وحدة الساحات المحتلة

2024.08.15 | 06:00 دمشق

6155555555555555
+A
حجم الخط
-A

الحرب قادمة، لم يعد بالإمكان الإفلات منها، فما تطلبه الأطراف المتصارعة مقابل وقف الحرب لا يمكن تحقيقه إلا بالحرب، والدبلوماسية المنحازة لا يمكن أن تنجز ما بات في حكم المرفوض بشكل قاطع لأن الاستجابة له تعني في نظر الأطراف كلها هزيمة معلنة، ومعطيات الأرض لم تعد صالحة للاستمرار، وجميع الأطراف تريد تغييرها، إنها المعضلة التي لا تنكسر إلا بالقوة.

الأهداف الرئيسية لنتنياهو

يدير "نتنياهو" اليوم المعركة كما لو أنه اللاعب الأهم في المنطقة، فهو يعطل بمواربة أو بوضوح أي اتفاق يوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في غزة، حتى لو أطلقت حماس سراح كل الرهائن لديها. فما يريده نتنياهو ليس أقل من هزيمة كاملة لحماس تضمن إنهاء سيطرتها على غزة إلى الأبد، رغم أن أصواتاً كثيرة من داخل جيشه ومن داخل الحكومة الإسرائيلية، ومن حلفاء له أبلغته أن النصر الذي يريده على حماس ليس ممكناً.

أيضاً يريد نتنياهو أن تنتهي مشكلة التهديدات التي تتعرض لها المستوطنات الشمالية نهائياً، رغم أنه يدرك أن هذا هدف يصعب تحقيقه ما لم يتم تحطيم القدرات العسكرية لحزب الله، أو أن يتراجع الوجود العسكري لحزب الله إلى شمالي نهر الليطاني، وأن تتراجع كل أشكال الوجود العسكري سواء لإيران أو الميليشيات التي تتبع لها، والجيش السوري إلى مسافة تزيد عن خمسين كيلومتراً عن الجولان السوري المحتل.

الهدف الثالث لنتنياهو هو منع إيران من امتلاك السلاح النووي، وقد أعلن ذلك مراراً، وتعهد بأن يذهب إلى تدمير مفاعلات إيران النووية بمفرده فيما لو تطلب الأمر، وسخر مراراً من الدبلوماسية الأوروبية والأميركية التي تريد إنهاء ملف إيران النووي عبر الدبلوماسية.

الهدف الرابع لنتنياهو هو تأجيل مصيره السياسي والشخصي، والذي قد يفضي به إلى السجن فيما لو هدأت هذه الحرب.

حزب الله يدرك منهجية إيران جيداً. هو يعرف أن ثمن رأسه غالٍ بالنسبة للإيرانيين، لكن غلاء الثمن لا يعني امتناع المساومة عليه، أو لا يعني إصرار إيران على تجنيبه معركة مدمرة قد تدفعه إليها وحيداً من دون أن تسانده فيها.

في الطرف المقابل، توجد ساحات عدة تتقاطع هذه الساحات كلها بأنها أذرع لإيران وتتبع لها، ورغم أن درجة تحكم إيران بهذه الساحات قد تكون متفاوتة، إلا أن إيران تمتلك قرار الحرب فيها جميعاً، وبالتالي فهي تحاول أن تخوض معركتها عبر الآخرين، وفوق أرض خارج حدودها، ولمصالح خاصة بها وحدها.

يبدو أن حزب الله يدرك منهجية إيران جيداً. هو يعرف أن ثمن رأسه غالٍ بالنسبة للإيرانيين، لكن غلاء الثمن لا يعني امتناع المساومة عليه، أو لا يعني إصرار إيران على تجنيبه معركة مدمرة قد تدفعه إليها وحيداً من دون أن تسانده فيها. ولم يخفِ الأمين العام للحزب "حسن نصر الله" ذلك حين حاول في خطاب له مؤخراً أن يبرر لإيران عدم مشاركتها له في الحرب فيما لو اندلعت.

"غاضبون لكننا عقلاء" هكذا شرح "حسن نصر الله" سياسته الراهنة، لا بل ذهب لأبعد من ذلك في محاولته تجنب الحرب حين أوضح كيف يفكر حزب الله في الرد على اغتيال إسرائيل للقائد العسكري الأهم "فؤاد شكر" بأن الحزب سيرد بالتأكيد لكن في زمان ومكان وطريقة غير محددة، وبالتالي يمكنه وفق هذه الصيغة أن يترك الباب موارباً، فلا هو يريد تجاهل دم "شكر" ولا هو يريد الحرب.

لكن المشكلة ليست في حزب الله بل في نتنياهو الذي يريد أن تشتعل الحرب، وهو لا يكف عن خلق مفجراتها، فيواصل حربه التي فاقت في وحشيتها حروب النازيين على سكان غزة، ويواصل اغتيال قادة عسكريين وسياسيين دون أي اعتبار للقانون الدولي أو لسيادة أي دولة. وهو يعرف جيداً كيف يرغم حلفاءه على الدفاع عن جنونه وهمجيته حتى لو لم يكونوا على اتفاق تام معه، وهو أيضاً لن ينتظر طويلاً كي ترد إيران أو حزب الله، وأعلن أنه قد يستبق ردهما بحرب يبدأها هو.

بناءً على ما تقدم، يبدو أنه لا مفر من الحرب، ويبدو أن سياسة "نتنياهو" بتجزئة معركته ساحة بعد ساحة هي المعتمدة من قبله، والتي يراها الأفضل. لكن إن استطاع فعل ذلك في حربه على غزة وحماس، فقد لا يضمن أن تنجح في ساحته القادمة. وكل الجهود الدبلوماسية المكثفة اليوم وكل التحشيد العسكري الذي يتوافد إلى منطقة الشرق الأوسط يصب في اتجاه وحيد هو منع إيران من مساندة حزب الله فيما لو اضطر إلى معركة مفتوحة مع إسرائيل.

ووحدة الساحات التي تتشدق بها إيران كان يمكن القبول بتسميتها "وحدة" فيما لو كانت هذه الساحات تملك قرارها.

إذا اندلعت حرب بين إسرائيل وإيران فإن الساحات كلها ستشتعل، لأن الساحات الأخرى لا تملك قرار الحرب فيها، وقرار حربها هو بيد الإيرانيين، لكن العكس ليس صحيحاً بالضرورة، أي أن اشتعال الحرب بين إسرائيل وذراع من أذرع إيران لا يعني بالضرورة انخراط إيران فيها، فهي لا ترى في الساحات التي تحتلها إلا أدوات لها في حرب نفوذها في المنطقة. والسؤال الذي يقفز إلى الواجهة الآن هو: هل تقبل إيران بالوقوف متفرجة على معركة مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل؟

أميل للقول بالإيجاب، نعم تقبل إيران أن تساوم على رأس حزب الله وعلى رأس بشار الأسد ورؤوس كل من يتبع لها في اليمن والعراق، مقابل مشاركتها في تقاسم النفوذ في المنطقة. ووحدة الساحات التي تتشدق بها إيران كان يمكن القبول بتسميتها "وحدة" فيما لو كانت هذه الساحات تملك قرارها، وهي التي اختارت وحدتها مع ساحات أخرى، أما وأنها ليست أكثر من ساحات تتبع لإيران فهي "وحدة" ساحات محتلة، يحدد المحتل الإيراني دورها ومتى تنخرط بالحرب ومدى انخراطها.

في كل ما ذكر سابقاً كان ورود اسم إيران يعني حصراً "الحرس الثوري الإيراني" الذي يقوده "الولي الفقيه"، فالشعوب ومن هم في واجهة حكمها في خمس دول هي "إيران"، و"العراق"، و"سوريا"، و"لبنان"، و"اليمن" ليست في نظر الولي الفقيه وحرسه الثوري إلا أدوات في معركتهم "المقدسة".

عندما اغتيل القائد السياسي لحماس "إسماعيل هنية" عشية تنصيب الرئيس الإيراني الجديد "مسعود بزشكيان" في مقر يخضع لحماية الحرس الثوري الإيراني، سارع المرشد "علي خامنئي" إلى مساعدة الرئيس الجديد - الذي يتبع له - على التخلي عن كل الوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية حول الحوار مع أوروبا وأميركا وإنهاء العقوبات على بلاده، فصرّح: "إن من واجب إيران الانتقام لحادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المريرة والصعبة".

ببساطة شديدة يزج الولي الفقيه وخلفه حرسه الثوري، تساندهم وحشية وغطرسة نتنياهو، وتتواطأ معهم دول كبرى، في المنطقة كلها في حرب مجنونة مدمرة لن يدفع ثمنها إلا شعوب منكوبة ومستباحة.