شهدت صحفات التواصل الاجتماعي المحلية في شمال غربي سوريا نقاشات وجدالات، خلال اليومين الماضيين، بخصوص مهرجان أطلقه "مول الحمرا" في مدينة الدانيا بريف إدلب، وما تبع ذلك من انتقادات بزعم وجود "اختلاط وموسيقا" في المهرجان، أدّى في نهاية المطاف إلى هجوم مسلّح على المول.
وتباينت الآراء بين منتقد ورافض لتلك الفعاليات التي أشاروا إليها بأنّها "مشاهد غير مألوفة في بيئة ومجتمع الشمال السوري المُحافظ"، وبين مَن رأى إنّها طبيعية ولا تستدعي كلّ هذا الهجوم الإعلامي أو المسلّح.
من جانبهم، انتقد شرعيون سابقون في "هيئة تحرير الشام" هذا المهرجان واعتبروه "أمراً منكراً ومخالفة شرعية"، كما خصّص عدد من المشايخ خطبة يوم الجمعة الفائت، للحديث عن المهرجان وإنكاره.
ما قصة المهرجان؟
أطلق "مول الحمرا" -أحد أبرز المولات ومراكز التسوّق في مدينة الدانا التي تعدّ وجارتها مدينة سرمدا، مركز وعصب تجارة الشمال السوري- ، يوم الخميس الفائت، مهرجانه السنوي الأوّل لمدة تسعة أيام، أعلنت خلال المحال التجارية في المول (قرابة 150 محل) عن تخفيضات في الأسعار تصل إلى 40 بالمئة، مع تخصيص 1000 جائزة لتوزيعها خلال فعاليات "سؤال وجواب".
هذه التخفيضات شاركت فيها أيضاً شركات تجارية من خارج "مول الحمرا"، نصبت نقاط بيع خلال فترة المهرجان، وهو ما كان سبباً في إقبال الآلاف على حضور المهرجان، رغبةً في شراء حاجاتهم والاستفادة من الحسومات والتخفيضات المحدودة الزمن.
وبعد إقبال المئات من السكّان على المهرجان، انتشرت فيديوهات وصور تظهر ما وصِف بـ"اختلاط بين النساء والرجال" وتشغيل الموسيقا، الأمر الذي أزعج مقربين من "هيئة تحرير الشام" وشرعيين سابقين فيها، خاصّة أن المهرجان تزامن مع اشتباكات بين الهيئة وقوات النظام غربي حلب".
أسباب السخط الشعبي والتحريض
من بين المقاطع التي انتشرت عن فعاليات مهرجان "مول الحمرا"، هي مقاطع تُظهر "اختلاط الرجال والنساء"، لكن هذا "الاختلاط" لم يكن الأوّل، فقد شهده المول ذاته عند افتتاحه، قبل عام، كما جرى في "مولات" أُخرى، لكن ما أشعل الرأي العام:
- إقامة "مول الحمرا" مهرجاناً وحفلاً موسيقياً ترفيهياً تحت الأعلام الفلسطينية المرفوعة على واجهة "المول" لمساندة غزة.
- مقتل مجموعة من فصائل المعارضة على يد قوات النظام السوري، فجر اليوم الأوّل من انطلاق المهرجان في محاور ريف حلب العربي، التي لا تبتعد عن مكان المهرجان أكثر من 11 كيلو متراً، حيث مثّلت قوات النظام بجثامين القتلى واحتفظت بها.
والمهرجان وما تخلّله من أنشطة ترفيهية وموسيقية وتصرفات قيل إنّها "مخالفة" لعادات المجتمع في الشمال السوري، أخذت أكثر من حجمها بحسب مصادر لـ موقع تلفزيون سوريا، الذي قال إنّها وصلت إلى التحريض على المنابر في اليوم الثاني، وهو يوم الجمعة.
وخطب العديد من المشايخ المعروفين في الشمال السوري بشأن "مهرجان مول الحمرا" وربطوا الاحتفالات والمخالفات الشرعية بمقتل مقاتلي الفصائل في اليوم ذاته وبالقضية الفلسطينية، وأبرزهم الشيخ عبد الرزاق المهدي الذي كانت خطبته بعنوان: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وتضمنت الخطبة: "مول الحمرا وانتشار المنكرات"، بحسب وصفه.
وبدأ "شرعيون" بإنكار المهرجان والدعوة إلى إغلاق المول ومحاسبة القائمين عليه، كما انتشرت عشرات المنشورات التحريضية على وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو "هيئة تحرير الشام" إلى اتخاذ "موقف حاسم" بهذا الخصوص.
كذلك انتقد وزير العدل السابق في "حكومة الإنقاذ" ابراهيم شاشو، المهرجان وقال خلال خطبته في مسجد مصعب بن عمير بإدلب تحت عنوان "كتيبة الإسلام وعبث اللئام"، إنّ "تجّار الدم لا يهمهم مقتل الآلاف في غزة ولا حتى على بعد بضع كيلومترات منهم، إنهم يغوون الناس بالموسيقى والعروض من أجل تسويق بضائعهم".
تحريض واتهام بـ"العمالة"
التحريض الكبير دفع وزارة الداخلية في "حكومة الإنقاذ" إلى نشر دورية شرطية أمام "مول الحمرا"، عمِلت على منع الشبان من دخول المول واقتصر ذلك على العائلات فقط، كما عمِلت على حماية المول من أي هجوم محتمل، خاصة من قبل التيار المحسوب على "هيئة تحرير الشام"، أكثر من خصومها.
وهناك مَن ربط ما جرى في المول بـ"العمالة"، منهم الشرعي السابق في الهيئة "أبو الفتح الفرغلي"، الذي قال: "إلى القائمين على أمر المحرر وإلى كل مسلم غيور: يوجد رابط وثيق بين انتشار المنكرات مثل ما نشر عن مول الحمرا أمس، وبين وقوع بعض المغرر بهم في فخ العمالة، يدركه كل بصير؛ وذلك بتهوين أمر المعاصي وتشويه صورة المحرر"، وفق وصفه.
"مول الحمرا" يعتذر
نشرت إدارة "مول الحمرا" بياناً اعتذرت فيه عمّا وصفته بـ"الخطأ الفردي" من قبل زائري المهرجان، مؤكّدةً أنها سعت جاهدة لضبط الفعالية لكن أعداد الوافدين الكبيرة حالت دون ذلك.
كذلك نفت إدارة المول الشائعات التي تحدثت عن إغلاقه، وقد انتشرت عقب انتشار سيارات الشرطة أمامه لحمايته، وغالباً الذي نشرها هو الإعلام الرديف لـ"هيئة تحرير الشام"، في محاولة منه لتصوير الهيئة بمظهر "الجهة الحاكمة التي لا ترضى بالمخالفات"، وفق المصادر.
من جانبها، استدعت "إدارة المنطقة الشمالية" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، القائمين على "مول الحمرا" وعقدت معهم جلسة لما وصفته بـ"معالجة المخالفات ضمن المهرجان"، وفق منشور على قناتها في "تلغرام"، حذفته بعد ساعات.
ونصّت نتائج اللقاء المتداولة، على "السماح باستمرار المهرجان للعائلات حصراً، ومنع دخول الشباب المراهقين، ومنع المظاهر المخلّة بالآداب العامة أو تشغيل الموسيقا الصاخبة، والعمل على توزيع منشورات توعوية، وإقامة فعاليات ثقافية وفق الضوابط الشرعية".
هجوم مسلّح على المول
بعد انقضاء اليوم الثاني من المهرجان وفي منتصف الليل، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر شاباً ملثّماً يُطلق الرصاص على واجهة "مول الحمرا" وعلى سيارة تابعة للمول، وسُمعت أصوات عدة أشخاص، أحدهم تحدّث بلهجة غير سوريّة، غالباً.
وهذا الأمر لاقى استنكاراً واسعاً، إذ أكّد ناشطون أن ما جرى في "مول الحمرا" لا يستدعي ردة فعل عنيفة بهذا الشكل، قد تتسبّب لاحقاً في إحجام رؤوس الأموال عن الاستثمار في الشمال السوري.
هذا المقطع إلى جانب التحريض الكبير على "مول الحمرا"، دفع مولات أخرى كانت تحضّر لإطلاق مهرجانات مماثلة، إلى إلغائها أو تأجيلها، من بينها مركز تسوق "رويال مول".
واعتبر الكاتب السوري بسام أبو عدنان عبر حسابه على "فيس بوك"، أنّه "يجب التعامل مع هذا الهجوم على أنّه هجوم داعشي"، مردفاً: "المول بحد ذاته هو استثمار اقتصادي يعمل فيه مئات الشباب، وأصبح متنفسا ترفيهيا لكثير من العائلات في ظل ظروف الحرب الصعبة وضعف الخدمات الترفيهية".
وشدّد على "حق العائلات بشكل عام والأطفال بشكل خاص في أن يعيشوا بعض الفرح بعيداً عن هموم الحرب وانعكاساتها، كما أنه من حق المستثمرين في مثل هذه المولات القيام بمثل هذه الفعاليات التي تساعد في تنشيط مشروعهم اقتصادياً"، وفق قوله.
يشار إلى أنّ الكثير من الأهالي في إدلب، يعتقدون بأنّ "هيئة تحرير الشام" قد تستفيد من حادثة "مول الحمرا"، من خلال زيادة القبول الشعبي للمولات التجارية التابعة لها، خاصّة أن بعض المولات التي قيل إنها مقرّبة من "الهيئة"، نشرت إعلانات عن إيقاف الفعاليات فيها لمدة أسبوع "حداداً على أرواح قتلى الفصائل".
وبحسب آخرين، فإنّ "هيئة تحرير الشام" تعيش صراعاً في منطقتي سرمدا والدانا، يتمثّل في استرضاء أصحاب رؤوس الأموال من التجّار والصناعيين ولو على حساب رغبات وقناعات منتسبيها، حيث يُرجّح البعض أن تضيّق "الهيئة" لاحقاً على الرموز الدينية التي حرّضت على المهرجان، كي لا تحرّض لاحقاً على أي ممارسة أخرى من شأنها أن تضر بالعجلة التجارية والاقتصادية في المنطقة، وتحرجها أمام "رؤوس الأموال الذين ترجح كفتهم على كفة رجال الدين في ميزان الهيئة".