في إحصائية صادرة عن نقابة الأطباء الألمانية، تصدّرت الطبيبات والأطباء من سوريا المرتبة الأولى مقارنة مع زملائهم الأجانب، وذكرت النقابة أنه ارتفع عدد الأطباء الأجانب العاملين في ألمانيا بنحو 3,585 (+6.8%) إلى 56,107 في عام 2020، ويأتي أكبر عدد من الأطباء الأجانب العاملين من سوريا (4,970) ثم رومانيا (4,514) تليها اليونان (2,723)، الاتحاد الروسي (2,424) وأخيرا النمسا (2,415)..
ولمحاولة فهم دلالات وأهمية هذا الرقم تواصلنا مع عدد من الأطباء العاملين في المشافي الألمانية، ومنهم الطبيب أحمد الحموي، الذي وصل إلى ألمانيا مطلع العام 2013، على الرغم من أنه كان يفضل البقاء داخل سوريا والعمل لمساعدة أبناء قريته في ريف حماة الشرقي حيث لا يوجد بها عيادة ولا مركز طبي ولا صيدلية، لكن حادثة مقتل الطبيب إسماعيل حيدر نجل وزير المصالحة الأسبق علي حيدر في أيار عام 2012 من قبل شبيحة قرية القبو، دفعته إلى البحث عن أي فرصة للهجرة خارج البلاد التي لم تعد آمنة، بحسب ما روى لموقع تلفزيون سوريا.
اندماج بزمن قياسي
واجه الحموي عقبات كثيرة قبل الوصول إلى درجة الاعتراف بشهادته من قبل السلطات الألمانية، وكذلك بالنسبة لتجاوز حاجز اللغة الذي يحتاج إلى اكتساب اللغة الطبية الألمانية أيضا، لكن اللغة العربية كانت نقطة قوة للأطباء السوريين كون الجالية العربية كبيرة في ألمانيا حيث يعيش ما بين 5.3 و 5.6 مليون مسلم حالياً في ألمانيا، جلّهم يتحدثون العربية، وهو ما يعادل 6.4 % حتى 6.7 % من إجمالي السكان وفقا لوزارة الداخلية الألمانية.
ويرى الحموي بأن تصدر الأطباء السوريين قائمة الأطباء الأجانب في ألمانيا يعكس صورة إيجابية عن طبيعة الجالية وتمكّنها من الاندماج في المجتمع بزمن قياسي مقارنة بجاليات بلدان أخرى، ويخفف من حدة أصوات اليمين المتطرف وخصوصا حزب بديل ألمانيا "AFD".
وناشد الحموي جميع أبناء الجالية العربية والسورية على وجه الخصوص لتنظيم أنفسهم عبر أحزاب وجمعيات ونواد تتيح لهم المشاركة في الحياة السياسية داخل مجتمعاتهم المستضيفة بشكل أكبر، وقال: "هذه الطاقات تبقى ضائعة ومبددة ما لم يتم تجميعها ضمن أحزاب تجعل من وجود السوريين في أوروبا بالعموم مفيدا للقضية السورية ويشكل نواة ضغط على صناع القرار في هذه البلدان لمحاولة إيجاد حل جذري في سوريا بالخلاص من نظام الأسد".
خبرات مستعدة للعودة فور رحيل النظام
لكن الطبيب صلاح الشيخ الذي يعمل في أحد مشافي مدينة ماينز جنوب غربي ألمانيا، أكد بأن "الخبرات العظيمة التي اكتسبها الأطباء السوريون في ألمانيا من شأنها أن تنهض بسوريا فيما لو تحسنت الظروف وتغير النظام الحالي لأنه من غير الممكن أن يعود أي لاجئ إلى سوريا ونظام الأسد ما يزال يجثم على صدور السوريين".
وأضاف الشيخ "للأسف مع مرور الزمن تصبح نسبة من يرغب بالعودة أقل لأنه يكون ارتبط أكثر بالبلد المستضيف من دون أن يشعر، ولا سيما أن كل طبيب يمتلك عائلة والتعليم هنا باللغة الألمانية تجعل من العوائل يترددون في مغادرة البلاد لصعوبة إكمال الطلاب دراستهم بلغات أخرى، حتى لو كانت العودة إلى بلدان عربية واللغة الأم لهم هي العربية، لكن الجيل الجديد اكتسبها كلغة محكية ولا يبذل الأهل الجهد الكافي لتعليمهم القراءة والكتابة".
ورأى الشيخ بأن "نظام الأسد يتحمل المسؤولية كاملة بتهجير كل سوري، ليس فقط الطبقة المتعلمة، وأن لكل سوري الحق بعودة كريمة تضمن عدم مساسه".
نصف دولار أجور المعاينة
الأطباء في سوريا وضع مادي متدهور
الطبيبة سعاد حمدون وصلت إلى ألمانيا مطلع العام 2019 عن طريق لم الشمل من قبل زوجها، ترى بأن البقاء داخل سوريا بات "ضربا من المستحيل" وتقول في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "بعيدا عن الوضع الأمني والخدمي الذي ينحدر نحو الأسوأ يوما بعد يوم، فإن الوضع المادي للأطباء بات هو الأسوأ بين باقي المهن، فالمتطوع في صفوف الشبيحة قادر أن يؤمن لمنزله كل احتياجاته من المواد التموينية الأساسية وكذلك الغاز، لكن الأطباء وباقي شرائح المجتمع يضطرون إلى شراء كل موادهم من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، وفي المقابل بقيت أجور معاينة المريض بحسب تسعيرة وزارة الصحة 2000 ليرة سورية أي نصف دولار أميركي وهذا الجانب دفع كثيراً من الأطباء للهجرة إلى الصومال حيث يتقاضى الطبيب ما يعادل ألفي دولار، والمحظوظ منهم وصل إلى أوروبا".
وأضافت حمدون أن "الجميع مدرك لصعوبة الوضع المتدهور للمنظومة الصحية داخل سوريا وأن مسؤوليتنا الإنسانية تجاه أبناء بلدنا لا تتاثر بالنظام الحاكم، لكن ليس باليد حيلة وقلة قليلة من الأطباء من هو قادر على الصمود في الداخل، وندرك بأن بلدنا يعاني من قلة عدد الكوادر الطبية، وتفاقم الأمر بعد جائحة كورونا، لكن عدداً كبيراً من الأطباء لجأ إلى السفر والهجرة، هرباً من الظروف المعيشية السيئة في البلاد".
وختمت حمدون بأن عدد الأطباء في بعض دول الخليج العربي وربما تركيا أكبر من العدد المذكور في ألمانيا لكن لا توجد إحصاءات صادرة بشكل رسمي من حكومات تلك البلدان، ما ينذر فعلا بخطورة المنظومة الطبية داخل سوريا التي ربما تنهار في أي لحظة.