هل سيؤدي التطبيع إلى حصول استقرار في سوريا؟

2024.09.11 | 07:11 دمشق

+6+6+6+6+6+6+6+6+6
+A
حجم الخط
-A

خلال ثلاثة عشر عاماً ارتكب نظام الأسد العديد من الجرائم ضد الإنسانية في سوريا، بما في ذلك قتل المدنيين وتهجير السكان. وفق الإحصائيات الرسمية، بلغ عدد النازحين والمهجرين السوريين 13.5 مليون شخص.!

ورغم ذلك، ونتيجة استعصاء الحل في سوريا، عادت بعض الدول العربية إلى التطبيع واستأنفت علاقاتها السياسية مع نظام الأسد.

وكان رد إدارة بايدن على التطبيع التدريجي للأسد خافتاً. فبينما تؤكد الإدارة رفضها المستمر لنظام الأسد، فقد تراجع البيت الأبيض في عهد بايدن بشكل كبير. فبدلاً من دعوة الحلفاء العرب إلى عدم التطبيع، عبرت الإدارة عن أملها في أن تحصل الحكومات العربية على شيء.!

ومع تقليص البيت الأبيض لدوره في الصراع السوري الجاري، تحرك الكونغرس لملء الفراغ. ففي السنوات الأخيرة، أقر الكونغرس مراراً وتكراراً تشريعات تلزم البيت الأبيض باتخاذ إجراءات بشأن سوريا في قضايا يرى أعضاؤه أنها تعزز النفوذ الأميركي في سوريا بينما تمنع نظام الأسد من الاستفادة مالياً من استعداده للانخراط في أنشطة اقتصادية غير مشروعة، ولا سيما تصدير كميات هائلة من المخدرات، وخصوصاً الكبتاغون.

ووفقًا لبعض التقارير، فإن الأهداف المعلنة للتطبيع العربي مع النظام السوري هي ثلاثة:

أولاً: مكافحة تهريب المخدرات (الكبتاجون) من سوريا إلى دول الخليج.

ثانيًا: الحد من الدور الإيراني في سوريا.

ثالثًا: السعي إلى حل سياسي للصراع الدائر في سوريا.

لكن منذ الإعلان عن استئناف العلاقات العربية مع النظام السوري، فشل النظام في الوفاء بالتزاماته تجاه الدول العربية، حيث فشل بشار الأسد في تقديم قوائم مفصلة بأسماء منتجي ومصدري المخدرات، وكذلك الحد من تجارة حبوب الكبتاغون. بل وصل الأمر إلى تحميل بشار الأسد الدول العربية المسؤولية، قائلاً: "إن من جلب الإرهاب إلى سوريا هم من جلبوا المخدرات"!

ومن الواضح أن النظام لم يوقف، ومن المرجح أنه لن يوقف، تجارة حبوب الكبتاغون. فهو يستخدم هذه التجارة كورقة ابتزاز وضغط سياسي على دول المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي. وقد حول تجارة حبوب الكبتاغون إلى اقتصاد موازٍ يدر أرباحاً كبيرة للنظام السوري، مما يجعل التخلي عنها أمراً مستحيلاً. ووفقاً لبعض الإحصائيات، بلغت عائدات النظام السوري من تجارة الكبتاغون في عام 2023 نحو 2.4 مليار دولار.

وفيما يتعلق بالنفوذ الإيراني، تشير المؤشرات إلى أن النظام السوري غير قادر على تقليص النفوذ الإيراني بسبب اعتماده على الدعم الإيراني. فإيران تؤكد باستمرار على ضرورة بقاء نظام بشار الأسد في السلطة، بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية، وأبرزها السيطرة على الطريق البري الذي يربط إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، فضلاً عن التغلغل الإيراني داخل مؤسسات الدولة السوريا، والجيش، والأجهزة الأمنية.

ورغم تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري، بقي وجود قيادات إيرانية رفيعة المستوى، وخاصة داخل الحرس الثوري الإيراني، قائماً على الأراضي السوريا.

وقد تجلى هذا الإصرار في استهداف إسرائيل المستمر لهؤلاء القادة، حيث بلغ عدد الضربات الإسرائيلية خلال العام الأخير 181 ضربة استهدفت قيادات، ومخازن سلاح، وذخيرة، وغيرها.

منذ عام 2011، لم يشارك النظام السوري بشكل فعال في المفاوضات الجوهرية، بل سعى إلى إطالة أمد الإجراءات وإرهاق الأطراف الأخرى بالتفاصيل الدقيقة.

إضافة إلى ذلك، يتبع النظام نهجاً لا مبالياً تجاه أي مبادرة أو تفاوض سياسي، ويتجنب دائماً أي نقاش حقيقي لأي مبادرة سياسية.

فالدافع الأخير وراء التطبيع هو دفع العملية السياسية إلى الأمام. فمنذ عام 2011، لم يشارك النظام السوري بشكل فعال في المفاوضات الجوهرية، بل سعى إلى إطالة أمد الإجراءات وإرهاق الأطراف الأخرى بالتفاصيل الدقيقة. ولم يلتزم النظام بالعديد من المبادرات الإقليمية والدولية مثل: مبادرة جامعة الدول العربية عام 2012، ومبادرة كوفي عنان، وبيان جنيف واحد عام 2012، ومفاوضات جنيف، وحتى محادثات أستانا.

وإلى يومنا هذا، يعرقل النظام مفاوضات اللجنة الدستورية، مستنداً إلى حلفائه.

أما التطبيع التركي وعودة العلاقات، فأعتقد أنه سيكون هو الأصعب على الإطلاق لأن تركيا دولة جارة لها أطول حدود، ولديها مشكلات أمنية في الحدود السوريا، وقواعد عسكرية بسوريا بعد عمليات طرد داعش وحزب العمال الكردستاني.

وهنا لا بد من إبراز المؤشرات الأولية التي تقود إلى نتيجة يجب على الدول المطبعة الانتباه لها: بأن بقاء النظام وقبوله كواقع لا مفر منه يشكل خطراً وتهديداً مباشراً لسلامة الدولة السوريا المجزأة حالياً والشعب السوري والمنطقة والعالم.

وأصبح السوريون أبرز طالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ عددهم ذروته في عامي 2023 و2024. وفقًا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهما العامين نفسهما اللذين تم فيهما الحديث عن التطبيع وعودة العلاقات!

وقدمت وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي توضيحاً لزيادة مطردة في أعداد اللاجئين السوريين، تصل إلى 181 ألفاً بحلول نهاية عام 2023، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 38% عن عام 2022.

ووفقاً لإحصاءات وكالة اللجوء الأوروبية، في عام 2024، فإن 50% من طالبي اللجوء هم من السوريين.

ففي ألمانيا وحدها تقدم 37 ألفاً و663 سورياً بطلب لجوء لأول مرة في ألمانيا منذ مطلع العام حتى حزيران، وفي حزيران وحده 16 ألف طلب.

يسعى السوريون في الغالب إلى اللجوء إلى أوروبا، هرباً من المعيشة في مناطق النظام، حيث يواجه الشباب تهديدات وشيكة بالاعتقالات التعسفية والتجنيد الإجباري وعدم الاستقرار الاقتصادي.

وفي جميع أنحاء منطقتي الجزيرة والفرات في شرقي سوريا، يتحمل المدنيون المقيمون على ضفتي النهر ظروفاً قاسية للغاية.

ويجد السكان العرب، وهم الفئة السكانية الأساسية في هذه المناطق، أنفسهم عُرضة للتهجير القسري والتلاعب الديموغرافي، الذي تنظمه قوات سوريا الديمقراطية والميليشيات الإيرانية. وتمارس هذه الفصائل سيطرتها على جانبي محافظة دير الزور، التي يفصل بينهما نهر الفرات. ونتيجة لذلك، يواجه أبناء المنطقة النزوح غير الطوعي، وظهرت اشتباكات بين فترة وأخرى بين العشائر العربية وقوات قسد.

إن تجاهل الصراع السوري أو احتواءه في حد ذاته سيكون خطأً لا تقتصر آثاره وتبعاته على سوريا وحدها.

وإن بقاء بشار الأسد وأجهزته الأمنية في السلطة يؤدي إلى بقاء قوى الأمر الواقع المذكورة، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم الاستقرار في سوريا، وانعدام البيئة الآمنة، وبالتالي المزيد من اللاجئين الفارين من سوريا.

إن تجاهل الصراع السوري أو احتواءه في حد ذاته سيكون خطأً لا تقتصر آثاره وتبعاته على سوريا وحدها.

والواقع أن أي مؤشرات على الهدوء لا تظهر في أي من مسارح الصراع في سوريا. بل إن ما نراه الآن هو صراعات لم تُحَل، وعنف متصاعد، واشتعال حاد للأعمال العدائية. وكل هذا من شأنه أن يشكل شرارة لإشعال حريق جديد في مناطق شتى بسوريا.

واليوم، الدول الإقليمية والغربية لديها مشكلاتها الاقتصادية ومشكلات اللاجئين، ولكن الموضوع السوري يحتاج حلاً جذرياً. ينبغي أن ينصب التركيز على تكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي عادل وسلام مستدام يصون كل الحقوق والتطلعات المشروعة للشعب السوري. وهذا يعني العيش في حرية وسلام وأمن وعدالة من دون مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. ويمثل هذا الحل الضامن الحقيقي لإنهاء المأساة الطويلة التي تحملها الشعب السوري وانعكست على المنطقة والعالم.

ويتطلب تحقيق هذا الحل ممارسة ضغوط أكبر على النظام السوري وحلفائه، روسيا وإيران، لإقرار حل سياسي يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار 2254.

إن العلاقة مع النظام السوري، ما لم تكن لحل حقيقي، ستُبقي قوى الأمر الواقع، وتؤدي إلى انفجارات مجتمعية وموجات لجوء جديدة من الشباب. فهذا النظام خلق دولة فاشلة وفراغاً أمنياً خطيراً يضر بالمنطقة والعالم.