كثرت خلال الأسابيع القليلة الماضية الدعوات الدولية والأممية لمحاسبة نظام الأسد على جرائمه الكيماوية، أبرزها كان على لسان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي أكد على عدم إمكانية الإفلات من العقاب من جراء استخدام تلك الأسلحة.
وترافقت الدعوات مع تقدّم ناجين سوريين بالتعاون مع عدة منظمات غير حكومية، بشكوى جنائية ضد النظام السوري في محكمة باريس بفرنسا، بهدف فتح تحقيق بشأن هجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا.
دعوات في مجلس الأمن وخارجه لمحاسبة النظام
نشطت الدعوات لمحاسبة النظام على استخدام الأسلحة الكيماوية في مطلع العام الجاري، وفي 5 كانون الثاني / يناير الماضي ذكرت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو أن الأمم المتحدة غير متأكدة من الإزالة الكاملة لبرنامج الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وأفادت ناكاميتسو بوجود 19 مسألة عالقة بالبرنامج الكيماوي السوري، كما حذرت من أن الخطر "سيظل محدقاً بالجميع"، ما لم تتم محاسبة كل من استخدم الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وفي اليوم ذاته، وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، دعا نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، إلى حثّ النظام على الاعتراف باستخدام السلاح الكيماوي، وتابع بالقول: "نعتقد أن مجلس الأمن مسؤول عن ضمان فرض العقوبات الوخيمة على الذين يستخدمون الأسلحة الكيماوية، لا يمكننا أن نبقى صامتين ولا يمكننا السماح أن يصبح استخدام الأسلحة الكيماوية مقبولاً أو طبيعياً".
وأبدت الولايات المتحدة دعمها للجهود الرامية لتحميل نظام الأسد مسؤولية هجمات السلاح الكيماوي، وغيرها من الفظائع المستمرة ضد المدنيين السوريين.
وأثير ملف السلاح الكيماوي مجدداً في مجلس الأمن 4 آذار الجاري، إذ اتهمت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد روسيا بعرقلة جميع الجهود الأممية لمحاسبة نظام الأسد على استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين.
وطالبت ممثلة الأمين العام السامية لشؤون نزع السلاح ايزومي ناكاميتسو، خلال الجلسة أيضاً (الخميس الماضي) بمحاسبة جميع مستخدمي الأسلحة الكيماوية في سوريا، كما أكدت أن إعلان النظام في سوريا إنهاء برنامجه الكيماوي غير دقيق وغير كامل.
جهود سنوات من العمل بدأت تثمر
يراقب السوريون منذ سنوات ما يصدر عن الدول والمؤسسات الأممية من دعوات ترمي لمحاسبة نظام الأسد، لكن لم يكن لأيّ منها أثر أو فعل يجعل من تلك الكلمات واقعاً على الأرض، والسؤال الذي يطرح نفسه عند كل دعوة لمحاسبة النظام، ما الجديد فيها وما الذي سيتبعها؟
يقول المتحدث باسم مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا أحمد الأحمد إن الجديد في ملف الأسلحة الكيماوية، أن الجهود التي بذلتها منظمات سورية بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية منذ عام 2013، بدأت تُثمر.
وأفاد "الأحمد" لتلفزيون سوريا بإنجاز تحقيقات بنسبة 100 بالمئة، بخصوص 4 هجمات كيماوية وقعت في سوريا، وهي هجوم مدينة خان شيخون بريف إدلب في الرابع من نيسان 2017، و3 هجمات تمت على مدينة اللطامنة في (24 - 25 - 30) آذار 2017، وإدانه نظام الأسد بكل تلك الهجمات.
وانطلاقاً من تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية المبنية وفقاً للمعايير الجنائية الدولية؛ يمكن التحرك في المحاكم الوطنية الأوروبية المتخصصة في جرائم الحرب الدولية والتي تمتلك صلاحية ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، حسب الأحمد.
وقال المتحدث: "هناك تقارير ستصدر عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية خلال الفترة المقبلة، وأيضاً سيتم التوجه بها للقضاء، خصوصاً أن تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية هي مرجعية أيضاً للآلية المحايدة والمستقلة في الأمم المتحدة، التي تعمل على إعداد ملف جنائي سيتم أيضاً تقديمه للمدعي العام المختص بهكذا نوع من الجرائم".
ورجح "الأحمد" أن تنخرط هيئات أممية في الملاحقات الجنائية ضد مرتكبي الجرائم الكيماوية، بترحيب واسع من قبل المجتمع الدولي، وحينذاك سيكون للمطالبات الأخيرة بمحاسبة النظام السوري "قيمة".
ما المأمول من المجتمع الدولي؟
يُجمِع معظم من تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا على محدودية النتائج المتوقعة من المجتمع الدولي حيال التعامل مع نظام الأسد فيما يخص استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، وخرق اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.
وذكر مدير منظمة الدفاع المدني السوري رائد الصالح أن حجم النتائج من التحرك الدولي والدعوات لمحاسبة النظام، مرتبط تماماً بمدى القدرة على تشكيل محكمة جنائية خاصة لمحاسبة النظام على انتهاكاته في سوريا.
ووصف الصالح الدعوات الدولية والأممية لمحاسبة النظام على استخدام الأسلحة الكيماوية بـ "الجدية"، كونها تتزامن مع تحقيق دولي في عشرات الهجمات الكيماوية التي نُفذت في سوريا خلال الـ 7 سنوات الماضية في عدة مناطق من سوريا، مثل ريف دمشق وحلب وإدلب وريف حماة الشمالي.
وقال الصالح خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا إنه دعا خلال الاجتماعات السابقة مع عدة دول، للدفع بعملية المحاسبة للنظام على الانتهاكات التي ارتكبها، وخاصة استخدامه الأسلحة الكيماوية، واستدرك بأن مدى جدية الدول في محاسبة النظام، لا تُلمس من خلال النقاش مع الدبلوماسيين.
وأضاف أن روسيا استخدمت الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن لمنع صدور أي قرار يهدف لمحاسبة النظام، لذلك يتم الدفع باتجاه أن يسير المجتمع الدولي خارج مجلس الأمن، وتشكيل محكمة خاصة للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة في سوريا، ومحاسبة النظام وروسيا، وذلك من خلال العمل على تقدم الشهود والأدلة على تلك الانتهاكات لتحقيق العدالة لأبناء الشعب السوري.
من جانبه قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لموقع تلفزيون سوريا: "يوجد شكاوى مقدمة ضد نظام الأسد في عدة محاكم أوروبية بسبب استخدامه الكيماوي، لكن مهمة تلك المحاكم إصدار مذكرات قبض فقط، بالتالي لن يتم اعتقال مرتكبي الانتهاكات أو محاكمتهم، ما لم يسافروا إلى دول أوروبية أو دول متعاونة معها".
بدوره يؤكد أحمد الأحمد أن المجتمع الدولي لم يتخذ حتى اللحظة أي خطوات تشير بشكل جدي إلى نيته محاسبة النظام السوري، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي تجاهل جميع القرارات ذات الصلة وعلى رأسها القرار الدولي 2235 والذي ينص على تدخل مباشر وفقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال قام النظام بخرق القرار الدولي 2118 والذي يحتم على النظام التخلي عن برنامج الأسلحة الكيماوية.
ويأتي عدم التحرك الدولي بهذا الخصوص؛ على الرغم من أن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أثبت عدة مرات أن النظام لم يلتزم بالقرار الدولي 2118، وما زال محتفظاً بجزء من مخزونه الكيماوي، واستبعد "الأحمد" أن تتغير "المعادلة إن بقيت الدول في إطار المطالبات بمحاسبة النظام بدون بذل أي جهد لتحقيق ذلك".
حراك للمنظمات الحقوقية السورية
أكد الأحمد أنهم لا زالوا في مركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا، مستمرين بتقديم كل أشكال الدعم للبعثات الدولية التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، على اعتبار أن تقاريرها ستكون حجر الأساس في أي محاكمات مقبلة بخصوص جرائم الأسلحة الكيماوية.
ويتواصل المركز أيضاً مع الآلية المحايدة والمستقلة في الأمم، ليقدم لها كل أشكال الدعم لأجل استكمال بناء الملفات الجنائية المتعلقة بالهجمات التي حققت بها منظمة حظر الاسلحة الكيماوية، والتي سيتم تقديمها مستقبلاً لأي مدعٍ عام يريد المساهمة في المحاسبة، ذلك فضلاً عن تعاون المركز مع عدة منظمات حقوقية أوروبية غير حكومية لأجل رفع قضايا جنائية في عدة بلدان، وفقاً لـ"الأحمد".
ويشير المتحدث إلى أن المنظمات السورية المتكفلة بمتابعة ملف السلاح الكيماوي لم تعد تعول على المسارات الأممية للمحاسبة، بل شقت طريقها الخاص باتجاه المحاكم الأوروبية بالتعاون مع منظمات دولية لضمان المحاسبة.
ولفت إلى أن نظام الأسد لم يقدم إجابات لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية حتى اللحظة بشأن الكشف عن أماكن الإنتاج والتخزين للسلاح الكيماوي، وهو ما سيدفعها لاتخاذ إجراءات ضد النظام، وربما تلجأ الدول إلى طرق جديدة فيما يخص هذا الملف كون الدبلوماسية لم تأت بنتيجة.
كذلك أكد رائد الصالح أن الدفاع المدني يعمل إلى جانب عدة مؤسسات سورية ودولية ومنها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، في إطار جمع الأدلة على الانتهاكات في سوريا، على أمل تحقيق العدالة للضحايا وخاصة من استُخدمت ضدهم الأسلحة المحرمة دولياً.
من جانبه أوضح فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن الشبكة تعاونت مع لجنة التحقيق الأممية المستقلة، ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية فيما يتعلق بالملف الكيماوي، مشيراً إلى أن التقرير القادم لمنظمة حظر الأسلحة سيحمل إدانة لنظام الأسد باستخدام الكيماوي في سراقب بإدلب.
ويوم الإثنين الماضي تقدّم ناجون سوريون، بالتعاون مع منظمات "غير حكومية"، بشكوى جنائية ضد نظام الأسد في محكمة باريس، بهدف فتح تحقيق حول هجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وقُدّمت الشكوى من قبل "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" و"أوبن سوساييتي جاستيس إنيشتف" و"الأرشيف السوري"، من أجل التحقيق في هجمات السارين التي وقعت في آب / أغسطس عام 2013 بمدينة دوما والغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 شخص.
وتزامن ذلك مع تأكيد مصدر خاص لتلفزيون سوريا أن جهات حقوقية ناشطة في أوروبا سترفع دعوى ضد ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام في سوريا، وقائد الفرقة الرابعة، وذلك عن مشاركته المباشرة في هجوم الغوطة الكيماوي صيف 2013.
واستخدم نظام الأسد الأسلحة الكيماوية في سوريا ما لا يقل عن 217 مرة منها 33 هجوماً قبل قرار مجلس الأمن 2118، و184 هجوماً بعده، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1510 أشخاص بينهم 205 أطفال و260 امرأة، حسب توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان.