انتقل مسار القضية السورية بعد دعوة النظام للجامعة العربية والتطبيع معه، إلى صورة جديدة من عمر القضية السورية، التي أخذت منذ 2011 وحتى نهاية 2016 وسقوط حلب مساراً تصاعدياً، ثم مسار الهدن وخفض التصعيد من 2017 إلى 2023 حيث التطبيع العربي اليوم.
ومسار اليوم عنوانه التواصل واللقاء مع النظام والجلوس على الطاولة عقب القطيعة الكبيرة، وأصبح هذا الحال واقعاً لكنه لن يغير الحقيقة ولن يحل جذر المشكلة مهما تمت معالجة الأوراق والأغصان فحقيقة جذر المشكلة موجود والتهديد الأمني عبر المساحة المفتوحة للقوى الطائفية الإرهابية وصناعة وتصدير المخدرات وأزمة اللاجئين ما زالت موجودة، وأن هذا النظام مرتكب جرائم ضد الإنسانية، ومُدان دولياً لن يتغير من حقيقته شيء، وأضف لذلك هو الملتصق بالروس التصاقاً لا يمكن فكاكه في ظل تصاعد الموقف الدولي والعقوبات على الروس وكذلك التصاقه بالإيراني.
فما ارتكبه نظام الأسد من جرائم يجعل استعادته للشرعية وحل الإشكالات التي أغرقت المنطقة وهو سببها أمراً شبه مستحيل.
وقد تمّ توثيق تلك الجرائم دولياً وبالذات أميركياً اتجاه نظام الأسد بدءاً من قانون قيصر والذي لا يدع مجالاً لأي إدارة أميركية بالتراجع عنه.
أيضاً العديد من التقارير الأممية الموثّقة التي تُشير إلى مسؤولية نظام الأسد عن ارتكابه لعشرات الهجمات الكيميائية ضد المدنيين، إضافةً لرفع دعاوى قضائية ضد رموز نظامه أمام عدد من المحاكم الدولية.
وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا لا شيء سيؤدي إلى إقناع الحكومات والشعوب الغربية أنه يمكن التطبيع مع النظام السوري الذي فتح بلاده أمام بوتين ومتهم بإرسال مرتزقة إلى أوكرانيا للقتال مع الروس.
كما يدرك الجميع أن الرئيس الروسي منذ 30 سبتمبر عام 2015، أصبح هو صاحب القرار العسكري الأول في الحرب السورية، ولا يمكن أن تتساهل المجموعة الغربية والدول السبع الكبار مع النظام من خلال التطبيع وتضييع مبدأ محاسبة المجرمين في سوريا، لأنّ ذلك يُشكّل سابقة تتكرر في أماكن أخرى في العالم، وتعتبر دعماً مباشراً لحليف بوتين وأحد أذرعته في الشرق الأوسط.
ونعلم مدى رهبة قانون قيصر بالنسبة للدول والخوف من اختراقه علناً بشكل مباشر وواضح، حيث لم تجرؤ أيّ دولة على تحديه علناً، وكان منها فشل مشروع نقل الغاز الإسرائيلي بالخط العربي من مصر إلى الأردن ومنها عبوره عبر الأراضي التي يُسيطر عليها نظام الأسد وصولاً إلى لبنان.
فلم تعطِ إدارة بايدن الحكومة المصرية أيّ تعهّد خطي باستثناء مشروع الغاز من العقوبات.
وبما أنه كان لقانون قيصر بُعداً سورياً فقط، فقد اتبعه الكونغرس الأميركي بسَنّ قانون جديد، وهو قانون كبتاغون الأسد، الذي وافقت عليه الإدارة، وتجري دراسة تنفيذ الإجراءات على الأرض التي ستكون خلال أيام وتبدأ المرحلة التنفيذية بمشاركة كل الأجهزة الأميركية الأمنية والعسكرية والمالية المختصة، وهو قانون للدولة الأميركية وعَرّف بمقدمته أنّ قيام نظام الأسد بتصنيع وتهريب حبوب الكبتاغون ذو أبعاد خطيرة على الأمن القومي الإقليمي والدولي.
وحديثاً يتم العمل على قانون مناهضة التطبيع مع الأسد وقطع أولى مراحله بمجلس النواب والمتوقع صدوره رسمياً قريباً، وذلك لفرض عقوبات صارمة بحق الدول المطبعة، ويتضمن في ثناياه فقرة تُتيح تمديد قانون قيصر لعام 2033، حيث ينتهي القانون رسمياً بعام 2025.
ولا تزال اللاءات الغربية لدول المركز في العالم لا لإعادة التطبيع.. لا لرفع العقوبات.. لا لإعادة الإعمار في ظل وجود الأسد، عناوين ثابتة دولية لا يمكن تغييرها، ولهذا وغيره لن يفيد النظام أو يغير من حقيقته التطبيع العربي، وسيبقى التطبيع أجوف وفارغاً من أي محتوى حقيقي، فلا تجارة المخدرات توقفت ولن تتوقف، والنظام يطلب من العرب مليارات لأجل إيقاف المخدرات وكذلك موضوع اللاجئين، فلا يمكن حله بوجود النظام ومؤسساته القمعية الأمنية المُسببة لملايين اللاجئين والنازحين.
ولن تتمكّن الدول العربية من مساعدة الأسد مالياً وهذا خرق لقانون قيصر، والنظام بأول خطاب له قدم صفعة للجامعة فقد طُلب منه التأسف على الضحايا والاستعداد للتسوية والحلول السلمية فذهب النظام لأسلوب آخر من التقريع ودروس الفذلكة.!
وأضف لذلك تدهور العملة بعد التطبيع، فالأسد في أزمات تلو أزمات يلقيها على الشعب السوري، لكن لا يمكن أن يبرئ نفسه من حجم ملفات جنائية حقوقية مهما حاولوا تسويقه سياسياً أو فرضه ببطش القوة العسكرية، فهو ملفوظ شعبياً سورياً ودولياً، ولا يمكن حل أي ملف دون تغيير طال الزمن أم قصر فاللاجئون والنازحون مضى على ابتداء تهجيرهم اثنتا عشرة سنة، وبلغ عددهم قرابة نصف الشعب السوري بين من هم خارج سيطرة النظام داخل سوريا، وبين اللاجئين في أصقاع الدنيا، فلن يغير التطبيع العربي حقيقة النظام وحقيقة المشكلة.