باركت حركة حماس الهجوم الذي نفذه حزب الله ضد إسرائيل نهاية الأسبوع الماضي انتقاماً لاغتيال فؤاد شكر أكبر قادته العسكريين بغارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية في يوليو تموز الماضي.
وقالت الحركة إن "الرد القوي والمركز يُعد صفعة في وجه حكومة الاحتلال الفاشية ورسالة بأن إرهابها وإجرامها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني لن يمر دون رد".
إن انخراط حزب الله في حرب السابع من أكتوبر منذ اليوم التالي لها بهدف إظهار التضامن مع غزة يعكس قبل كل شيء التطور الكبير الذي طرأ على العلاقة الاستراتيجية بين حماس وإيران وحلفائها في المنطقة، ولا سيما حزب الله خصوصاً بعد تولي يحيى السنوار -الذي يُعرف بعلاقته الوثيقة مع إيران- رئاسةَ حماس في غزة. إذ لم يسبق أن انخرط الحزب في الحروب السابقة التي خاضتها حماس مع إسرائيل على مدى العقدين الماضيين.
لكن انخراط حزب الله في الحرب يتجاوز في الواقع هدف مُساندة حماس. وحقيقة أن نتائج الحرب لن تقتصر تداعياتها على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فحسب، بل ستُحدد معالم الشرق الأوسط الجديد في حقبة ما بعد السابع من أكتوبر، كانت حاسمة في دفع إيران إلى الانخراط فيها عبر وكلائها في المنطقة. وبالنسبة لحزب الله على وجه الخصوص، فإنه صمم انخراطه في الحرب كخطوة استباقية لحماية نفسه من أي تهديد وجودي في المُستقبل لأنه يعتقد أنه سيكون الهدف التالي في حال نجحت إسرائيل في تحقيق أهداف حربها في غزة وإخراجها من معادلة الصراع. ووفق هذا المنظور، فإن الانخراط في الحرب كان حاجة استراتيجية ذاتية لحزب الله لإفشال أهداف إسرائيل في غزة وتوريطها في حرب استنزاف مُتعددة الجبهات لتقويض قدرتها على شن حرب واسعة عليه في المستقبل.
أولوية الحزب هي الخروج بأقل الضرر من الحرب، فإنه يُفضل الاستمرار في حرب الاستنزاف رغم تكاليفها المتزايدة على استدعاء الحرب الواسعة.
لقد خلق انخراط حزب الله في الحرب مُعضلة أمنية كبيرة أخرى لإسرائيل في الحرب تتمثل في الجبهة الشمالية، لكنّه لم يكن له عموماً تأثير قوي على الاستراتيجية الإسرائيلية في غزة. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب على رأسها أن تصميم حزب الله لانخراطه لتقليل المخاطر المستقبلية المُحتملة عليه وليس لتسريعها، منح الإسرائيليون شعوراً بالاطمئنان بأن هذا الانخراط لن يؤدي بأي حال إلى مفاقمة المخاطر على الجبهة الشمالية بما يضغط على حربهم في غزة. وحتى في الوقت الذي دفعت فيه حسابات المخاطر والتكاليف بالحزب إلى مواصلة الانخراط في الحرب رغم أنه يبدو مُنعدم التأثير على مسار حرب غزة، فإنه حوّل هدفه الرئيسي إلى إبرام تسوية لإعادة الاستقرار إلى الجبهتين الجنوبية اللبنانية والشمالية الإسرائيلية تُكبل قدرة إسرائيل على شن حرب واسعة عليه في المستقبل المنظور على الأقل.
وتقوم استراتيجية الحزب على ثلاث أولويات في الوقت الراهن مع تغليب الأكثر أهمية منها على غيرها. الأولى هي تجنب استدعاء الحرب الواسعة. والثانية الحفاظ على قواعد اشتباك تحد من تكاليف انخراطه في الحرب وتردع إسرائيل عن توسيع نطاق هجماتها على لبنان. والثالثة إبقاء الجبهة الجنوبية مفتوحة كورقة ضغط على إسرائيل لوقف حربها على غزة ولإجبارها على إبرام تسوية مع الحزب. لكن المأزق الكبير الذي يواجه الحزب يتمثل في الأولوية الثانية لأن فشله في تحقيقها يرفع أولاً من تكاليف الحرب عليه ويكشف نقاط ضعف استراتيجيته أمام إسرائيل، ويُشجع ثانياً إسرائيل على تصعيد حرب الاستنزاف ضدّه بما يقوض خياراته للحفاظ على الأولوية الأولى، ويُبدد ثالثاً ما تبقى من التأثير المحدود أصلاً للأولوية الثالثة. لأن أولوية الحزب هي الخروج بأقل الضرر من الحرب، فإنه يُفضل الاستمرار في حرب الاستنزاف رغم تكاليفها المتزايدة على استدعاء الحرب الواسعة. مع ذلك، يجد نفسه في مأزق حرب استنزاف طالت أكثر مما توقع وتجلب معها المزيد من المخاطر بدلاً من الحد منها.
أغلق استعراض القوة المتبادل بين إسرائيل وحزب الله أخطر فصل من فصول المواجهة بين الطرفين حتى الآن منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر.
تُظهر حركة حماس الامتنان الكبير لمساندة حزب الله لها في الحرب والتكاليف التي يدفعها. لكنّها بالتأكيد كانت تُفضل أن يكون أثر هذه المساندة أكبر مما يبدو الوضع عليه على مسار الحرب على غزة. ولا يزال يُحيى السنوار الزعيم الجديد لحماس يطمح على الأرجح إلى انخراط أكبر لحزب الله وربما انخراط إيراني مباشر في الحرب. مع ذلك، فإن الحقيقة التي سيتعين على حماس مواجهتها هي أن الأولوية القصوى لحزب الله تتمثل في تجنب استدعاء حرب إسرائيلية واسعة عليه في الوقت الراهن وفي المستقبل كذلك، وأن الأولوية القصوى لإيران تجنب التورط حرب مباشرة مع إسرائيل. وفي نهاية المطاف، فإن هذه الحرب لم يخترها حزب الله أو إيران بإرادتهما وإنما فُرضت عليهما. وبهذا المعنى، يُصبح من البديهي أن يكون هدف حزب الله الخروج من هذه الحرب بأقل الأضرار.
أغلق استعراض القوة المتبادل بين إسرائيل وحزب الله أخطر فصل من فصول المواجهة بين الطرفين حتى الآن منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر. وعلى الرغم من أن أمين عام الحزب حسن نصر الله ترك الباب مفتوحاً أمام احتمال قيام الحزب بهجوم واسع آخر على إسرائيل للانتقام لاغتيال القائد الكبير فيه فؤاد شكر، إلآّ أنه بدا راضياً عن الرد الانتقامي الأولي رغم أن نتائجه لم تكن واضحة بقدر وضوح نتائج الهجوم الاستباقي الإسرائيلي. وبمعزل عن الأضرار التي حققها كل منهما في هذه الجولة، فإن الأكثر أهمية لكليهما هو التكاليف المُنخفضة لهذا الاستعراض. لقد تجاوز حزب الله مأزق الرد على اغتيال شكر بأقل التكاليف بينما تجاوزت إسرائيل مأزق الرد على الرد بأقل التكاليف أيضاً. ويظهر الهدف المشترك الذي تحقق بالفعل من خلال خفض تكاليف الاستعراض وبالتالي تجنب الحرب الواسعة أو على الأقل تأجيل توقيتها لفترة إضافية.