وصل رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين يوم الخميس ليبحث عن دعم مالي يعيد من خلاله بناء بلده وليحسن صورته أمام العالم بعدما تحول إلى شخصية منبوذة بسبب الجرائم التي ارتكبها خلال الحرب السورية.
تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تسعى فيه الصين لتقديم نفسها كقوة لها نفوذ كبير في الشرق الأوسط، وكشريك للدول التي نبذتها الولايات المتحدة وتخلى عنها الغرب، وقد كان متوقعا أن يلتقي الأسد خلال هذه الزيارة بالرئيس الصيني شي جين بينغ.
لمحة عن العلاقات بين البلدين
تعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها للصين منذ عقدين تقريباً، وأتت في الوقت الذي يسعى فيه الأسد لإعادة رسم صورة نظامه على المستوى العالمي. حافظت الصين على علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري حتى عندما عزلت بقية الدول الأسد بسبب قمعه الوحشي للانتفاضة التي قامت ضده في فترة الربيع العربي ثم تحولت إلى حرب.
ولذلك اتُهم نظام الأسد بارتكاب جرائم مثل استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين، وتعذيب الآلاف من المعارضين في سجون سرية، ومحاصرة المدن والقرى خلال النزاع الذي خلّف أكثر من نصف مليون قتيل.
مع وصول الحرب السورية إلى نقطة الجمود، بدأ الأسد بالبحث عن استثمارات ليعمل على إعادة بناء سوريا، إذ قامت بعض عمليات إعادة الإعمار في ذلك البلد الذي دمرته الحرب، لكنها ماتزال محدودة للغاية، وذلك بسبب العقوبات الغربية الشاملة التي فرضت على سوريا. ثم إن الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية ترفض تمويل أي عملية لإعادة الإعمار في سوريا قبل التوصل لتسوية سياسية بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة.
لا أحد يرجح أن تفرض الصين شروطاً سياسية على مشاركتها في إعادة إعمار سوريا، فقد دعمت الأسد على موقفه هي وروسيا منذ بدء الحرب في سوريا، وذلك عبر الاستعانة بحق النقض أمام الأمم المتحدة، إذ كانت آخر مرة استخدمت فيها الصين هذا الحق في عام 2020 وذلك لتعرقل قرارات متعلقة بسوريا.
تشبث الأسد بالسلطة وعاد ليسيطر على معظم أنحاء سوريا بدعم من روسيا وإيران، لكنه أصبح يترأس اليوم دولة فقيرة ومدمرة تعاني من أزمة اقتصادية وتتجدد فيها المظاهرات المطالبة بطرده.
مظاهرة مناهضة للنظام خرجت في السويداء في مطلع الشهر الجاري
في عام 2022 أعلن الأسد بأن سوريا ستنضم إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما أثنى على الصين ودورها في التوسط لعقد اتفاقية بين إيران والسعودية تقضي بإحياء العلاقات بين البلدين في شهر آذار الماضي. وشهد شهر أيار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، على الرغم من توقف الجهود الساعية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول بشكل كامل.
ماذا حدث بعد ذلك؟
وصل الأسد إلى هانغتشو الصينية ومن المزمع أن يحضر فعاليات دورة الألعاب الآسيوية التي افتتحت يوم السبت في تلك المدينة الواقعة شرقي الصين. بيد أن الأسد وصل إلى الصين والأمل لديه كبير بما ستقدمه بكين لبلده، إن لم يكن هذا الأمل يفوق حجم توقعاته بكثير، وعن ذلك تقول جوليا غورول-هولار، وهي باحثة في جامعة ألمانية: "الأمل هنا يدور حول استعانة الصين بدورها من جديد كوسيط وميسر بين سوريا وتركيا وإيران وروسيا وذلك لإعادة سيطرة نظام الأسد على كامل البلد".
وعلى المدى البعيد، تتطلع الصين لوضع يدها على ميناء اللاذقية في سوريا، بما أنه ميناء يتمتع بأهمية استراتيجية ترضي طموحاتها في ترك موطئ قدم لها على البحر المتوسط بحسب ما تراه الدكتورة غورول-هولار، إلا أن الصين ماتزال حتى الآن تتحلى بالحذر الشديد، ولهذا بقيت استثماراتها في سوريا متواضعة.
ما أهمية الزيارة للصين؟
تعتبر زيارة الأسد بمنزلة فرصة لبكين حتى تبرز قوتها الدبلوماسية في الوقت الذي تتعرض فيه لمنافسة شرسة من قبل الولايات المتحدة على النفوذ الجيوسياسي، ويشمل ذلك منطقة الشرق الأوسط.
عندما زار محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بكين خلال شهر حزيران الماضي، عرضت عليه الصين أن تتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن المتوقع أن يُعرض العرض نفسه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما يزور الصين في أواخر هذه السنة.
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع الرئيس الصيني شي جين بينغ
غير أن قدرة الصين على التوسط في اتفاقيات بين دول بينها ما صنع الحداد في المنطقة ماتزال محدودة، وذلك لعدم تمرسها ومعرفتها بذلك بحسب ما يراه جوناثان فولتون، وهو عضو رفيع لدى المجلس الأطلسي، ولهذا يقول: "يتلخص الجزء الأكبر بقدوم رئيس دولة آخر إلى بكين ليقول: سنوقع على هذه المبادرات، ونتفق مع رؤية الصين في شكل وطريقة عمل السياسة الدولية".
المصدر: New York Times