هل يقود ترمب العالم إلى مواجهة كبرى؟

2024.11.09 | 06:37 دمشق

254524
+A
حجم الخط
-A

في كتابه "الغرفة التي شهدت الأحداث: مذكرات من البيت الأبيض"، يكشف "جون بولتون" عن بعض كواليس الفترة التي أمضاها كمستشار للأمن القومي خلال إدارة ترمب السابقة. قد يأخذ بعضهم على "بولتون" أنه لم يكن ليكتب ما كتبه لو أنه بقي في منصبه، مما يجعل الشهادة التي قدمها محل جدل، وربما تكون متحاملة أو غير موضوعية.

ومهما كانت مصداقية الكتاب موضع شك، فمن غير المنطقي أن يتلاعب رجل دولة في بلد ديمقراطي بوقائع يمكن بسهولة إثبات تلاعبه بها، وربما محاكمته.

خاصةً وأن "بولتون" لا يزال يعمل في مراكز أبحاث مهمة مثل "معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة"، وفي مؤسسات وجهات متعددة أخرى.

ما يهمني من كتاب "بولتون" في هذا المقال هو السمات العامة لشخصية "ترمب"، وكيف يمكن أن تؤثر هذه السمات في صناعة القرار الأميركي تجاه مجمل القضايا العالمية. سيما وأن هناك صراعاً عالمياً متأججاً في مناطق كثيرة، بالإضافة إلى التطورات النوعية التي طرأت خلال السنوات الأربع الماضية بين فترتيه الرئاسيتين، خاصةً الحربين المشتعلتين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

بالتأكيد، هناك استراتيجيات كبرى للولايات المتحدة لا يتأثر جوهرها بمن يصل إلى البيت الأبيض، إذ توضع هذه الاستراتيجيات ويُخطط لها لفترات طويلة من قبل جهات تشكل ما يُعرف بـ "الدولة العميقة". لكن هذا لا ينفي الدور المهم جداً لصلاحيات الرئيس الأميركي، التي تمنحه مجالاً واسعاً قد يكون مؤثراً للغاية في السياسة الخارجية، خاصةً في مناطق الصراع المشتعلة التي تمثل منطقتنا في الشرق الأوسط جزءاً بالغ الأهمية منها.

من أهم الصفات التي يبرزها "بولتون" في شخصية "ترمب"، والتي يمكن استنتاجها من الوقائع المذكورة، هي الارتجال والتسرع في اتخاذ القرارات، وغطرسته الشديدة عند التعامل مع الآخرين في لحظات تتطلب التشاور والمشاركة في صنع القرار.

أظهر ترمب غطرسة واضحة وارتجالاً في اتخاذ قرارات بالغة الأهمية، وأجمع مستشاروه على أنها قد تتسبب في مضاعفات خطيرة، مثل طرده لملايين اللاجئين من أميركا، وانسحاب القوات الأميركية من سوريا، وطبيعة علاقاته مع روسيا.

يشير "بولتون" إلى أن موظفي البيت الأبيض علموا ببعض قرارات ترمب من خلال منصة "إكس" (تويتر سابقاً). يضاف إلى ذلك عدم احترامه للبروتوكولات المتعارف عليها، سواء مع العاملين داخل إدارته أو مع شخصيات دولية. لم يحترم ترمب العلاقة العميقة التي تربط أميركا بالدول الأوروبية الحليفة، ولا حلفاء أميركا في منطقة الخليج في عدة مواقف وتصريحات.

كما أظهر ترمب غطرسة واضحة وارتجالاً في اتخاذ قرارات بالغة الأهمية، وأجمع مستشاروه على أنها قد تتسبب في مضاعفات خطيرة، مثل طرده لملايين اللاجئين من أميركا، وانسحاب القوات الأميركية من سوريا، وطبيعة علاقاته مع روسيا، واجتماعه مع رئيس كوريا الشمالية. حتى أنه أصدر قراراً غير منفذ بانسحاب أميركا من حلف الناتو، ما دفع الحزبين الرئيسيين في أميركا (الديمقراطي والجمهوري) إلى إقرار مشروع يمنع أي رئيس أميركي من سحب الولايات المتحدة من الحلف من دون موافقة الكونغرس.

يجب أن نتذكر نحن السوريين أن ترمب هو من وقع اعتراف الولايات المتحدة باعتبار الجولان السوري أرضاً إسرائيلية، وأنه من اعترف بـ"القدس" عاصمة لإسرائيل. أما نتنياهو، فقد أطال زمن الحرب في غزة، ومنع التوصل لأي اتفاق مع "حماس" (رغم الضغوط التي مارسها "بايدن" لوقف إطلاق نار مؤقت في غزة من أجل تعزيز حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية)، منتظراً نتائج الانتخابات وفوز ترمب الذي يؤيده بلا حدود في حربه المجنونة.

تصريحات ترمب خلال حملته الانتخابية تمثل أساساً لكارثة عالمية إذا نُفذت، فهذه الشخصية الفوضوية ذات السمات الاستبدادية ستتسبب قراراتها بتداعيات شديدة داخل أميركا وخارجها. من المرجح أن يسعى ترمب إلى الانتقام من خصومه السياسيين في الداخل، وقد يفكر بترحيل كل من "يعادي السامية" حسب رأيه أو يساند الفلسطينيين، كما قد يغلق الحدود الأميركية من جديد، ويعيد تطبيق حظر السفر على جنسيات عديدة، وربما يستثمر تفاعلات فضيحة "إيبستين" الجنسية في معركة سياسية داخلية تطول رؤساء واقتصاديين ودبلوماسيين وردت أسماؤهم في التحقيقات.

ترمب يتشارك مع "نتنياهو" في أن إسرائيل يجب أن تكون من البحر إلى النهر.

الأهم بالنسبة لنا هو رؤية ترمب لمنطقة الشرق الأوسط، فقد عبر عنها خلال حملته الانتخابية بقوله: "إن الوعد الذي أقطعه للأميركيين اليهود هو أنني سأكون مدافعاً عنكم، وحامياً لكم، وسوف أكون أفضل صديق ستحظون به في البيت الأبيض. يجب علينا إنقاذ إسرائيل، وأعتقد أن إسرائيل ستُمحى عن وجه الأرض إذا لم أفز في الانتخابات".

بالتأكيد، ستكون الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، بعد فوز ترمب، أكثر حرية في حربها الدائرة الآن. وإذا كان هناك من لا يزال يرى حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، فإن ترمب يتشارك مع "نتنياهو" في أن إسرائيل يجب أن تكون من البحر إلى النهر. ولن يتردد ترمب في دعمه حول تغيير الخارطة السياسية للمنطقة وفقاً لما يريده نتنياهو، وهذا سيضع دول المنطقة كلها أمام احتمالات بالغة الصعوبة، قد يكون أبرزها حربا واسعة لن تكون فقط بين إسرائيل وإيران، بل قد تتوسع وتنشب حروب أخرى تطول المنطقة بأسرها.

سوريا هي واحدة من الساحات التي ستشتعل في المواجهة العسكرية إذا حدثت، ولن تكون أي من مناطقها خارج هذه المعركة. فتركيا لها أيضاً حساباتها الخاصة ومعاركها التي ترغب في تصفيتها على الأرض السورية، كما أن روسيا، التي تنسق جيداً مع إسرائيل، لن تبقى صامتة؛ فهي ترى إنهاء الحرب في أوكرانيا أولويتها القصوى، خاصةً في ضوء وعود ترمب بهذا الصدد.

قد تكون من المصادفات النادرة في التاريخ أن يوجد في فترة واحدة ثلاثة زعماء يملكون مقدرات عسكرية هائلة، ومن ضمنها السلاح النووي، ولديهم من النرجسية وجنون العظمة ما يكفي ليدفع العالم إلى حافة انفجار كبير. فهل يشعل ترمب ونتنياهو وبوتين مواجهة واسعة تدفع الجميع إلى قلب الهاوية؟