icon
التغطية الحية

‎المحاكم الميدانية حجر أساس قامت عليه عائلة الأسد على رفات السوريين

2023.09.08 | 16:57 دمشق

‎المحاكم الميدانية حجر أساس قامت عليه عائلة الأسد على رفات السوريين
بشار الأسد وسط ضباط وجنود من جيشه في ريف إدلب، 2019 (سانا)
إسطنبول - ديانا رحيمة
+A
حجم الخط
-A

بعد إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد، الأحد الماضي، المرسوم التشريعي رقم 32 والقاضي بإنهاء مرسوم عمل محاكم الميدان العسكرية الصادر عام 1968، وإحالة جميع القضايا المحالة إليها بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية، يتبادر للأذهان بدء تاريخ استغلال عائلة الأسد لهذا المرسوم وتعديله لصالحها من أجل البقاء في السلطة وقمع المعارضين لها، وتقود للتساؤل ما سبب إبطال الأسد للمحاكم الميدانية في هذا التوقيت.

كان رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، استغل الكثير من القوانين وسخرها لخدمته وخدمة أجهزته الأمنية والعسكرية في كثير من الأحيان، سواء على الصعيد المدني والعسكري، بحسب ما قاله المحلل العسكري العميد، عبد الله الأسعد، في حديثه إلى موقع "تلفزيون سوريا".

واستغل الأسد الأب المادة (48) تحديداً والتي جاء فيها بأن العسكريين غير محاسبين أمام المحاكم في أثناء القيام بمهامهم مما يسمح لهم بقتل وبطش الشعب السوري، من ناحية، ومن ناحية أخرى استغل المحاكم الميدانية لقتل كل من لا يكون في صفه أو ليس لديه ولاء له.

وتمكن حافظ الأسد عبر استخدام هذه الأدوات وخاصة في زمن الحرب، أن يقتل الكثير من الضباط تحت حجة بأنهم تخاذلوا في الحرب، كما حدث في المحكمة الميدانية خلال حرب تشرين وكذلك في عام 1982.

أوضح بحث أجراه مركز "حرمون للدراسات" بعنوان "محكمة الميدان العسكرية في سورية لا شرعية قانونية ولا دستورية ولا دولية"، كيفية لجوء بعض الدول إلى إحداث محاكم استثنائية أو عسكرية للتهرب من التزاماتها بضمان إجراءات محاكمة عادلة وتثبيت الجيش بوصفه سلطة داخل المجتمع والهيمنة على المدنيين.

على هذا الأساس صدر المرسوم رقم 109 لعام 1968 من مجلس قيادة الثورة، استناداً إلى انقلاب حزب البعث العسكري في سوريا 1963 الذي ينص على إنشاء محكمة الميدان العسكرية، بوصفها "محكمة عسكرية استثنائية".

ووسع من دائرة اختصاص هذه المحكمة بالمرسوم التشريعي رقم 32 عام 1980 من دون عرضه على مجلس الشعب، إذ أضيفت عبارة (أو عند حدوث الاضطرابات الداخلية) لتشمل المدنيين، وتعد هذه المحكمة مخالفة للقوانين الوطنية النافذة، وللدستور الوطني، وللمواثيق الدولية والقانون الدولي.

وتنتهك هذه المحكمة استقلال القضاء، وتنتهك الحدود الدنيا لضمانات المحاكمة العادلة، وحقوق الإنسان، فضلاً عن أنها شُكلت بطريقة "غير قانونية".

في عهد الابن

بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011 استمرت إحالة معارضي النظام ومحاكمتهم أمام هذه المحاكم وصدور أحكام الإعدام أو الحبس المؤبد بحقهم، وتعد هذه الأحكام صادرة عن محكمة غير مشكلة تشكيلاً قانونياً، ولا تكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة وتعد جريمة حرب.

المحامي محمد الجوجة قال إن المحكمة الميدانية ليست سوى كيان موازي للأجهزة الأمنية غايتها تصفية الخصوم السياسيين لنظام عائلة الأسد ومحاربة معارضيه الذين يرى فيهم تهديداً له ولاستقرار نظامه، وهي أداة لتقييد الحريات وحماية السلطة التي وصل إليها الأب بانقلاب عسكري.

وبحسب الجوجة، تنتهك محكمة الميدان العسكرية الشرعية القانونية والدستورية الوطنية والدولية، وهي أبعد ما تكون عن مسمى محكمة، بسبب تلك الانتهاكات الخطيرة، سواء من حيث تشكيلها أم طرائق التحقيق فيها أم من ناحية إصدار الحكم، أو في حصول المتهم الماثل أمامها على حقوقه الطبيعية في محاكمة عادلة، وحقه في الدفاع والطعن.

بدوره، أوضح المحامي المتخصص بالقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، لموقع "تلفزيون سوريا"، أن النظام القضائي بشكل عام هو أحد أذرع القمع وأدوات استخدمها النظام السوري ضد الثورة السورية، وخاصة محاكم الميدان العسكرية التي كانت لا تحترم أي أصول للمحاكمات وكان النظام يغيب أبسط أنواع الحقوق للماثل أمامها مثل "الحق في الدفاع" وغيرها من الحقوق.

عدا أن بعض المحكمات كانت تستغرق خمس دقائق من دخول الماثل أمام الضباط من قضاة المحكمة وبين إصدار الحكم بحقه، وكانت معظم أحكامها تصدر بالإعدام، بحسب الكيلاني.

وفي عام 2017، كشفت منظمة "العفو الدولية" عن حملة حكومة النظام السوري للإعدام خارج نطاق القضاء، من خلال عمليات الشنق الجماعية التي حصلت في سجن "صيدنايا"، وقبل شنقهم، صدر الحكم بالإعدام على الضحايا في محاكمات "مشينة" في المحكمة الميدانية العسكرية بدمشق، استغرقت ما بين الدقيقة والثلاث دقائق.

 وبين عامي 2011 و2015، تم إعدام ما يصل إلى 13000 شخص شنقاً بشكل سري في صيدنايا، معظمهم من المدنيين، الذين يُعتقد أنهم معارضون للنظام بحسب "العفو الدولية".

وحول إلغاء مسؤولية الضباط عن المحاكمات الميدانية التي تسببت بمقتل آلاف من السوريين، مع إلغاء العمل بتلك المحاكمات، أوضح الكيلاني، أن إلغاء تلك المحاكم المعمول بها، لا يلغي المسؤولية الجنائية للقضاة والضباط القائمين على تلك المحاكم وخاصة أن تلك المحاكمات كانت تنتهك أبسط حقوق الإنسان وتعتبر جريمة ضد الإنسانية وأداة من أدوات القمع.

لماذا الآن؟ 

بخصوص التوقيت، يرى العميد عبد الله الأسعد، أن المرسوم جاء بسبب انتهاء كثير من المعارك وهدوء بعض الجبهات فأصبح الأسد الآن يريد أن يدافع عن نفسه تجاه ما ارتكب به من جرائم، فلذلك بدأ يجمل صورته رويداً رويداً، حيث عين علي محمود عباس، بمنصب وزير للدفاع، والذي لا يستطيع أن يتخذ أي قرار نهائي، بسبب ضعفه ليضعه في الواجهة بعد انتهاء مهام وزير الدفاع السابق، علي أيوب، الذي "أجرم بحق الشعب السوري".

بينما يرى الجوجة أن السبب الحقيقي وراء إبطال العمل بهذه المحاكمات هو سياسي ويرتبط بمفاوضات الدول العربية مع نظام الأسد والتي على أساسها تمت إعادته إلى الجامعة العربية لذلك يحاول رأس النظام السوري أن يوحي بأنه يقوم بالإصلاحات.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في أحدث تقرير لها، أن معظم حوادث الاعتقال في سوريا تجري من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة.

وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرض المعتقل للتعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه، بينما تنفي السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التعسفي ويتحول معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.