كتبت الصحفية التركية "ناجيهان ألجي" تقريراً تناولت فيه تفاصيل مهمة عن حياة السوريين المقيمين في تركيا وما يحيط بهم، وذلك من خلال زيارة أجرتها في الـ5 من شهر كانون الثاني الجاري إلى مقر تلفزيون سوريا في إسطنبول، حيث التقت بالعديد من إعلاميي وموظفي القناة بينهم المدير العام، حمزة المصطفى.
وفيما يلي نصّ التقرير الذي أعدّته الصحفية في "خبر ترك"، ناجيهان ألجي:
"رغم أنها من أكثر المواضيع المثيرة للجدل في السياسة حالياً، إلا أننا بالكاد نعرف السوريين الذين يعيشون في تركيا، والذي يبلغ عددهم 3 ملايين و 700 ألف بحسب الإحصاءات الرسمية، و4 - 5 ملايين بحسب التقديرات.
ويبدو الأمر كما لو أننا نعيش في البلدِ نفسه ولكن على كوكبين مختلفين، فكم منا على تواصل مع سوري واحد؟ من منا لديه علاقة صداقة مع سوري؟ ناهيك عن الصداقة، وباستثناء الأقاويل المنتشرة، نحن لا نعرف شيئاً عن نوع الحياة التي يعيشونها في إسطنبول.
وهذا الأمر يبدو غريباً جداً بالنسبة لي، بصرف النظر عن رأيك في سياسة تركيا تجاه السوريين، ولكنني أعتقد بأن بناء جدران زجاجية بيننا وبين الأشخاص الذين نعيش معهم ونتنفس الهواء نفسه يجعلنا طرفين خاسرين.
ومن الواضح أن الحكومة ارتكبت أخطاءً جسيمةً في سياستها المتعلقة بالهجرة، كان من الواجب أن يتم إنشاء بنية تحتية تمنع الهجرة غير النظامية، والعمل أيضاً بطريقة مخططة بشكل أكبر لضمان اندماج أولئك الذين يأتون إلى هنا.
ومع ذلك، أنا على قناعة بأن تحميل أخطاء السياسة على أكتاف الذين فروا من الخطر في بلادهم هو أمر خاطئ، ولكن إذا كان من بين هؤلاء الأشخاص بعض المتورطين في جريمة ما أو ينتهكون السلم الاجتماعي، فيجب بالطبع اتخاذ إجراءات ضدهم، وإذا لزم الأمر يجب ترحيلهم.
ولكن، يتوجب علينا أن نتعرف بشكل أفضل إلى السوريين الذين يعيشون هنا منذ أكثر من 10 سنوات.
وبهذا الدافع، ذهبت يوم الأربعاء إلى تلفزيون سوريا، أكبر منصة إعلامية تم إنشاؤها في تركيا، والتي أسست في عام 2018 بدعمٍ من دولة قطر، ومقرها في حيّ "صفا كوي" بإسطنبول.
ويخاطب تلفزيون سوريا السوريين داخل سوريا وفي الشتات، وخاصة في تركيا. بالإضافة إلى السياسة، فإنه يقدم أيضاً برامج الاقتصاد والفنون والثقافة والترفيه. كما يوجد فيه أيضاً من 10 إلى 15 موظفاً تركياً.
قمنا بزيارة جميع الاستوديوهات والغرف الفنية مع حمزة المصطفى المدير العام للتلفزيون. تحدثت معه ومع العديد من الأشخاص، ابتداءً من المصور إلى مدير الاستوديو.
كم عدد الأشخاص الذين يتلقون المساعدة الحكومية؟
سألتهم عن حياتهم هنا، وعن أفكارهم حول رد الفعل المتزايد والمزاعم ضدهم، من عدم الانتظار في طابور المشافي إلى تلقي الأموال من الدولة.
يوجد اليوم 25 منصة إعلامية مختلفة أنشأها عرب جاؤوا من دول عربية مختلفة واستقروا هنا في إسطنبول، ثلاثة من تلك المنصات تابعة للسوريين وهي: تلفزيون سوريا، أورينت، وحلب اليوم.
وتبث أورينت حالياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، لكن من الممكن الوصول إلى تلفزيون سوريا وقناة حلب اليوم عبر الأقمار الصناعية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهم ينشرون باللغة العربية.
يتحدث معظم موظفي قناة سوريا اللغة التركية بمستوى جيد. سألتهم أولاً عن الادعاء القائل بأن "السوريين يتلقون أموالاً من الدولة"، كما سألتهم أيضاً عن "عدد الأشخاص الذين يتلقون تلك المساعدات".
وكانت إجابتهم "أقل من 80 ألفاً"، لم يتبق سوى نحو 80 ألف سوري في المخيمات، والدولة تساعد المخيمات فقط، أما الملايين المتبقين من السوريين فلم يتلقوا قرشاً واحداً من المساعدات.
وقالوا: "دعك من المساعدة، نحن نعمل هنا ونكسب المال، ونحاول أن نكسب لقمة العيش".
هل يتم منح الجنسية بشكل جماعي؟
هناك مزاعم بأن السوريين أصبحوا مواطنين بأعداد كبيرة في الأيام الأخيرة، وعندما سألت عن الموضوع، قال أحد الأشخاص الذين تحدثت إليهم إنه كانت هناك بعض الردود الإيجابية حول الطلبات المقدمة قبل بضع سنوات، لكنه أضاف: "لا أعرف ما إذا كان من السهل منح الجنسية، فهناك الآلاف من الطلبات التي لم يتم الرد عليها طوال سنوات، ولطالما كانت العملية بطيئة للغاية، لكننا سمعنا مؤخراً أنه كان هناك تحرك في بعض الملفات التي كانت نائمة لسنوات، هذا كل شيء، وهذا الأمر لا يخص الطلبات المقدمة حديثاً".
كم عدد الأشخاص الذين يعيشون هنا أصبحوا مواطنين أتراكا؟
بحسب الأرقام الرسمية 116 ألفاً حصلوا على الجنسية التركية، هذا معدل منخفض للغاية إذا ما قورن بعدد السوريين البالغ 4 ملايين، فعلى سبيل المثال، هناك ما يقرب من 75 ألف سوري في السويد، 25 ألف منهم أصبحوا مواطنين، هذا يعني الثلث، بينما في حالتنا هذا المعدل يزيد قليلاً عن 1 على 40.
ووفقًا للتنظيم الذي يستند إلى عملية ضم ولاية هاتاي إلى الوطن في عام 1939 في تركيا، لا يزال يُمنع على الأتراك والسوريين الاستحواذ على العقارات بشكل متبادل في البلدين.
ويأتي هذا الحظر على رأس القضايا التي يشتكي منها السوريون أكثر من غيرها، ويقولون "نحن نعيش ونعمل في هذا البلد منذ أكثر من 10 سنوات، أصبحنا جزءا من الاقتصاد، لكن لا يمكننا شراء منزل منذ 82 عاماً بسبب هذه الشروط، وبسبب ظروف تلك الفترة، نحن نعيش مستأجرين في الأماكن التي نعيش فيها لسنوات. ولكن ومن ناحية أخرى، يمكن للعراقيين والقطريين والليبيين وغيرهم، الذين لا تربطهم علاقات بتركيا ويأتون كسياح، الحصول على عقارات هنا، هذا ليس عادلاً أبداً".
ذكرني هذا الحظر بالقانون اليوناني الذي يحظر على مواطني الجمهورية التركية تملك العقارات في الجزر. ومع ذلك، يجب أن نتخلص من صدمات الماضي. هذه القاعدة التي نشأت بسبب ظروف تلك الفترة تخلق اليوم وضعاً غير عادلٍ، إن السوري الذي يعمل هنا وبنى حياته هنا لا يمكنه شراء منزل، لكن القادم من الخارج يمكنه ذلك.
هل صحيح أنهم لا ينتظرون في الطوابير في المستشفيات؟
دعنا ننتقل إلى الشائعات القائلة بأنهم لا ينتظرون في طابور المستشفيات ولا يدفعون الرسوم.
يتم تمويل نفقات الخدمات الصحية للسوريين الخاضعين لحالة الحماية المؤقتة من قبل الاتحاد الأوروبي، ويتم معاملتهم مثل المواطنين الحاصلين على تأمين SGK في المستشفيات، ويحصلون على دور مثلهم في المستشفيات، ولكن دولة الجمهورية التركية لا تغطي نفقاتهم، إلا أنهم لا يحصلون على خصومات من المشافي الخاصة المتعاقد عليها مع SGK، بل يدفعون جميع نفقاتهم الخاصة.
وقال السوريون الذين تحدثت إليهم إنهم ظلوا ينتظرون في المستشفيات الحكومية لفترة طويلة، ناهيك عن عدم الانتظار في الطابور (أعتقد أن التصورات لدى الجانبين تسبق الحقائق، يعتقد الطرفان أن طوربيداً يتم تحضيره على الجانب الآخر، وهذا يرجع في الغالب إلى عدم وجود قنوات للحوار) ووفقاً للتصور السابق، أنشؤوا بعض المراكز الصحية والمستشفيات الخاصة في منطقة الفاتح، والتي تقدم خدماتها بأسعار معقولة أكثر من المستشفيات الخاصة الأخرى، وعادة ما يفضلون هذه الأماكن.
"الأطفال لا يتكلمون اللغة العربية"
إذا ما هي المدارس التي يذهب إليها الأطفال؟ ما نوع المشكلات التي يعانون منها؟
حتى عام 2015، وبدعم من اليونيسيف، تم افتتاح صفوف خاصة في المدارس الحكومية للأطفال السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا، خلال النهار كان يحضر الأطفال المحليون للتعلم، وفي المساء كان يأتي الأطفال السوريون، ولكن انتهى هذا المشروع في عام 2015. الآن، يتلقى السوريون التعليم مع الأطفال الأتراك ويتعلمون أيضاً دروساً في اللغة العربية.
ولكن، تشتكي العديد من العائلات من أن أطفالهم ينسون اللغة العربية ويتحدثون التركية فقط، ولهذا السبب، يرسل ميسوروا الحال نسبيًا أطفالهم إلى مدارس خاصة أنشأها ليبيون أو عراقيون حتى لا ينسوا لغتهم الأم.
أين يعيشون؟
من الممكن تقسيم السوريين في إسطنبول بشكل تقريبي إلى مجموعتين: محافظين وعلمانيين. وبحسب المدير العام حمزة المصطفى، فإن المحافظين المتدينين السوريين يشكلون 70 في المئة من السكان هنا، بينما يشكل السوريون العلمانيون الليبراليون 30 في المئة.
يعيش السوريون المحافظون المتدينون الذين يكون وضعهم المادي أفضل في الفاتح، ويعيش من هم في وضع أقل مادياً في إسنيورت، بينما استقر السوريون العلمانيون الليبراليون بشكل رئيسي في شيشلي وبي أوغلو.
المجموعة الأولى أكثر انسجاماً بين بعضهم البعض، فقد عاشوا معاً وأنشؤوا أحياءهم الخاصة، بينما اختلطت المجموعة الثانية بالأحياء التركية.
بالمناسبة، بعد إعلان مصر أنها ستقدم تسهيلات لذوي الدخل المتوسط والمرتفع من السوريين، توجه نحو 30 ألف سوري من تركيا إلى القاهرة في الأشهر الستة الماضية.
وأضاف بأن الإجراءات هنا صعبة للغاية، حيث كان يسعى لمدة أسبوعين لفتح حساب بنك فقط لأنه سوري، بينما يمكنه فتح حساب بنكي في لندن في غضون ساعتين، إن وجود هذا النوع من التمييز هو أمر غير مقبول.
هل يمكنهم العودة إلى وطنهم إذا أرادوا؟
كما سألت السوريين الذين تحدثت إليهم في تلفزيون سوريا عن آرائهم حول الذين يقولون "إذا كان يريد الذهاب في العيد فليبقى هناك، لماذا لا يعودون إلى ديارهم إلى الآن".
قدموا لي الإجابة من خلال الشرح على الخريطة، وكان هذا ما قالوه:
المنطقة التي يمكنهم العيش فيها بأمان في سوريا اليوم هي شمال البلاد، بمعنى آخر، مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون الواقعات تحت السيطرة التركية، وإدلب.
وأضافوا أنه بينما كان عدد سكان هذه المنطقة قبل الحرب يقارب 1.5 مليون نسمة، ارتفع عدد السكان إلى 4 ملايين مع وصول كل من أراد العودة إلى سوريا، أي أن هناك كثافة أعلى بكثير من السعة، وقال أحد المذيعين التلفزيونيين الذين تحدثت إليهم "لقد تحولت تلك المنطقة إلى شارع E5 المزدحم، إذ لا يوجد مكان لأي شخص هناك".
لقد تضررت حلب بالفعل كثيراً من الحرب، وأي شخص يذهب إلى دمشق الخاضعة لسيطرة النظام من المرجح أن يُسجن أو حتى يُقتل، لذلك يقولون إنه ليس لديهم أرض للعودة إليها.
الانطباع الذي توصلت إليه من المحادثة التي استمرت لساعات في تلفزيون سوريا هو أن هؤلاء الناس غير راضين للغاية عن الأجواء السلبية تجاههم والصعوبات التي يواجهونها "لم يكن الأمر كذلك في البداية، ولكن أصبحنا الآن غير مرغوبين، وعلى الرغم من صعوبة التعايش مع هذا، إلا أن أطفالنا أصبحوا منتمين إلى هذا البلد. لقد عانينا من موجة هجرة ضخمة، وانقلبت حياتنا وثقافتنا رأساً على عقب، ولا يحاول أحد أن يفهمنا على الإطلاق".