هل ستنحصر الحرب بين أطراف النزاع في سوريا على الطائرات المسيّرة؟

2024.09.18 | 06:13 دمشق

6565656565656565656565652
+A
حجم الخط
-A

برزت في السنوات الأخيرة فاعلية الطائرات من دون طيار في الحروب بشكل جلي، وخلقت ثورة في الحروب والعقيدة العسكرية والتنظيم وهيكل القوة بين الدول، كما شكّلت معضلة أمنية للدول بسبب خواصها المميزة.

وقد شهدت سوريا في السنوات الأخيرة انتشاراً كبيراً لاستخدام الطائرات المسيرة، لا سيما من قبل الفواعل الدولية كتركيا والولايات المتحدة الأميركية وإيران، التي زوّدت أيضاً أذرعها من الميليشيات، وأبرزهم حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية. ولم تقتصر المسيرات على الفواعل الدولية فحسب، بل استحوذت عليها أيضاً الفواعل الداخلية في سوريا مثل قوات قسد والمعارضة السورية والنظام.

تُعد الطائرات المسيرة ذات فاعلية قتالية كبيرة، وتتمتع بتقنيات تكنولوجية متطورة رغم صغر حجمها.

انتشار استخدام الطائرات المسيرة في سوريا يستند إلى المميزات التي تتمتع بها هذه الطائرات والتي يمكن إجمالها بمجموعة من النقاط:

أولاً: انخفاض كلفة تصنيع الطائرات المسيرة إذ لا تتجاوز كلفة صناعة الحجم الصغير منها مئات الدولارات، كما أن تقنيات صناعتها ليست معقدة، مما سهّل على كثير من الجماعات المسلحة اقتنائها وتصنيعها على مستويات مختلفة.

ثانياً: تُعد الطائرات المسيرة ذات فاعلية قتالية كبيرة، وتتمتع بتقنيات تكنولوجية متطورة رغم صغر حجمها. كما أن نسبة احتمال رصدها بوساطة الرادارات الحديثة، مقارنة بالطائرات العسكرية التقليدية، ضئيلة، وبالتالي فهي قادرة على اختراق أنظمة الدفاع الجوي.

ثالثاً: تحسين عمليات الاستطلاع والمراقبة ورصد الهدف، حيث توفر الطائرات المسيرة المعلومات في وقت قصير، وبدقة عالية، كما تتمكن من رصد الأهداف والتضاريس والتحركات على الأرض، مما يزيد من كفاءة اتخاذ القرارات العسكرية الميدانية، ودعم العمليات العسكرية القتالية وزيادة دقة التصويب والاستهداف.

رابعاً: المرونة في الانتشار والتشغيل، حيث يمكن نشرها بأعداد كبيرة، وبسرعة ولفترات طويلة من الزمن، ولهذا فإن تأثيرها العملياتي عالٍ.

خامساً: قدرة الطائرات المسيرة على إحداث تهديد وعدم استقرار في المناطق المستهدفة، لا سيما إذا ضربت مواقع حيوية في الدولة مثل المطارات، ومحطات توليد الكهرباء، ومصافي النفط.

انطلاقاً من ذلك، تتناول المقالة إمكانيات استخدام الطائرات المسيرة من قبل الفواعل الداخلية للمعارضة السورية والنظام وقسد، وهل أطراف النزاع مقبلة على استخدام موسع لهذه الطائرات باعتبار أنها أصبحت خيارًا أكثر جدوى من الناحية القتالية والمالية.

استغل النظام الطائرات المسيرة في عمليات المسح والرصد وجمع المعطيات وضرب النقاط العسكرية التابعة للمعارضة بشكل يومي تقريباً.

إمكانات النظام السوري في مجال الطائرات المسيرة

بعد عمليات البحث والتقصي لم يتم التوصل إلى أي معلومة تفيد بأن النظام السوري يصنع الطائرات المسيرة، بل إنه يستخدم الطائرات المستوردة من إيران من طراز "مهاجر 4"، و"أبابيل 3"، و"شاهد 123"، و"عقاب 1".

تاريخياً، لم يتم تسجيل حالة استخدام النظام للطائرات المسيرة خارج حدود الدولة السورية، واقتصر استخدامه داخل حدود الدولة وعلى مناطق المعارضة بشكل رئيسي، حيث استغل النظام الطائرات المسيرة في عمليات المسح والرصد وجمع المعطيات وضرب النقاط العسكرية التابعة للمعارضة بشكل يومي تقريباً. ولم تقتصر أهدافه على النقاط العسكرية فحسب، بل شملت المناطق المدنية أيضاً، ووفق بيان لـ"الدفاع المدني السوري" يرتبط التصعيد بإطلاق "المسيرات الانتحارية" من قوات النظام السوري وروسيا والميليشيات الإيرانية، وإن استخدام هذا السلاح "يشكّل نهجاً خطيراً في استهداف المدنيين ويهدد حياتهم".

استخدام النظام للطائرات المسيرة بشكل مكثف يرجع لعدد من العوامل:

أولاً، وجود مورد دائم وموثوق للطائرات المسيرة ذات تقنية يمكن القول عنها جيدة، حيث تعتبر إيران واحدة من أقدم الدول التي أسست لصناعة الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط، وامتلاكها لصناعة محلية خوّلها حيازة عدد كبير من الطائرات المتنوعة وللاستخدامات المختلفة. وطهران بدورها كحليف للنظام السوري فقد زوّدته بأعداد وأنواع مختلفة من الطائرات القادرة على تنفيذ عمليات عسكرية ذات تأثير فعال.

ثانياً، فاعلية الطائرات في ضرب أهداف دقيقة مقارنة بالقذائف الصاروخية لا سيما على الجبهات القريبة، وبالفعل استطاع النظام عبر الطائرات المسيرة ضرب مراكز وجود قوات المعارضة على حدود المواجهة في ريف إدلب الجنوبي.

ثالثاً، جمع المعطيات حول مراكز انتشار قوات المعارضة والقوات التركية وقوات قسد بفضل تقنيات التصوير وتحديد المواقع.

رابعاً، استخدم النظام الطائرات المسيرة لضرب حالة الاستقرار النسبية التي تعيشها مناطق المعارضة عبر ضرب أهداف متحركة مثل السيارات، الأمر الذي يهدد حياة كثير من السوريين.

انطلاقاً من هذه العوامل، يندفع النظام للتوسع في استخدام الطائرات المسيرة في المستقبل. ومن المهم الإشارة إلى أن النظام يدرك أن استخدام الطائرات المسيرة في عمليات عسكرية دقيقة في ظل التزام الأطراف الداخلية والفواعل الدولية بتجميد العمليات العسكرية في سوريا قد لا يصنف على أنه خرق لحالة الجمود العسكري المتفق عليه، إن صح التعبير.

فيما يتعلق بقوات الجيش الوطني السوري، يُعتقد أنه يمتلك بعض الأنواع التجارية من الطائرات المسيرة القادرة على القيام بعمليات الاستطلاع والمسح.

الطائرات المسيرة لدى قوات مناطق المعارضة

يُعتقد أن هيئة تحرير الشام وصلت لمراحل متقدمة من تطوير الطائرات المسيرة التجارية إلى طائرات عسكرية قادرة على حمل متفجرات لضرب مواقع حساسة بشكل فعال، والقيام بعمليات رصد وجمع المعطيات.

ويعد إعلان وزارة دفاع النظام بشكل متكرر عن إسقاط طائرات مسيرة في ريف محافظة اللاذقية المحاذي لمدينة إدلب دليلاً على امتلاك هيئة تحرير الشام لمصانع تطوير الطائرات المسيرة.

واستطاعت الهيئة استغلال انتشار الطائرات المسيرة التجارية بأسعار معقولة في الأسواق لإعادة إنتاجها واستخدامها في مهمات عسكرية لضرب نقاط قريبة محاذية لها. ويُعتقد أن هيئة تحرير الشام قامت في عام 2018 باستهداف قاعدة حميميم في اللاذقية بطائرات مسيرة عطبت عبرها بعض الطائرات العسكرية.

وفيما يتعلق بقوات الجيش الوطني السوري، يُعتقد أنه يمتلك بعض الأنواع التجارية من الطائرات المسيرة القادرة على القيام بعمليات الاستطلاع والمسح. وسجلت تقارير عن ضربات بطائرات مسيرة نفذها الجيش الوطني السوري ضد أهداف على القوات الروسية وجيش النظام، لكن لم يتم التأكد من صحة تلك الضربات.

الطائرات المسيرة لدى قوات قسد

تحدثت الصحف التركية عن امتلاك قسد مصانع للطائرات المسيرة بدعم من قوات التحالف الدولي، وتم الإشارة إلى أن قسد استخدمت الطائرات المسيرة لاستهداف القوات التركية، وفي المعارك ضد العشائر العربية في منطقة دير الزور، حيث تم تسجيل عدد من الضربات عبر الطائرات المسيرة والتي راح ضحيتها عدد من المدنيين في مدينة دير الزور.

ويطلق على الطائرة التي صنعتها قسد اسم "تالون"، وبحسب بعض التقارير لم تسجل هذه الطائرة فعالية عسكرية قتالية بعد أن تم استخدامها ضد أهداف عسكرية تركية في شمالي سوريا وبالتحديد بمنطقة تل أبيض وعين عيسى ورأس العين وجنوبي تركيا.

بالنتيجة، يعتبر النظام السوري أكثر فاعلية في استخدام الطائرات المسيرة المستوردة من إيران، وأسهم ذلك في توسيع ضرباته العسكرية بشكل فعال ومتكرر ضد قوات ومناطق المعارضة بشكل أساسي.

الأمر الذي سيسهم في اعتماد النظام على الطائرات المسيرة بشكل كبير في المستقبل، وقد تنتصر عملياته العسكرية مستقبلاً باستخدام قدرات الطائرات المسيرة طالما بقي الوضع السياسي والعسكري كما هو عليه في الوقت الحالي.

والطرف المنافس للنظام في سوريا في مجال الطائرات المسيرة هي هيئة تحرير الشام التي تسعى لامتلاك قدرات وأسراب متطورة وفعالة عسكرياً، لتكون في المستقبل أداة مهمة في عملياتها العسكرية.