icon
التغطية الحية

نقاش تركي حول "التهديد الإسرائيلي".. حقيقة أم مناورة سياسية؟

2024.10.11 | 15:01 دمشق

البرلمان التركي
+A
حجم الخط
-A

ناقش البرلمان التركي في جلسة مغلقة "التهديد الإسرائيلي" للأراضي التركية، يوم الثلاثاء 8 تشرين الأول/أكتوبر، بناءً على طلب من رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوغور أوزال. جاءت الدعوة للجلسة بهدف بحث تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة حول ما وصفه بالتهديد الإسرائيلي الذي يستهدف تركيا. شهدت الجلسة حضور وزراء من الحكومة، وممثلي الأحزاب السياسية، إلى جانب عدد من النواب في البرلمان. وأفادت وسائل الإعلام التركية أنه تم إغلاق جميع الغرف والمكاتب الإعلامية المحاذية للمجلس، وتم إخراج الصحفيين والعاملين منها بالتزامن مع بدء الجلسة، مما عزز من طابع السرية المحيط بها.

تصريحات أردوغان تشعل الجدل حول سياسات إسرائيل

بدأ الحديث عن التهديدات الإسرائيلية ومناقشة مدى خطورتها على تركيا بعد تصريحات الرئيس التركي خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية في 15 أيار/مايو الماضي. صرح أردوغان حينها أن "حماس تدافع عن الأناضول في غزة" محذرًا من أنه "إذا لم يتم إيقاف هذه الدولة المتوحشة، فسوف يوجهون أنظارهم عاجلاً أم آجلاً إلى الأناضول من أجل وهم الأرض الموعودة". كما كرر أردوغان هذا الحديث في مناسبات أخرى، كان آخرها خلال افتتاح معرض تكنوفست في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر. هذه التصريحات أثارت قلق المعارضة ودفعها للمطالبة بمناقشة هذا الموضوع بشكل رسمي في البرلمان.

بعد انعقاد الجلسة المغلقة، صرح رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزال، في مقابلة صحفية قائلاً: "ما قيل في الجلسة لم يضف أي جديد على ما يُقال في وسائل الإعلام حول التهديد الإسرائيلي. لم يتم تقديم أي معلومات ملموسة حول احتمال تعرض تركيا لهجوم في الوقت القريب". وأضاف أن تصريحات أردوغان حول التهديد الإسرائيلي تأتي في سياق تحويل الأنظار عن التحديات الداخلية التي تواجهها تركيا. وقال: "في ظل عدم قدرة أردوغان على توحيد صفوف حزبه أو معالجة القضايا الاقتصادية المتدهورة في البلاد، يلجأ إلى الحديث عن خطر التهديد الإسرائيلي كوسيلة لتوجيه الأنظار بعيدًا عن المشكلات الحقيقية".

دعم الصحفيين لموقف أردوغان

في المقابل، دعم الصحفي التركي عبد القدير سيلفي، المقرب من الحزب الحاكم، رؤية الرئيس أردوغان حول وجود تهديد إسرائيلي على تركيا. في مقال نشره في صحيفة Hürriyet التركية، قال سيلفي: "إن نتنياهو بنى استراتيجيته بأكملها على هذا الأساس، لكن البعض منا ما زال يصر على عدم فهم ذلك. وعندما بدأت حرب غزة، قال أردوغان: الدفاع عن الأناضول يبدأ من غزة، ولم يفهموا ذلك"، مشيراً إلى المعارضة التركية. وأكد سيلفي أن الحرب التي بدأت في غزة امتدت إلى لبنان وسوريا، مشيراً إلى أنها تحولت إلى حرب إقليمية غير مُعلَنة.

من جهة أخرى، تناول الصحفي التركي عثمان باكسوت في مقال له في صحيفة T24 التركية فكرة التهديد الإسرائيلي، قائلاً: "هناك تهديد إسرائيلي. وسواء انخرطت إسرائيل في استهداف تركيا بشكل مباشر أم لا، فإن انتشار الحرب وعدم الاستقرار في المنطقة يشكل تهديدًا لتركيا في حد ذاته. ولا ينبغي لنا أن نبالغ أو نقلل من شأن الضرر المحتمل الذي قد تلحقه إسرائيل بتركيا، ولا ينبغي لنا أبداً أن نستخدمه كأداة للسياسة الداخلية". وأضاف باكسوت: "إن أساس تقييم التهديد هو الإمكانيات والقدرات، وليس النوايا. لأن النوايا يمكن أن تتغير بين عشية وضحاها. لكن من غير الممكن لإسرائيل حتى في أقصى تطلعاتها، أن تهزم تركيا في حرب تقليدية أو أن تحتلها أو تضم المناطق التي تحتلها".

التهديد النووي

كما أشار باكسوت إلى أن "الجمهورية التركية ليست سيناء أو غزة أو الجولان أو لبنان. ولا تمتلك إسرائيل القدرة العسكرية لمواجهتها. وإذا تمت المواجهة في حرب لم تتدخل فيها أي قوة أخرى، فإن الحرب ستؤدي إلى اختفاء دولة إسرائيل. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة في هذه الحالة ستحاول التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ولكن إذا فشلت وكان عليها الاختيار، فإنها ستنحاز إلى إسرائيل". وأوضح أن التهديد الإسرائيلي لتركيا يرتبط بإمكانية إنشاء دولة إرهابية في المناطق التي تسيطر عليها قوات حماية الشعب في الشمال السوري، بدعم من الولايات المتحدة. وأكد أنه إذا لم يتحقق تعاون بين تركيا وسوريا، فإن هذه الدولة المدعومة أميركيًا قد تعلن استقلالها، ما يفتح ممرًا من شرق سوريا إلى إسرائيل تحت حماية القوات الأميركية. ويضيف أن هذا قد يؤدي إلى تعزيز العلاقات العسكرية والتجارية بين هذه الدولة وإسرائيل، مما يمنحها منفذًا إلى البحر الأبيض المتوسط. لذا، فإن التهديد الإسرائيلي لا يتعلق بهجوم مباشر، بل بدعمها للتشكيلات التي تمثل خطراً على تركيا على المدى المتوسط والطويل.

أشار باكسوت أيضاً إلى التهديد النووي الذي تشكله إسرائيل قائلاً: "العالم يعرف أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، لكني لا أعتقد أنه من المحتمل أن تقدم على شن هجوم نووي على تركيا، لأن أي اعتداء نووي على إحدى دول حلف الناتو يستدعي رد فعل مماثل أو حتى قاسي من الدول الأعضاء في الحلف". وذكر أن الحلف ملزم بموجب المادة الخامسة من ميثاقه، التي تنص على أن أي اعتداء على عضو فيه يُعتبر اعتداءً على جميع الأعضاء.

وكتبت الصحفية بارتشين يانيش تعليقاً على الأوضاع في المنطقة، قائلة: "هناك حريق كبير حولنا ويجب متابعة التطورات عن كثب. لكنني أخشى حالة الطوارئ التي يريد حزب العدالة والتنمية خلقها من خلال التهديد الإسرائيلي وتصويره الحالة كما لو أن تركيا ستذهب إلى الحرب؛ وهو بذلك يريد صرف الانتباه عن المشاكل الحقيقية في البلاد. ولا ينبغي للمعارضة على وجه الخصوص أن تقع في هذا الفخ".

من جانبه، أشار رئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، في مقابلة تلفزيونية مع قناة CNN TÜRK إلى خطورة التهديدات الإقليمية والعالمية، قائلاً: "الحديث عن تهديدات إقليمية وعالمية لم يعد يشير إلى مسائل بعيدة جدًا خاصة بعد الهجوم على لبنان". وأكد كورتولموش على القرب الجغرافي بين لبنان وتركيا، مضيفاً: "عندما تصعد من جبل سمنداغ في هاتاي، على الجانب الآخر، على بعد 60-70 كم، أي 2.5 ساعة، هو المكان الذي تسميه لبنان، أي أن الحريق أتى إلينا من الآن فصاعداً".

وشدد كورتولموش على ضرورة اليقظة ضد ما وصفه بـ "حفرة النار" التي فتحتها إسرائيل في المنطقة، داعياً إلى ضرورة تعزيز وحدة الشعوب في مواجهة هذا الخطر، ومشيراً إلى أهمية الحلول المشتركة بين دول المنطقة رغم الخلافات السياسية. وأوضح أنه ينبغي التحرك سياسياً لوقف هذه التهديدات، إضافة إلى دعم الجبهات الإنسانية التي نزلت إلى الشارع في الدول الغربية دعماً للشعب الفلسطيني، رغم مواقف حكوماتها.

العلاقات التركية-الإسرائيلية

شهدت العلاقات التركية-الإسرائيلية تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد دعوة أردوغان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة تركيا في تموز/يوليو 2023، إلا أن الزيارة تأجلت لأسباب صحية. كما جمعهما لقاء على هامش الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 أيلول/سبتمبر 2023. ومع ذلك، تغير موقف أنقرة تجاه إسرائيل بشكل كبير بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث حظرت تركيا العلاقات التجارية مع إسرائيل، وتبادلت التصريحات المهاجمة مع المسؤولين الإسرائيليين، وبلغت الأمور حد تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس لأردوغان بـ"مصير صدام حسين".