بعد أيّامٍ من الدراسة والنقاش الإسرائيلي الداخلي، ردّت تل أبيب على استهداف طهران لها, ورغم أن المسيّرات الإيرانيّة أُسقط معظمها قبل وصولها الأراضي الفلسطينية المحتلّة إلا أنها كانت أمراً يستدعي الردّ الإسرائيلي الذي حصل بالفعل لكن بطريقة مدروسة مسبقاً بحسب تصريحات إسرائيلية تحدّثت عن تأجيل الرد ليكون مناسباً.
وهنا نحاول أن نقرأ ما تريده تل أبيب من ردها الأخير.
عمد الكيان الإسرائيلي على الرد بمسيّراتٍ استهدفت أراضي إيران وهو ما يوازي إطلاق إيران للمسيرات نحو تل أبيب، وزاد على ذلك بأن المسيّرات وصلت أصفهان قرب مشاريع المفاعلات النوويّة الإيرانية وهو ما دفع طهران للتصريح بسلامة تلك المشاريع، كما أن واشنطن القلقة من تصاعد الصراع تحدث مسؤولون فيها عبر سي إن إن عن كون المواقع النووية والمدنية الإيرانية لم تكن ضمن الأهداف الإسرائيلية.
إلى هنا ينتهي الرد الإسرائيلي على هجوم إيران بالمسيرات وهو أيضاً ما أشارت له سي إن إن نقلاً عن مصدر استخباري إقليمي قال إن الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيران انتهت أي ما يعني انتهاء استهداف كيان الدولتين والعودة إلى الرسائل والضربات غير المباشرة.
العودة إلى المربّع الأوّل
الرد الإسرائيلي المخطط له والمدروس تزامن مع ضربات جويّة استهدفت مواقع تتبع لنظام الأسد في الجنوب السوري وهي مواقع يُشتبه بوجود دور لإيران فيها وهي مطار الثَعلة العسكري والمطار الزراعي قرب مدينة إزرع وكتيبة الرادار الواقعة بين محافظة درعا والسويداء والتي تعرضت عدة مرات للقصف من قبل تل أبيب.
تعود إسرائيل فيما يبدو إلى مربعها الأوّل بعد أن صعّدت لدرجة كبيرة حين قصفت قنصلية إيران في سوريا وهو تصعيد استفادت من خلاله عدة نقاط منها معرفة سقف جاهزية طهران للمواجهة ورفع صوتها في وجه إيران التي يبدو أنها لم ترتدع من ضربات كانت تنفذها تل أبيب في سوريا وأيضاً أوصلت تل أبيب رسالتها لواشنطن التي تتأخر بالرد على تحركات إيران في سوريا والمنطقة.
استراتيجية إيران المُقبلة
بالحديث عن رؤية تل أبيب لا يمكن تخمين رؤية طهران التي كانت تحتفظ بحق الردّ مقابل المضي باستراتيجيات أكثر بعداً إلى حين وصول الاستهداف لقنصليتها ما اضطرها للرد بشكل مباشر.
الآن وبعد انتهاء جولة التصعيد بين الطرفين التي وتّرت المنطقة يبدو أن المرجّح هو العودة لما قبل استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق وهذا أمرٌ يرتبط برغبة الطرفين بالتهدئة، ففي حال ارتدعت إيران عن ممارساتها التي استدعت بالأصل تل أبيب لقصف قنصليتها سيكون هناك فرصة بالفعل لعودة تل أبيب عن التصعيد ولكن الأمر سيبدو عكسياً تماماً في حال ردت إيران من جديد أو حتى استمرت بنشاطها في المنطقة بشكل من الأشكال فما تطلبه إسرائيل اليوم هو هدوء الجميع لحين فراغها من حربها ضد غزّة.
من المحتمل أن تعود طهران عن مخططاتها الاستراتيجية بشكل مؤقت لتفادي الصدام مع إسرائيل الغاضبة والانتظار حتى يزول غضب تل أبيب من ممارسات إيران في المنطقة وإنهاء حربها في غزّة التي أثارت الغرائز الإسرائيلية بالأصل..
من المحتمل أن تعود طهران عن مخططاتها الاستراتيجية بشكل مؤقت لتفادي الصدام مع إسرائيل الغاضبة والانتظار حتى يزول غضب تل أبيب من ممارسات إيران في المنطقة وإنهاء حربها في غزّة التي أثارت الغرائز الإسرائيلية بالأصل، ولكن المستبعد أو المستحيل هو عودة طهران عن استراتيجيتها في المنطقة التي وصلت إلى مراحل غير مسبوقة من الوجود والقوّة بسبب سنوات من العمل الدؤوب والتخطيط والبذل العسكري وهي قوّة بدأت تظهر نتائجها بالفعل فإيران اليوم تفاوض على أمن تل أبيب بل وعلى أمن دول أخرى لا تجتمع معها بحدود وهو سقف عالٍ لن تتخلى عنه إيران بسهولة أو ربما لن تتخلى عنه مُطلقاً.
من منظور أوسع تبدو إيران اليوم بالنسبة لروسيا والصين محط توجه فعلي يمكن من خلاله الضغط على مصالح أميركا، التي تدرك ذلك وتحاول استيعاب هذه القوة التي أصبحت فرضاً في المنطقة بدءاً من العراق إلى سوريا ولبنان.
المحصّلة
تعيش المنطقة أكثر منعطفاتها خطورة حيث تقف عند نقطة الحرج بعد استشعار اسرائيل للخطر بل واستشعارها الغيرة من قوة إيران الناعمة في منطقة كانت ترى نفسها المتحكم فيها بالقوّة ليظهر خلاف ذلك من تجربة إيران التي استطاعت التحكّم بالمنطقة بأسلوب مختلف، وبدأت تطرح نفسها في السوق الدوليّة كجهة يمكنها تمرير مصالح الجميع بخسائر أقلّ من التي يمكن أن تفرضها قوى أخرى.