بعد عمل دؤوب للحزب الجمهوري الأميركي، ودعم كبير وواسع من قطاعات مهمة في مفاصل الاقتصاد والمال والأعمال واللوبيات في الولايات المتحدة الأميركية، تمكّن (دونالد ترمب) الرئيس الأميركي السابق من العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، محملًا بكثير من المشكلات والإشكاليات، والعديد من المشاريع المهمة ضمن مسارات الاستراتيجيات الأميركية في الداخل والخارج، وكان الهم الأساسي الاشتغال على الداخل.
وهو في ذلك قد أعاد الأمل لدى كثير من القطاعات داخل أميركا في الوصول إلى إنفاذ الخطط التي يبدو أنها كانت بعيدة بعض الشيء عن التناول المباشر خلال فترة رئاسة (جو بايدن)، خاصة موضوع مهم بالنسبة للأميركان وهو الموقف الصريح والواضح في قضية الحد، إن لم يكن منع، المهاجرين من الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية، أي البرزخ الأميركي الموعود، وكذلك كثير من القضايا الداخلية الأخرى والموازية لها، وهي الأهم بما لا يقاس لدى الناخب الأميركي قياساً بكل متدرجات السياسات الخارجية الأميركية وقضايا ومشكلات الدول البعيدة والقريبة.
لكن منطقتنا العربية وإشكالاتها ومشكلاتها، التي لا تنتهي، وتنتظر من الرئيس المنتخب (دونالد ترمب) التعاطي مع حيثياتها بطرق مختلفة، وعبر سياسات تتوقّع أنها ستكون أفضل من تلك السياسات التي اتبعها ومضى عليها سابقه الديمقراطي (جو بايدن) ونائبته المرشحة المهزومة كامالا هاريس، خاصة المسألة الفلسطينية المشتعلة خراباً ودماراً في قطاع غزة والضفة الغربية أيضاً.
كان يعاني الشعب السوري وما يزال من قهر وموت وجوع وتهجير منذ ما يقرب من 14 سنة خلت، على يد النظام السوري وإجرامه المتواصل، بدعم غير محدود من إيران ومشروعها الخطر جداً على كل شعوب المنطقة..
بالإضافة إلى ما يجري في لبنان منذ أكثر من شهر، وفي غزة على مدى أكثر من سنة مضت، وكذلك المسألة السورية المهمة للسوريين، إذ كان يعاني الشعب السوري وما يزال من قهر وموت وجوع وتهجير منذ ما يقرب من 14 سنة خلت، على يد النظام السوري وإجرامه المتواصل، بدعم غير محدود من دولة الملالي في إيران ومشروعها الخطر جداً على كل شعوب المنطقة، بخطورة المشروع الصهيوني، يضاف إلى ذلك أيضاً ذاك الدعم العسكري الكبير على يد الاتحاد الروسي، الذي يحتل جزءاً كبيراً من الجغرافيا السورية، منذ نهايات شهر أيلول/ سبتمبر 2015 حتى الآن.
إنّ الوجود الأميركي الاحتلالي لشمال شرقي سوريا، والهيمنة على الثروات النفطية السورية، ثم دعم وجود قوى الأمر الواقع في شمال شرقي سوريا، ونعني بذلك تنظيم "قسد" ومعه منتوجه "مسد"، وأيضاً تنظيم "ب ك ك" الإرهابي، جعل الواقع السوري، بالإضافة إلى توفر عوامل أخرى، في حالة استنقاع لا تخفى على أحد.
وإذا كانت بعض المعارضة السورية الرسمية، قد سارعت إلى تهنئة (ترمب) بنجاحه، فإنها بذلك تعتقد واهمة أن (ترمب) قد يكون جاداً في تحريك المياه الآسنة، ومن ثم إعادة تحريك المسألة السورية من جديد، وفق معطيات أخرى قد تفيد المعارضة، أو تضع النظام السوري في خانة (اليَك) كما يقال، استناداً إلى معطيات جديدة، تعتقد المعارضة السورية أنها ستترك ذيولها وآثارها في الواقع السوري، وهي تقويض وجود العامل والفاعل الإيراني، ثم كنس كثير من امتداداته ووكلائه في الجغرافيا السورية، بعد ما حصل في لبنان، وكبح جماح أحد أدوات إيران الأساسية في المنطقة وهو (حزب الله) اللبناني، التابع لإيران وولاية الفقيه، حيث كانت تعتمد عليه إيران في جلّ تحركاتها ومصالحها في منطقتنا العربية ومحيطها.
لكن الوهم الذي تقع فيه المعارضة السورية مفاده أنها لم تقرأ الواقع المتغيّر استراتيجياً، ولم تدرك كُنه الوجود الأميركي القوي والمسيطر، وعبر الاستراتيجية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، وهو حماية ما يسمى بالأمن القومي لإسرائيل أولاً وعلى حساب الجميع.
ويبدو أن بعضهم لم يدرك بعدُ أنَّ أوّل مَن تحدث عن أن السياسة الأميركية تريد في سوريا تحسين سلوك النظام السوري، وليس اقتلاعه أو كنسه، كانت سياسات إدارة (ترمب) السابقة، كما أن من أوقف المساعدات للمعارضة السورية، وخاصة الموجهة للفصائل العسكرية المعارضة منها، كانت إدارة ترمب السابقة، وأن الخطوط الحمر التي كسرها (أوباما)، لم يأت (ترمب) في رئاسته الـ45 لأميركا ليعيدها، بل هو من أبقاها كما كانت، وزاد عليها عبر الاعتراف الرسمي الأميركي في أن مرتفعات الجولان السوري المحتل، باتت جزءاً من أرض إسرائيل المفترضة.
وأيضاً فإن إدارة (ترمب) السابقة، هي من نقلت السفارة الأميركية إلى القدس، وهي بفعلتها هذه كانت تقونن وجود إسرائيل والاستيلاء على العاصمة التاريخية لفلسطين لتكون عاصمة إسرائيل، على غير ما دأبت الحكومات الغربية ومنها الأميركية على الاعتراف به قبل ذلك، واستناداً إلى قرارات أممية معروفة.
ليس هناك من يعقد الآمال الكثيرة على متغيرات ما ستحدث في الواقع السوري بعد فوز دونالد ترمب، وليس في سياقات المصالح الأميركية لدى الجمهوريين ولا الديمقراطيين، أية معطيات تشير إلى أي اهتمام جدي بمصالح الشعب السوري..
وأيضاً من الممكن أن يكون هناك بعض التغيير في العلاقة الأميركية الروسية بدءاً من أوكرانيا، حيث يقول (ترمب) إنه بصدد إيقاف الحرب في أوكرانيا، وتحسين العلاقة بين روسيا وأميركا، وهو بالضرورة -إن حصل- سيترك آثاره على الواقع السوري، حيث توجد المصالح والعسكريتاريا الروسية والأميركية كذلك.
لكن ما هو مهم، التساؤل الآتي: هل من الممكن أن تكون سياسات (ترمب) تجاه مسألة التطبيع بين نظام الأسد والجوار العربي والإقليمي كما كانت؟ أم أنها ستكون أكثر تشدداً؟ أو لعلها أقل من ذلك بكثير؟ وهذه مسائل لم يتحدث بها (ترمب) حتى الآن، ولا يبدو أن اهتمامه سيكون كبيراً بها وحولها أو منصباً عليها، وهو الذي يتحدّث دائماً عن أهمية المصلحة الأميركية عالمياً، على حساب الجميع، حيث من يدفع نحميه ومن لا يدفع نتخلى عنه، حتى لو كان يمثل دولة مهمة من دول حلف الناتو.
ليس هناك من يعقد الآمال الكثيرة على متغيرات ما ستحدث في الواقع السوري بعد فوز دونالد ترمب، وليس في سياقات المصالح الأميركية لدى الجمهوريين ولا الديمقراطيين، أية معطيات تشير إلى أي اهتمام جدي بمصالح الشعب السوري، الذي ما انفك يعاني ويلات الحروب ويتخوف من استمرارها أو انقضاض النظام السوري وإيران الداعمة له، على ما تبقى من أراضي سوريا خارج سيطرة النظام، الغارق في صمته المطبق، وخذلان الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أو حتى في لبنان، من منطلق سلامة الرأس أولًا، ثم سلامة السلطة والنظام، على حساب أي مبدئية كان يعتقد بعضهم واهمين أن النظام يمتلكها، ثم تبيّن لهم أن رضا أميركا وإسرائيل أولى منها، وبقاءه واستمراره في دوره الوظيفي المناط به، هو الأهم والأجدى بلا أدنى جدال.