بعد تشويق استخدمت فيه تقنيات هوليودية لإنتاج فيديوهات قصيرة تشويقة (برومو) لخطاب حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله، خرج الخطاب بلغة فاجأت كثيرين ممن كانوا يظنون أن ميليشيا حزب الله ستدخل المعركة وتفتح جبهة في شمالي فلسطين المحتلة للتخفيف عن الفصائل الفلسطينية التي تقاتل في غزة، ولإشغال العدو بجبهة جديدة، فاجأ كلام زعيم ميليشيا حزب الله البعض لأنهم متوهمون بأن ما يسمى بمحور المقاومة تعنيه حقاً قضية تحرر فلسطين من الاحتلال.
جاءت كلمة نصر الله تجاه إسرائيل ناعمة ولينة وتحدث كأنه ناشط إعلامي حين بدأ بسرد ما يحدث في غزة منذ 7 تشرين الأول وحتى اليوم، ثم أسهب في شرح أنهم مشاركون بالعمليات منذ 8 تشرين الثاني، أي بعد يوم على بدء المواجهات التي بدأتها الفصائل الفلسطينية، في كلامه أراد زعيم ميليشيا حزب الله إرسال رسالتين واحدة لقادة حماس والثانية للولايات المتحدة الأميركية؛ رسالته لحماس أنتم من قررتم خوض المعركة وأنتم من بدأها دون تنسيق معنا ويجب عليكم خوضها وحدكم أي أن تتحملوا تبعات قراركم هذا وتبعات عدم التنسيق معنا، لأنه تحدث بوضوح عن أن هذه المعركة فلسطينية خالصة في تنصل مباشر من أي مسؤوليات له ولإيران عن تداعيات ما يحدث في فلسطين المحتلة، ورسالته لأميركا تقول نحن ملتزمون بقواعد الاشتباك التي وضعتموها منذ بداية المعركة الحالية، وطالما أن إسرائيل ملتزمة بقواعد الاشتباك هذه فنحن ملتزمون بها حرفياً.
أي متتبع للتصريحات الإيرانية منذ بدء المواجهات في فلسطين يرى بوضوح أن إيران لا تريد الانخراط بشكل مباشر أو حتى غير مباشر عبر ميليشياتها في هذا الصراع لأسباب عديدة، أهمها هو الحفاظ على مكاسبها التي حصلت عليها في السنوات العشر الأخيرة والمتمثلة بوجود أذرع عسكرية لها في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والتي استطاعت من خلال هذه الأذرع أن تقدم نفسها كلاعب إقليمي قوي يستطيع أن يفاوض الأميركان وبيديه كل هذه الأوراق الرابحة، والسبب الآخر هو أنها لا تريد التشويش على المفاوضات المستمرة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية والتي يسعى الطرفان من خلالها إلي إعادة إحياء الاتفاق النووي أو إبرام اتفاق نووي جديد، لأن هذا الاتفاق حاجة إيرانية بقدر ما هو حاجة لبايدن وفريقه الرئاسي، إيران تريد حصد مكاسب اقتصادية من خلال هذا الاتفاق وأيضا اعتراف رسمي أميركي بنفوذها ومناطق توسعها الجديدة، وبايدن يستعجل هذا الاتفاق لأجل تحقيق مكاسب انتخابية تعينه على خوض سباقه القادم نحو البيت الأبيض، والطرفان يدركان جيداً أن قدوم الجمهوريين لحكم البيت الأبيض يعني أن كل هذه المساعي لعقد اتفاق نووي جديد ستذهب أدراج الرياح.
حزب الله منذ نشأته قالها بكل وضوح قبل سنوات بأنه ميليشيا إيرانية وأن كل ما قام به وسيقوم به لاحقاً لن يكون سوى لخدمة مشروع إيران في المنطقة
هناك كثر من غير المعجبين بميليشيا حزب الله كانوا يريدون أيضاً أن تفتح جبهة جنوبي لبنان لأجل أن يخف الضغط على الفصائل الفلسطينية في غزة، لكن يجب أن نرى الأمور من عدة زوايا حتى تكون الصورة واضحة وجلية بعيداً عن الأمنيات والتحليل الرغبوي العاطفي، حزب الله منذ نشأته قالها بكل وضوح قبل سنوات بأنه ميليشيا إيرانية وأن كل ما قام به وسيقوم به لاحقاً لن يكون سوى لخدمة مشروع إيران في المنطقة، وأفعال هذه الميليشيا تؤكد ذلك فإرهاب الحزب لم يبدأ فقط عندما ساند نظام الأسد بقمع الشعب السوري وارتكب مذابح كثيرة في عموم سوريا، ولا عندما شارك الحوثي في العدوان على المملكة العربية السعودية، إرهاب هذه الميليشيا بدأ قبل سنوات وهناك أمثلة كثيرة مثل محاولة اغتيال أمير الكويت عام 1985 وحين اغتال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري 2005، وأيضا حين أرهب المجتمع اللبناني في 7 أيار 2008، والحزب يجيد ترديد اللغة الإيرانية والتي تريد محو إسرائيل من الخريطة والقضاء عليها لأن هذه اللغة هي جزء أساسي من الخطاب السياسي الإيراني، رغم أن إيران لم تدخل في مواجهة مع إسرائيل ولا مرة واحدة منذ نشأة هذا الكيان. إيران لديها مشروعها التوسعي القائم على أساس طائفي وتنفذه عبر شبكة ميليشيات متوزعة في عدة دول وهي لن تغامر بهذا المشروع من أجل حماس أو لغيرها من الفصائل، فحماس لا تعني لإيران مثلما يعنيه الحوثي وحزب الله لأنها تتحالف مع الفصائل الفلسطينية لمصلحة مشروعها هي وليس لمصلحة الفلسطينيين، وهذا ما يجب على الجميع إدراكه والتعامل على أساسه.
يجب على الفصائل الفلسطينية وكل القوى السياسية في فلسطين أن تعي أن ما يسمى وحدة الساحات انتهت في لحظة حقيقة كاشفة، وهي منذ إطلاقها كان هدفها وحدة الساحات لخدمة المشروع الإيراني وحده
فلسطين تتعرض الآن لحرب إبادة يمكن أن ينتج عنها نكبة ثانية بعد نكبة 1948 وإسرائيل ترتكب مذابح يومية بحق المدنيين وتدك البيوت فوق ساكنيها، وإذا لم يتم تطبيق شعار وحدة الساحات بشكل عملي في مثل هذه اللحظة متى إذاً؟ وحدة الساحات كذبة اخترعها الإيرانيون لأجل المتاجرة في قضية فلسطين، إيران بعد بسط نفوذها في دمشق وحلب وبغداد والموصل وبيروت وصنعاء تسعى للسيطرة على عاصمة عربية جديدة قد تكون الرياض أو عمان، ولا يعنيها كل ما يحدث في غزة اليوم، أهل فلسطين تركوا وحيدين في مواجهة الاحتلال وداعميه وهم معذورون إن كانوا يعولون على أي جهة تريد مساعدتهم والوقوف بجانبهم لكن الخذلان هو عنوان المرحلة، لأن الجميع خذل غزة وخصوصا الأنظمة العربية. ويجب على الفصائل الفلسطينية وكل القوى السياسية في فلسطين أن تعي أن ما يسمى وحدة الساحات انتهت في لحظة حقيقة كاشفة، وهي منذ إطلاقها كان هدفها وحدة الساحات لخدمة المشروع الإيراني وحده، فحين يخرج زعيم ميليشيا حزب الله بعد أربع أسابيع ليتحدث كأي موظف في الخارجية الإيرانية ويقول باختصار: لن نهاجِم إذا لم نهاجَم. هذا يعني أن الغزل الأميركي الإيراني مستمر وأن الطرفين يسعون لتحقيق مكاسب من هذا العدوان، وأن لا أحد يكترث لأصوات المكلومين المفجوعين في فلسطين. ونحن لا نملك أن نقول لأهل فلسطين سوى ما قاله محمود دوريش: كسروكَ، كم كسروكَ كي يقفوا على ساقيك عرشا، وتقاسموك وأنكروك وخبَّأوك وأنشأوا ليديكَ جيشا، حطُّوك في حجرٍ... وقالوا: لا تُسَلِّمْ، ورموك في بئرٍ.. وقالوا: لا تُسَلِّمْ، هم يسروقون الآن جلدكْ، فاحذرْ ملامحهم.. وغمدَكْ.