بين تنظيم متشدد يحاول طرح نفسه بصيغة جديدة وحزب ورقيّ متعصّب لأفكار ثابتة، نشأت في إدلب علاقة تنافر بين هيئة تحرير الشّام وحزب التحرير.
فمنذ تشكيل هيئة تحرير الشّام ثم البدء بالتعامل مع تركيا والانفتاح نحو دول عدّة تصاعد خطاب حزب التحرير تجاه قرارات الهيئة السياسيّة ووضع الحزب هيئة تحرير الشّام في عدّة مواقف حرجة لا سيما أمام تركيا وهنا بدأت هيئة تحرير الشام تستشيط غضباً من الحزب الذي لم يحمل السلاح ضد نظام الأسد بحسب ما يقول عناصر الهيئة.
عدّة حملات اعتقال نفّذتها هيئة تحرير الشّام ضد شخصيّات من حزب التحرير كان أوسعها في عام 2023 حيث اعتقل جهاز الأمن العام التابع للهيئة قرابة سبعين عضواً من الحزب وهي الشخصيّات التي يطالب اليوم بها المتظاهرون من حزب التحرير بعيداً عن مطالب أخرى يتبناها الحراك الثوري الذي تضرر بشكل ما من هذا الصّدام.
الشبه بين دور حزب التحرير وهيئة تحرير الشام في ثورة السوريين
مع بروز دور حزب التحرير في المظاهرات المستمرّة في إدلب لا سيما الاعتصام الأخير أمام المحكمة العسكرية الذي فضّته القوى الأمنية التابعة لتحرير الشّام بالقوّة يعود لمخيّلة السوريين دخول الهيئة في بداية حراكهم تحت اسم جبهة النّصرة وتحت شعارات مؤازرة إخوانهم المظلومين ومحاربة الظالمين.
ثم ما لبثت جبهة النّصرة حتّى بدأت بتصفية فصائل الجيش الحر والقتال معها واستخدام العنف ضدّها عدا عن الأضرار التي ألحقتها بصورة الثورة السوريّة لدى الكثير من داعميها الذين يرون المشهد عن بعد.
اليوم يتكرر المشهد مع حزب التحرير الذي يحاول استغلال حراك ناشطي محافظة إدلب لتحقيق مطالبه ويقف الناشطون بذات الموقف الذي عاشوه حيال جبهة النّصرة حين أدركوا خطورتها وعجزوا عن تغييبها عن المشهد.
لا تتعلّق الرواية بالناشطين بقدّر تعلّقها بهيئة تحرير الشّام التي تبدي استهجانها من وجود أطراف متشددة في مطالبها كحزب التحرير وهي التي شوشّت حراك الثورة السورية بل وتستمر حتى اليوم بفعل ذلك رغم تلوّنها بألوانٍ جديدة لكن الضرر الذي أحدثته سابقاً لم ينزع عنها صفة القاعدية أمام المجتمع الدولي بل ولم يخرج الفكر من عقول المنتمين إليها حتّى الآن.
ومن بوابة حزب التحرير تبيح هيئة تحرير الشّام لنفسها القمع بحكم تشتت المشهد عن المطالب المحقّة ويتعهد وزير داخليتها بالضرب بيد من حديد ويهتف عناصرها الأمنيون شعارات لطالما كرروها ضد فصائل الجيش الحر التي حاربتها جبهة النّصرة أو تحرير الشّام وكأنّهم كانوا مضطرين للسكوت حتّى جاءهم مخرج حزب التحرير ليضربوا من خلاله الحراك السلمي المعتدل.
حراك إدلب والوعي المجتمعي
شكّلت تجربة أبناء المحافظة قاعدة معرفية لدى أبناء إدلب بطرق مخاطبة سلطة تميل للعنف وهنا لا تتعدى مطالب المحتجّين في إدلب سقف التغيير لرأس هيئة تحرير الشّام وتخفيف القبضة الأمنية وتعزيز دور المؤسسات بل وأكثر من ذلك يتبنى ناشطو إدلب رواية تقول إنه لا مشكلة لديهم مع حكومة الإنقاذ في حال بقيت تدير المنطقة مع فتح المجال لاشتراك أبناء المحافظة وضيوفها من أبناء الثورة في إدارة المؤسسات.
تركيز المطالب وتنظيمها من قبل المحتجّين يضعهم في رتبة أعلى من هيئة تحرير الشّام وغيرها من التيّارات بل تحافظ على أمنهم بعيداً عن القمع إلى حدٍ ما، فالمنعكسات التي ستترتب على هيئة تحرير الشّام في حال مواجهتهم بشكل أعنف قد تودي بحكم الجولاني الباحث عن مخرج هنا وهناك إذ سيكون التعاطف الشعبي مختلفاً عن التعاطف مع حزب التحرير.
سيشكّل اشتراك حزب التحرير في احتجاجات إدلب مخرجاً للجولاني وسيزيد من حدّة عناصره ومؤيده للضرب بيد من حديد قدر المستطاع ضد أي مساند وسيشتت اشتراك حزب التحرير في الحراك السلمي رؤية فئة داخل صفوف الثورة في إدلب وهو ما يفسّر صمت عدد من الناشطين الإعلاميين وهدوء بعض وجهاء إدلب عن المظاهرات والدعوة لها إلى حدٍّ ما.