقات أو حتى للتلميحات من المراقبين "في حال دخل رجل غريب إلى الكتلة وكانت هناك المرأة سيتحدث عنهن البعض، والنساء تتأذى من الكلام، والناس يصدقون ما يحكى"، كما قالت سوريا. 

حالة الترقب والخشية المستمرة من "عيون الناس" تحد من قدرة النساء على تأمين النظافة والحصول على الراحة من التعرق والتبريد من الحرارة العالية، لكنه لا يعفيهن من "واجباتهن" أيضاً. 

مسؤولية ربة البيت  

في الخيمة أو في المنزل على المرأة مسؤوليات الطهو والعناية بالأطفال والزوج، والذي غالباً ما يعجز عن تأمين عمل مستمر لإعالة عائلته، لكن إشعال الغاز "يجعل الوضع لا يطاق" حسبما قالت "أم خالد"، المقيمة في مخيم "حمادي" في كفرعروق، لموقع تلفزيون سوريا. 

كما أن إدارة مخصصات الماء، والتي تبلغ برميلاً كل يومين أو ثلاثة، غير ممكنة مع درجات الحرارة المرتفعة "حممت الأولاد ثلاث مرات اليوم وبحلول العصر كانت الماء قد انتهت"، قالت "أم خالد" عن أطفالها الأربعة، مشيرة إلى أن الماء غير كافٍ للنظافة ولا للتبريد خلال الصيف. 

يذكر ابنها خالد، البالغ من العمر عشر سنوات، أيام معيشته في المنزل قبل نزوح عام 2019 من ريف حلب الجنوبي، "يتحدث بكلام إنسان يائس وهو ما زال طفلاً"، كما قالت والدته، موضحة أنها تبذل جهدها لمنع الأطفال من مغادرة الخيمة خلال النهار حرصاً على سلامتهم من الحرارة العالية. 

لكن حتى داخل الخيمة تعاني فاطمة مع طفلتها البالغة من العمر شهراً واحداً وهي تبكي باستمرار بسبب الضيق "لا تسكت ولا تنام بسبب الحرارة"، قالت الشابة لموقع تلفزيون سوريا. 

أقامت فاطمة في المخيم بعد زلزال شباط الماضي، إذ تعرض منزلها في ريف جنديرس، والذي نزحت إليه قبل أربع سنوات للتصدع وانهارت أجزاء متعددة منه، "مجبورون على الإقامة في الخيمة فلا مكان نذهب إليه"، حسبما قالت مشيرة إلى عدم توفر منزل آمن في المنطقة. 

"كبرنا أكثر من أعمارنا، مهما تحدثت لن أصف ما مررنا به، قبل الزلزال وبعده، كنا مستورين بغرفتنا التي أقمنا بها والآن نحن بخيمة لا تصلح للسكن"، قالت فاطمة وتابعت "إن أردنا تشغيل مروحة صغيرة على البطارية ضمن الخيمة فإنها تعطي هواءً حاراً لأن الخيمة حامية بالأصل". 

سلمى، المتزوجة منذ أربع سنوات، قالت إنها وجارتها لا يتمكنّ من الإحساس بأنوثتهن ولا يستطعن تلبية احتياجات أزواجهن وهن مقيدات باللباس الكامل ولا يستطعن إغلاق الخيمة للحصول على أدنى حد من الخصوصية، "زوجي يعاتبني ويطالبني أن أهتمَّ بنفسي.. وأحياناً يهددني أنه سيتزوج عليّ ولكني لا أملك من أمري شيئاً فالخيمة ومحيطها كالنار". 

الضيق في كل شيء  

يفاقم ارتفاع درجات الحرارة العديد من الأمراض حسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية على موقعها، مع تخصيصها لارتفاع التوتر كأحد أهم الأعراض للحرارة العالية والمسببات للأمراض، "أم خالد" وصفت ما يجري معها ومع غيرها من سكان المخيم بـ"الاكتئاب" وتحدثت عن انتشار الأمراض "من التعب والمعاناة والحر"، وقالت "تحدث المشكلات بلا أسباب وأطفالي حتى تعبوا، ابني قال لي خلال موجة الحر إنه يتمنى الموت". 

سوريا، المنسقة الميدانية لفريق "اليمامة"، رصدت تزايد حدة الأمراض عند ارتفاع الحرارة، "هناك العديد من الأمراض التي تسببها الحرارة المرتفعة، وتتأثر الحالة الصحية للمرضى المجبورين على البقاء في الخيام". 

برأي سوريا فإن تباعد الخيام عن بعضها قد يمثل نوعاً من الراحة للنساء، ولكن المطلب الأهم هو مرافق النظافة الخاصة بكل عائلة وتوفير حصص المياه الكافية. 

بدورها تحدثت "أم خالد" طويلاً حول نقص العوازل في الخيام وهو ما يزيد من تسخين الهواء ضمنها، وقالت إن المخيم الذي تقيم فيه لا يضم كتل حمامات عامة كافية حتى للسكان. 

مدير ومنسق الحماية الميداني في جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية، محمود عجاج، أوضح أن هنالك شكاوى دائمة من قلة الدعم وعدم شموله كل فئات المقيمين في المخيمات وعدم وفرة مياه الشرب والمياه اللازمة للنظافة، "يجب أن تكون الخيام مجهزة بمراوح وعوازل للحرارة وهي تكاد تكون معدومة"، حسبما قال لموقع تلفزيون سوريا، مضيفاً أن شكاوى الصيف تتضمن مشكلات انتشار الحشرات والعقارب والأفاعي إضافة إلى الحرمان من الحصص الغذائية والخبز. 

برأي عجاج فإن عودة النازحين إلى ديارهم بأمان هي الحل الأمثل لمشكلات الصيف، وإلى ذلك الحين يجب الاستعاضة عن الخيم بكرفانات أو منازل جاهزة "تحفظ الكرامة"، مع توفير المياه بشكل دائم وبناء كتل ومرافق صحية خاصة للنساء وتوعية الأهالي والأطفال حول أهمية الحفاظ على النظافة الشخصية. 

"ما يحتاجه النازحون في الشمال السوري يستوجب تكثيف جهود الجميع من دول ومنظمات وهيئات للنهوض بالمجتمع بدءاً من البنية التحتية وصولاً إلى تأمين مساكن تحفظ الكرامة وتصون الحقوق وتضمن حياة آمنة للأطفال"، حسبما قال مدير الحماية الميداني. 

جهود الدول لم تفلح إلى الآن بتمديد تفويض المساعدات عبر الحدود، المعلق منذ العاشر من تموز الحالي، كما أن تلبية تعهدات التمويل الخاصة بسوريا وقفت عند 11% للعام الماضي وفق إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، وبحسب أحدث تقارير قطاع الملجأ فإن 2.74 مليون نازح داخلياً يقيمون في الشمال الغربي بينهم 1,9 مليون في 1525 مخيماً، لكن أعداد من تلقوا المساعدة خلال شهر أيار الماضي لم تصل إلى 34 ألفاً فقط. 

وحتى الآن تقتصر جهود المنظمات الدولية على دعوة الدول الغنية لوقف انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري وتقود التغير المناخي الذي رافقته موجات الحر إلى أن أصبحت "العادي الجديد" بالنسبة للعالم، مع تقديم نصائح لا يملك النازحون تطبيقها للهروب من الحرارة المرتفعة.