خلال شهر آب الماضي، نشر أحد السوريين صورة له على فيسبوك ظهر فيها واقفاً بطريقة فيها شيء من الإحراج من دون أن يرسم على وجهه أي ابتسامة، أمام برج إيفل بباريس، غير أن أهله وأصدقاءه لم يستغربوا عند مشاهدتهم لصورته، كما حدث لعدد من الصحفيين والناشطين في المعارضة السورية، نظراً لقرب هذا الشخص واسمه العاروب من النظام السوري المستبد الذي يرأسه بشار الأسد، ذلك الديكتاتور المتهم بارتكاب جرائم حرب كثيرة، بينها هجمات بالأسلحة الكيماوية ضد شعبه خلال الحرب السورية التي امتدت لثلاثة عشر عاماً.
من المعروف أن العاروب أحد كبار الشخصيات فيما يعرف باسم كتائب البعث وهي ميليشيا تابعة لنظام الأسد، وقبل ذلك كان يرأس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، المرتبط بنظام الأسد أيضاً.
كما يرأس هذا الشخص اللجنة الأولمبية السورية، وقد زار العاصمة الفرنسية لحضور اجتماع يتصل بموضوع الأولمبياد في صيف عام 2023 عندما التقطت له تلك الصورة التذكارية.
قمع عنيف مورس بموجب أوامر
لفت العاروب انتباه الاتحاد السوري البريطاني الناشط في لندن وذلك عندما فتح تحقيقاً منذ فترة قريبة بأمر ارتكاب الاتحاد الوطني لطلبة سوريا جرائم حرب أثناء المظاهرات المناهضة للنظام التي قامت خلال الفترة بين 2011-2013.
وهذا التحقيق الذي استمر لمدة سنة، ونشر في منتصف شهر حزيران أكد وجود نمط لقمع ممنهج مورس بحق طلاب الجامعات، وشمل الاعتقالات والتعذيب في الحرم الجامعي، بحسب ما كتبته ياسمين نحلاوي التي رأست مجموعة التحقيق التابعة للاتحاد الوطني البريطاني، وأضافت قائلة: "ما نعرفه هو أن العاروب جند طلاباً آخرين للإبلاغ عن المتظاهرين وحتى يشاركوا في القمع العنيف للمظاهرات، ونعرف بأنه أمدهم بأسلحة شملت عصياً وثمة تقارير تفيد بأنه وزع عليهم أسلحة نارية أيضاً، ولدينا شهادة تفيد بأنه أعطى أوامر باستخدام أقصى عنف مطلوب، باستثناء القتل، كما وجه الناس لإلقاء الطلاب المعارضين للنظام من نوافذ السكن الجامعي وأمر الطلاب التابعين له بضرب الرجال على أعضائهم التناسلية بشدة بحيث يتسبب ذلك بإصابتهم بالعقم".
ما يقلق النحلاوي اليوم هي وزملاؤها قدرة العاروب على العودة إلى أوروبا لحضور أولمبياد باريس الذي سينطلق في أواخر شهر تموز، أو أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة الذي سيقام في باريس في أواخر شهر آب.
وبمساعدة منظمة مناصرة موجودة في لندن، أطلق هؤلاء حملة سوريا التي قدموا من خلالها عريضة طالبوا فيها المنظمين بحرمان العاروب من حضور أولمبياد باريس.
سبق للعاروب أن حضر دورات للألعاب الأولمبية من قبل، إذ كان موجوداً في أولمبياد طوكيو عام 2020، نظراً لعدم صدور أوامر توقيف بحقه أو ورود اسمه ضمن قوائم العقوبات كما حدث لغيره من المتنفذين في سوريا.
من المسؤول؟
يرجح دخول ثلاثة أشخاص تحت راية سوريا في سباقات أولمبياد باريس، على الرغم من عدم وجود أية أخبار حول عدد الأشخاص الذين سيشاركون في أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة بما أن المسابقات ما تزال جارية حتى الآن.
بيد أن الناشطين في أوروبا ليست لديهم مشكلة مع الفريق السوري كما أكدت النحلاوي، بل إن مشكلتهم مع طريقة استغلال النظام للرياضيين حتى يلمع صورته.
غير أن اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية واللجنة الدولية للألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة لا تعتقدان بأن هذه المشكلة تقع ضمن حدود مسؤولياتهما، إذ أعلنت اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة في تصريح لها بأنه: "بالنسبة إلى تلك المزاعم، هنالك منظمات أخرى كثيرة منها المحكمة الجنائية الدولية التي من شأنها فتح تحقيق في صحة هذا الأمر من عدمه".
كما صرح ناطق رسمي آخر من باريس عام 2024 بأنه لدواع أمنية وخاصة لن يتمكنوا من الإدلاء بتفاصيل حول امتلاك العاروب لبطاقة تعريفية خاصة بالألعاب الأولمبية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وأضاف بأن السلطات الحكومية المعنية ينبغي أن توافق على جميع الطلبات المقدمة.
وذكر مصدر دبلوماسي من الحكومة الفرنسية بأنه تجري حالياً معالجة الطلبات الخاصة بالمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، وبأنها سوف تخضع لتدقيق أمني إداري بحكم العادة، وذكر المصدر بأن العاروب لن يتمتع بأي حصانة دبلوماسية فقط لأن له دوراً في الألعاب الأولمبية.
ولكن من الصعوبة بمكان إلقاء القبض على العاروب في باريس، على الرغم من وجود بعض الخيارات القانونية، إذ بوسع فرنسا إلقاء القبض على أفراد مارسوا التعذيب خارج حدودها، ولكن ثمة قيود على طريقة تطبيق هذا القانون.
خلق حالة توازن بين الرياضة والسياسة
يرى آدم شارف وهو أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة كوبنهاغن وباحث بشؤون المستبدين واستغلالهم للرياضة لتحقيق أهدافهم، بأن هذا النوع من الاحتجاج والرفض الواضح الذي أبداه منظمو الأولمبياد للتدخل فيه ليس بمستغرب، ويقول: "تعتبر التوترات السياسية التي تحيط بأكبر البطولات الرياضية القاعدة لا الاستثناء".
ثمة قائمة طويلة لمن منعوا من حضور دورات سابقة للألعاب الأولمبية وعلى رأسها ألمانيا واليابان عقب الحرب العالمية الثانية، وجنوب أفريقيا التي بقيت ممنوعة طوال عقدين من حضور دورة الألعاب الأولمبية بسبب سياسة الفصل العنصري، وأفغانستان بسبب التمييز الذي مارسته طالبان ضد النساء، ومؤخراً، أصبح لا يجوز للرياضيين من روسيا وبيلاروسيا حضور تلك الدورات الأولمبية إلا كرياضيين محايدين على المستوى الدولي، وثمة دعوات تطالب بعدم دعوة إسرائيل بسبب ما تمارسه في غزة والضفة الغربية.
يعلق شارف على ذلك بقوله: "لطالما تعرضت الرياضة للتسييس، ولكن ذلك يعتبر ورطة بالنسبة للجنة الدولية للألعاب الأولمبية، فمن جهة أولى، يتصل الأمر بأخذ الميثاق الأولمبي وبيانات السلام والتفاهم الدولي وحقوق الإنسان على محمل الجد، ومن جهة أخرى، لا يجوز على المرء أن يتعاون مع الديكتاتوريات القمعية ومن يمثلها".
وفيما يتعلق بالحالة السورية، يرى شارف بأن هنالك مشكلة أخرى، ويقول: "تبدو الاتهامات الموجهة للعاروب تتصل هي وأمور أخرى بتورطه في كتائب البعث"، ولكن كما هي الحال مع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، لا ترتبط هاتان الجهتان رسمياً بنظام الأسد، ويتابع شارف قائلاً: "نعرف بأن تلك الجماعات تستغلها الحكومات بشكل استراتيجي لتبعد نفسها فيما بعد عن العنف الذي أصدرت أوامر بممارسته، أي إن الأمر يتعلق بحالة إنكار معقولة ومنطقية، ثم إن الصلة الواهية تصعب كما هو واضح عملية تحديد هوية الأشخاص المرتبطين بتلك الجماعة وفرض عقوبات عليهم، كما يتيح ذلك لمنظمات مثل اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية أن تدعي الجهل بالموضوع".
وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، أنكرت اللجنة السورية للألعاب الأولمبية المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة المزاعم الموجهة ضد العاروب، وجاء في الرسالة بأن هنالك سبباً سياسياً حرّض على ظهور تلك الادعاءات، من دون أن يأتي القائمون على تلك اللجنة على ذكر إن كان هذا الرجل سيسافر إلى باريس مرة أخرى أم لا.
وفي حال منع عمل الناشطين والتغطية الإعلامية العاروب من السفر إلى باريس، فسيكون ذلك انتصاراً برأي النحلاوي التي تقول: "إن الرسالة الأكبر هي أنه لا مكان لمجرمي الحرب في الألعاب الأولمبية، لأنك عندما تقدم لهم منصة كهذه، فإن ذلك ليس إلا رسالة مرعبة موجهة لجميع الضحايا وأهاليهم ممن يسعون لتحقيق العدالة".
المصدر: DW