عملت منظمة الصحة العالمية على تطوير تدخل رقمي جديد معني بالصحة العقلية، يعرف باسم Step-by-Step/خطوة بخطوة، وذلك بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة العقلية لدى وزارة الصحة اللبنانية وغيره من الشركاء، وقد أثبت هذا التدخل فعاليته في الحد من حالات ونسب الاكتئاب بين صفوف اللاجئين السوريين في لبنان، بحسب دراسة نشرتها مجلة بلوس ميديسن.
وهذه الدراسة التي اعتمدت على عينة عشوائية، ودعمتها منظمة الرها لأبحاث الصحة في الأزمات الإنسانية، أجريت بين صفوف السوريين في لبنان ممن يعانون من اكتئاب ومن ضعف وتراجع في الوظائف الحيوية.
وقد توصلت تلك الدراسة إلى نتيجة مفادها بأن الأشخاص الذين تلقوا تدخلاً رقمياً بوساطة توجيه عن بعد من قبل مقدمي مساعدة غير مختصين ولكنهم مدربون، قد تراجعت نسب الاكتئاب لديهم بشكل كبير، كما تحسنت وظائفهم الحيوية بعد ذلك التدخل، وذلك مقارنة بمن تلقوا رعاية معتادة معززة ضمن المجموعة التي تمت مراقبتها وإجراء الدراسة عليها.
فقد أظهر الأشخاص الذين تلقوا تدخل خطوة بخطوة تحسناً بالنسبة لأعراض القلق، وكرب ما بعد الصدمة، والصحة العامة، والمشكلات الشخصية، وبقيت حالة التحسن تلك طوال ثلاثة أشهر من المتابعة. أي أن هذه الدراسة أتت لتدعم النتائج التي ترتبت على تجربة موازية لتدخل خطوة بخطوة أجريت على اللبنانيين وغيرهم من الأشخاص الذين يعيشون في لبنان، حيث أظهرت تلك العينة أيضاً نتائج إيجابية مماثلة.
بالأرقام والنسب
جميع من أدرجوا في تلك العينة كانوا من السوريين البالغين، وعددهم 569 شخصاً، وكلهم أتوا من سوريا. وقد كان متوسط عمر المشاركين في تلك الدراسة 31.5 سنة، وغالبيتهم من النساء (58.3%)، وغالبيتهم متأهلون (70.1%)، وغالبيتهم أنهوا دراستهم الابتدائية (32.0%) أو الثانوية (36.7%)، وغالبيتهم كانوا عاطلين عن العمل (58.7%).
ونصف المشاركين في تلك الدراسة حصلوا على تدخل خطوة بخطوة الموجه الذي رعته منظمة الصحة العالمية والذي أتى على شكل تطبيق هجين بالنسبة لنظام التشغيل آي أو إس/iOS وأندرويد، ومتصفحات الإنترنت الأخرى، كما حصل النصف الآخر منهم على رعاية معتادة معززة فقط (وتتألف من تثقيف أساسي بالصحة النفسية والإحالة إلى الرعاية التي تعتمد على أسس علمية دقيقة).
تنسيق قدمه غير متخصصين ولكنهم مدربون ضمن بيئة رقمية
يتألف تدخل خطوة بخطوة من تدخل رقمي مؤلف من خمس جلسات صممته منظمة الصحة العالمية لمعالجة الاكتئاب عبر أي جهاز متصل بالإنترنت، مع تقديم دعم بشكل أسبوعي (من خلال مكالمة مدتها 15 دقيقة أو رسائل نصية مثلاً)، وذلك من قبل مقدمي مساعدة غير مختصين ولكنهم مدربون.
ويقدم هذا التدخل تثقيفاً بالصحة النفسية وتدريباً بالنسبة للنشاط السلوكي (مثل القيام بأنشطة أكثر متعة)، وذلك من خلال قصة مصورة، بالإضافة إلى أساليب علاجية إضافية مثل إدارة الضغط، والتدرب على الشعور بالامتنان، والحديث إلى النفس بصورة إيجابية، وتمتين الدعم الاجتماعي، ومنع ظهور أي انتكاسة.
ويشتمل تدخل خطوة بخطوة على خمس جلسات تضم قصصاً مصورة مزودة بتسجيلات صوتية للنص المخصص للوصول إلى الدعم. وتقسم كل جلسة إلى ثلاثة أقسام صغيرة، تستغرق جميعها وسطياً 20 دقيقة حتى يتم استكمالها. ويمكن فتح كل جلسة بعد أربعة أيام على إنهاء الجلسة السابقة وذلك لمنح الشخص الوقت الكافي للتدرب على المهارات والتمارين التي تعلمها في الجلسة السابقة. ولهذا ينصح المستخدمون باستكمال الجلسة الواحدة (بأجزائها الثلاثة) خلال أسبوع واحد.
إمكانية التوسع بالتدخل ليشمل نازحين آخرين
بناء على الأثر الذي لوحظ في الدارسة التي أجريت حول الاكتئاب وضعف الوظائف الحيوية والقلق وكرب ما بعد الصدمة، والصحة الشخصية والمشكلات التي يحددها المرء بنفسه، تبين بأن تدخل خطوة بخطوة يمكن أن يقدم من قبل مقدمي مساعدة غير مختصين ولكنهم مدربون، للجاليات التي تضم نازحين ممن لديهم القدرة على الوصول الرقمي إلى ذلك التدخل.
إذ أظهرت نتائج العينة بأنه يمكن لهذا التدخل أن يصبح جزءاً من استراتيجية فعالة لتحسين الصحة العقلية بين صفوف النازحين الآخرين الذين لديهم القدرة على الوصول الرقمي.
كما يهدف البرنامج الوطني للصحة العقلية في لبنان إلى توسيع الرعاية الصحية العقلية بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للصحة العقلية، إلا أن الموارد المتوفرة محدودة. وبناء على تلك النتائج ونتائج لتجربة موازية أجريت على اللبنانيين وغيرهم من الأشخاص الذين يعيشون في لبنان، وسّع البرنامج الوطني للصحة العقلية في لبنان من ذلك التدخل على النطاق المحلي بحيث أصبح بوسع كل البالغين في تلك الدولة الوصول إليه.
الحاجة الماسة للدعم المعني بالصحة العقلية بين صفوف اللاجئين
بلغ عدد النازحين قسرياً 89.3 مليون نسمة بنهاية عام 2021، ومن المقدر أن يرتفع هذا العدد ليتجاوز 100 مليون نسمة، نظراً للأحداث التي وقعت مؤخراً على مستوى العالم.
فقد تسببت الحرب السورية بنزوح 6.8 ملايين لاجئ، إذ يستضيف لبنان اليوم، الذي يقترب عدد سكانه من سبعة ملايين نسمة، نحو 840.900 نازح سوري. ولكن بعد الهروب من البلاد بحثاً عن الأمان، يصبح النازحون عرضة لمصاعب مستمرة، منها عدم تلبية احتياجاتهم الأساسية، وعائق اللغة، والشك بالمستقبل، والعزلة الاجتماعية، والتمييز. ونتيجة لذلك يصبحون عرضة للأمراض العقلية، مثل الاكتئاب والقلق وكرب ما بعد الصدمة.
ولقد أشارت تقديرات إلى أن 22% من السوريين في لبنان وهم من النازحين والمتضررين بسبب الحرب يعانون من أعراض اكتئاب تتراوح بين المتوسطة والشديدة، وبالرغم من أن الاكتئاب وغيره من الاضطرابات العقلية الشائعة تعتبر سبباً مهماً للشعور بالعجز، إلا أن الأغلبية الساحقة من النازحين لا يتلقون أي معالجة طبية، إذ ذلك ما يحدث في الدول ذات الدخل المتوسط والمحدود، حيث يتلقى شخص واحد من بين 27 شخصاً يعانون من الاكتئاب معالجة قائمة على أسس علمية، في حين أن أقل من 1 من بين كل ألف نازح يطلب المساعدة من الخدمات الصحية بخصوص الاضطرابات العقلية الشائعة. غير أن تلك الدراسة تشير إلى أن تدخل خطوة بخطوة يمكن أن يسهم بشكل كبير في معالجة وملء تلك الثغرة في العلاج الطبي.
المصدر: منظمة الصحة العالمية