هل يخرج الأسد من محور المقاومة؟

2024.08.15 | 06:01 دمشق

544444
+A
حجم الخط
-A

من بين ما كشفت عنه الحرب في غزة المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، هو وجود ثغرة كبيرة في "محور المقاومة" تتمثل في النظام السوري تحت قيادة بشار الأسد، الذي اختار النأي بنفسه عن توجهات "المحور" إزاء هذه الحرب، سعياً لتجنب أية انعكاسات سلبية على نظام حكمه. وهذا ما يثير، في نظر العديد من المراقبين، "أزمة صامتة" داخل المحور، لا أحد يعرف متى قد تخرج إلى العلن.

لقد حرص أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطابه الأخير على رفع اللوم عن نظام الأسد، مبرراً موقفه المتراخي إزاء تطورات المنطقة بأن سوريا ما زالت في حالة حرب، وأن جيشها ينتشر على جبهات كثيرة، وأنه ليس مطلوباً منها المشاركة في الحرب ضد إسرائيل، بل مجرد تقديم الدعم السياسي.

وطبعاً، من الصعب القول بأن نصر الله يقول هذا الكلام عن اقتناع، خاصة أن نفي كلامه جاء عبر موقف النظام من الخطاب نفسه، حيث امتنعت وسائل إعلامه، وللمرة الثانية على التوالي، وخلافاً لكل الخطابات السابقة، عن بث خطاب نصر الله. وتم التطرق إليه لاحقاً باقتضاب في المواقع الإعلامية المقربة من النظام. فيما اعتبره بعض الإعلاميين المحسوبين على النظام، والمشبعين بفكرة المقاومة، بأنه "اختراق" إعلامي، محملين وزير الإعلام بطرس حلاق المسؤولية.

لا شك أن نظام الأسد يعاني في هذه الفترة، وربما منذ بداية الحرب على غزة، من الإحراج. ليس فقط لعدم انخراطه في محور المقاومة ضمن ما يسمى "وحدة الساحات".

في محاولة معتادة في مثل هذه الحالات، لفصل موقف رأس النظام الذي يساند المقاومة بقوة، بحسب وجهة نظرهم، عن بعض الموظفين المخترقين أو المهملين لواجباتهم.

لا شك أن نظام الأسد يعاني في هذه الفترة، وربما منذ بداية الحرب على غزة، من الإحراج. ليس فقط لعدم انخراطه في محور المقاومة ضمن ما يسمى "وحدة الساحات"، بل لتقاعسه حتى عن رد العدوان عليه برغم نأيه بنفسه عما يجري، وامتناعه المستمر عن الرد إزاء عشرات عمليات القصف الإسرائيلية داخل الأراضي السورية خلال الشهور الماضية.

ويتضح من خلال تسريبات إعلامية عديدة أن النظام تلقى منذ الأيام الأولى للحرب نصائح عربية، ومن ثم روسية، بعدم الانخراط مع المحور الإيراني حفاظاً على سلامته، لأن الرد الإسرائيلي لن يكون على أهداف إيرانية في سوريا كما جرت العادة، بل سيطول النظام نفسه إذا بادر إلى إسناد هذا المحور، أو سمح باستخدام الأراضي السورية كمنطلق لعملياته ضد إسرائيل.

وتضع التطورات الأخيرة، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، واغتيال القيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر، والوعيد بالرد من جانب إيران وحزب الله، النظام في دمشق مرة أخرى على المحك، لأن الرد والرد المقابل قد يهددان باندلاع حرب إقليمية، سيكون من الصعب عليه معها أن يحافظ على موقف النأي بالنفس الذي التزم به حتى الآن. وهو ما سوف يفتح الباب لاختبار قدرة النظام على صد الضغوط عليه من جانب إيران وحزب الله، وهما اللذان تدخلا بقوة في السنوات الماضية لمنع سقوط النظام أمام المعارضة السورية. فهل يتركهما يقاتلان إسرائيل وحدهما، ويقف منتظراً الحصول على مكافأة من أميركا وإسرائيل على موقفه هذا؟

بات النظام الحلقة الأضعف في المحور، حيث لا تستطيع إسرائيل خوض حرب مفتوحة مع إيران الدولة البعيدة عنها وذات الإمكانيات الكبيرة.

لا شك أن هذا اختبار حاسم أمام النظام، وقد يضطر في مرحلة ما، إذا توسعت المواجهة وطال أمدها، إلى الانخراط فيها ولو بالحد الأدنى. وقد لا يكون ذلك اختياراً، بل فرضاً عليه من جانب إيران وحزب الله، ولكن ليس إلى الحد الذي يعرض سلامة النظام للخطر. فقد بات النظام الحلقة الأضعف في المحور، حيث لا تستطيع إسرائيل خوض حرب مفتوحة مع إيران الدولة البعيدة عنها وذات الإمكانيات الكبيرة، ولا حتى مع حزب الله الذي قتاله عبارة عن حرب عصابات، وليس مسؤولاً عن دولة أو لديه نظام سياسي يخشى سقوطه، ويستطيع بالمقابل إلحاق الأذى بإسرائيل إذا تمادت في استهدافه أو استهداف لبنان. خلافاً للنظام في دمشق، الذي استنزف قوته خلال السنوات الماضية في قتال المعارضة والشعب السوري، وبات هاجسه الأوحد هو البقاء في السلطة بأي ثمن.

وتقود هذه التطورات إلى بروز احتمال أن تلجأ إيران إلى التعامل مباشرة مع بعض القطعات أو القادة الموالين لها في جيش النظام، وتجاهل تلك الموالية لروسيا، في حال اضطرت في وقت ما إلى استخدام الأراضي السورية في سياق المواجهة مع إسرائيل. وقد تحدثت وسائل إعلام في الأيام الأخيرة عن زيارة قام بها رئيس أركان جيش النظام سراً لإيران، دون علم الأسد، بهدف التنسيق في هذا الإطار، وهو ما يعني إمكانية أن تحمل الفترة المقبلة المزيد من التشظي الداخلي في مؤسسات النظام، خاصة العسكرية، بين إيران وروسيا.

ومقابل تراجع مكانة النظام في هذا الحلف، برز دور الحوثيين في اليمن كعضو ناشط، لكن اليمن بعيد عن ساحة المواجهة، وقد يكون له أدوار أخرى لاحقة في الضغط على خصوم إيران العرب، خاصة السعودية، ومنعهم من الانخراط في أية أحلاف إقليمية مطروحة منذ بعض الوقت ضد إيران.