ما إمكانية أن تعيد الحرب تشكيل السياسة الداخلية في لبنان؟

2024.10.18 | 06:44 دمشق

522222
+A
حجم الخط
-A

لما يزيد على عقدين من الزمن، طوّر حزب الله حالته من تنظيم مُسلح أسس بهدف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان إلى قوة عسكرية كبيرة تجاوز دورها لبنان إلى الإقليم وإلى حزب سياسي أصبح له اليد العليا في تشكيل السياسة الداخلية.

إن جانباً رئيسياً من أسباب هذا التطور يرجع إلى الكيفية التي استثمر بها الحزب قوته العسكرية ودوره الإقليمي في السياسة الداخلية.

ومن بين النتائج البارزة لهذا الاستثمار تطوير نشاطه السياسي من التمثيل البرلماني إلى المشاركة في الحكومة منذ عام 2005، وإبرام تحالف مع التيار الوطني الحر في العام التالي أعاد تشكيل السياسة الداخلية وأوصل حليفه ميشال عون إلى الرئاسة في عام 2016. وتُظهر التحوّلات التي طرأت على حالة حزب الله منذ التأسيس وصولاً لليوم التأثير الكبير لصراعه مع إسرائيل على ديناميكيات السياسة الداخلية. 

على الرغم من أن الحزب ما يزال يحتفظ بحيثيته الطائفية القوية، إلآّ أن عناصر القوة الأخرى لحالته تفقد تأثيرها بشكل متزايد.

إن العوامل، التي عززت حالة حزب الله العسكرية والسياسية ترتكز على ثلاثة عناصر رئيسية:

الأول، الحيثية الطائفية التي بناها لنفسه كممثل لغالبية الشيعية في لبنان ودوره الحاسم في جعلهم لاعباً مؤثراً في السياسة الداخلية بعد دخوله في تحالف مع التيار الوطني الحر في عام 2006. والثاني، توظيف دوره في التحرير مطلع الألفية الثالثة لإضفاء مشروعية على حالته كحركة مقاومة وتعزيز شرعية سلاحه في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة.

والثالث، الخلل الكبير الذي أصاب التوازن السياسي الداخلي بعد اغتيال رفيق الحريري والانسحاب السوري والانكفاء العربي الذي عزز حضور إيران في لبنان منذ تلك الفترة.

على الرغم من أن الحزب ما يزال يحتفظ بحيثيته الطائفية القوية، إلآّ أن عناصر القوة الأخرى لحالته تفقد تأثيرها بشكل متزايد.

إن انهيار تحالف السلطة الذي شكله مع التيار الوطني الحر والضربات الكبيرة التي تعرّض لها في الحرب الحالية مع إسرائيل وتصاعد الأصوات الداخلية التي ترفض توريطه للبنان في الحرب وتُطالب بمعالجته حالته المسلحة، تقوض قدرته على الاحتفاظ بدوره وتأثيره القوي في السياسة الداخلية. 

ما يزال الحزب يحتفظ بقوته العسكرية والتنظيمية على الرغم من الضرر الكبير الذي أصابه حتى الآن في الحرب. ومن المرجح أن يظل متماسكاً ويصمد في قتال طويل الأمد مع إسرائيل. مع ذلك، توجد الحرب مجموعة من التحديات الكبيرة التي لم يسبق له أن واجهها. وتتمثل هذه التحديات أولاً في الضغط المتزايد للحرب على بيئته الحاضنة، والذي يُمكن أن يتحول مع مرور الوقت إلى عامل يُهدد تأثيره القوي على هذه البيئة خصوصاً مع الآثار المُتعددة الأوجه للحرب على الشيعة. وثانياً في الانعكاسات القوية للحرب على السياسة الداخلية. لقد راهن الحزب في البداية على هذه الحرب لاستثمار نتائجها في الداخل من أجل فرض المرشح الذي يُريده لرئاسة الجمهورية، لكنّ النتائج العكسية التي حصدها حتى اليوم لم تعد تُساعده في رهن مصير رئاسة الجمهورية بالحرب. ويتمثل التحدي الثالث في المخاطر الكبيرة التي جلبتها حرب السابع من أكتوبر على إيران ودورها الإقليمي.

قد يعتقد حزب الله أن إبداء مرونة في السياسة الداخلية سيُعزز ضعفه الناجم عن الحرب وسيُفاقم من أضرارها على حالته كقوة مُهيمنة في تشكيل النظام السياسي، لكنّه يُشكل حاجة قبل أن يكون خياراً إذا ما أراد التعامل مع الوضع الجديد.

لا تعني هذه التحديات أن الحزب فقد زمام المبادرة في السياسة الداخلية على نحو كبير في المستقبل المنظور. لكن الاندفاعة الإسرائيلية القوية في تقويض حالته كقوة عسكرية والسياقات الإقليمية المتحولة المؤثرة في حالته مثل الدور الإيراني الإقليمي والاستنزاف المتزايد للوجود الإيراني في سوريا، تزيد من انكشاف الحزب على الجبهة الداخلية.

وتتوق قدرة حزب الله على الحد من أضرار الحرب على حضوره في السياسة اللبنانية بدرجة أساسية على مدى استعداده لإبداء مرونة مع خصومه في الداخل من أجل الخروج من الشلل السياسي وقبوله بمرشح رئاسي وسطي يُعيد في جانب التوازن للسياسة الداخلية ويُساعد في جانب آخر إنتاج سلطة جديدة قادرة على مخاطبة العالم وإقناعه بالضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب ومساعدة لبنان في إعادة الإعمار وفي إخراجه من الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها منذ سنوات. 

قد يعتقد حزب الله أن إبداء مرونة في السياسة الداخلية سيُعزز ضعفه الناجم عن الحرب وسيُفاقم من أضرارها على حالته كقوة مُهيمنة في تشكيل النظام السياسي، لكنّه يُشكل حاجة قبل أن يكون خياراً إذا ما أراد التعامل مع الوضع الجديد من منظور الحد من الضرر وليس من منظور الرهان على الصمود في حرب طويلة الأمد لتجنب التنازلات الداخلية. إن حقيقة أن إسرائيل تخوض هذه الحرب مع حزب الله لإعادة التهديد العسكري الذي يُشكله لها بشكل جذري تجعل رهاناته على حرب طويلة الأمد عالية المخاطر عليه وعلى دوره في السياسة اللبنانية. بقدر ما أن هذه الحرب أوجدت تحديات كبيرة على حزب الله، فإنها في المقابل توجد فرصاً له لإعادة تشكيل دوره السياسي الداخلي بطريقة تمزج بين التكيّف مع واقع الحرب وبين إدارة آثارها على السياسة اللبنانية. وكل يوم يتأخر فيه الحزب في تقديم مقاربة جديدة لدوره اللبناني لن يجلب له سوى المزيد من المخاطر.