icon
التغطية الحية

موروث ديني واجتماعي.. صور من عيد المولد النبوي في حمص وحماة والرقة

2024.09.16 | 19:12 دمشق

Umayyad Mosque
الجامع الأموي في دمشق ـ AFP
تلفزيون سوريا ـ نور الخطيب
+A
حجم الخط
-A

لم يغفل السوريون يوماً اهتمامهم بالطقوس الدينية والعادات الاجتماعية الخاصة بذكرى المولد النبوي الشريف على امتداد سوريا، فأينما توجهت تسمع المساجد تصدح بأناشيد الحب والمديح للرسول صلى الله عليه وسلم، وترى الشوارع والأحياء تتزين لتتحول إلى حالة أشبه بمهرجانات احتفالية تتخللها حلقات الذكر والمدائح النبوية، تعبيراً عن الفرحة والبهجة بهذه المناسبة، التي لا تقل أهمية لدى البعض عن عيدي الفطر والأضحى.

وفيما تتوحد المناطق السورية في هذه الذكرى العطرة، تظل لكل منطقة بصمتها الخاصة التي تعكس تنوع الثقافة الدينية والاجتماعية في البلاد.

في التقرير التالي، ننقل صوراً لأشكال الاحتفال بعيد المولد النبوي أجوائه الدينية والاجتماعية في مدن وسط وشرقي سوريا.

عراضات حمص تجوب أبوابها السبعة

"حليمة يا حليمة يا مرضعة اليتيما.. رضعتي ما رضعتي.. رضعتي محمد زين.. محمد زين ذكره زين.. محمد يا كحيل العين".

هذه الأهزوجة ليست لعرس أو استقبال لحاج، بل هي عراضة لأهالي أبواب حمص السبعة وحاراتها العريقة، يجوبونها حاملين راياتهم ومرددين تلك العبارات والكثير غيرها في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم طوال شهر المولد النبوي الشريف.

وبحسب أبي عبد الله، 54 عاماً، من أهالي حي الحميدية في حمص، الذي يروي ما تركته ذكريات طفولته عن تلك الاحتفالات، "تختص مدينة حمص دوناً عن باقي مدن سوريا في احتفالها بعيد المولد، حيث كان يجتمع الرجال والشبان من أهالي الأحياء القديمة كل يوم قبيل صلاة المغرب، حاملين سنجقاً (راية كبيرة تحمل عبارات دينية) ويقصدون حياً بعينه من تلك الأحياء، مرددين عند دخولهم أهزوجة مطلعها (يا أهل طيبة جيناكم، حنا بحماكم جيناكم)".

ويذكر أبو عبد الله لموقع تلفزيون سوريا أن "المضيفين يستقبلون زوارهم مرددين أهزوجة مطلعها (هلهلت مكة وقالت مرحباً بالزائرين.. مرحباً بابن الرفاعي والمشايخ أجمعين)، مع الكثير من المدائح والأشعار التي تصب جميعها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم".

يضيف أنه "في ختام كل عراضة تُقرأ الموالد في الشوارع، وتوزع الحلويات بأنواعها، والسكاكر والملبّس، إضافة إلى المشاريب الباردة مثل السوس والتمر هندي، وربما يكون هناك عشاء لكبار الحي في بعض الأحيان".

يشير أبو عبد الله إلى أن تلك الظواهر تلاشت مع مرور الزمن، وأصبحت تقتصر على الخطب والاحتفالات الدينية في الجوامع الكبرى، بينما حافظ عليها الأهالي في منازلهم حتى اليوم من خلال قراءة الموالد وتوزيع الملبس والحلويات.

كما كان للأطفال دورهم في زينة الشوارع، ويقول أبو عبد الله "مازلت أذكر في طفولتي عندما كنا نجتمع مع أطفال الحي وندور على التجار لتحفيزهم على دفع ما أمكن لنسهم في تزيين الشوارع، وكنا نمد يدينا لهم مرددين (يا عشّي صوّل رزنا.. دين النبي يا عزنا)"، موضحاً أنه "من كان يأبى الدفع، كنا نردد له (دبور مألف هالشب.. ما معو نكلة هالشب.. بإيدو شوكة هالشب)، حتى يُجبر على الدفع، لنعود بعدها ونشارك أهلنا الفرحة بتزيين الحي".

تراث حماة يُورّث للحاضر

لابد لمن مرّ في حماة خلال شهر المولد أن يتذوق حلوياتها وسكاكرها ومشاريبها التي توزع كسبيل على المارة في الأسواق والطرقات المزينة والمضاءة طوال الشهر، فلا تخفى على أحد ملامح البهجة بعيد المولد في تلك المدينة حتى اليوم، إلا أنها اقتصرت مؤخراً على الاحتفالات الدينية وقراءة الموالد في الجوامع الكبرى، يرافقها بالتأكيد توزيع الحلويات والأطعمة المختلفة التي تميز المنطقة، بعد أن كان هذا العيد قديماً يحظى باهتمام الحمويين كعيدي الفطر والأضحى.

تقول الحاجة فريال، 85 عاماً، من أهالي حي الأميرية في حماة "كانت أمي تعد الأرز بحليب والحبوب وأصناف الطعام والحلويات المختلفة، عندما كان يأتي دورها بقراءة المولد، وكانت النسوة يجتمعن كل ليلة في بيت إحداهن ويقرأن مولداً، توزع بعده الأطعمة والحلويات على الحضور وعلى أهالي الحي كافة".

وتضيف الحاجة فريال "أما الرجال فكانوا يزينون الشوارع والحارات على نفقتهم الخاصة، ويجتمعون كل ليلة في البيوت أو في المساجد، ويقرؤون الموالد حتى نهاية الشهر".

اليوم، وفي محاولة للحفاظ على هذا التقليد الشعبي العريق وتوريثه للأجيال القادمة، يعمل الحمويون على غرسه في نفوس أطفالهم من خلال التنسيق بين الأهالي والمدارس للاحتفال بذكرى المولد.

تقول فدوى، 44 عاماً، وهي مدرسة في إحدى مدارس حماة، "تزين المدارس بالتعاون مع الأهالي الذين يرسلون الضيافات المختلفة مع أبنائهم طوال شهر المولد، وتنظم المدرسة احتفالاً بعيد المولد في كل يوم في صف من الصفوف، ثم تختار المدرسة الأطفال المميزين ليؤدوا أنشودة معينة لمدح النبي في الاحتفال".

أم رزّاق.. مدّاحة الرقة

في مشهد لا يُنسى لمن عايشها وعرفها، تتصدر أم رزّاق غرف الضيوف والصالونات، خلف طاولة اصطفت عليها مرشات ماء الزهر وصحون الملح والشموع، إلى جانب طاولة أخرى امتلأت بصرر الملبّس الأزرق والأبيض حصراً، وصوتها يصدح بمدح النبي.

كان ذلك في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في مدينة الرقة شمال شرقي سوريا، حينها كانت تقتصر مظاهر الاحتفال بعيد المولد النبوي على المساجد الكبيرة وسط المدينة، في ليلة يحييها الرجال، ويقرؤون مولداً وما تيسر لهم من القرآن ومدائح دينية وأناشيد في حب الرسول، بينما توزع الحلويات والملبس، وأحياناً تُمد موائد ضخمة يأكل منها كل من حضر.

من جانبهن، تعمل النساء على الأمر شهراً كاملاً، ولا تخلو ليلة خميس أو اثنين من قراءة مولد في بيت إحداهن، مرددات "الشهر كله مولد".

كانت أم رزّاق، المرأة الخمسينية حينها التي تنحدر من مدينة الميادين بدير الزور، رائدة في قراءة الموالد في بيوت وسط المدينة، حيث كانت تعيش مع بناتها الثمانية وأبنائها الأربعة، وتتمتع بسمعة طيبة وصيت حسن يخوّلها دخول تلك البيوت وإحياء الذكر وقراءة الموالد مع بناتها بكل ود وحب طوال الشهر. لا بل وكانت أم رزّاق تهدي من تحبهم قراءة مولد في مناسباتهم العائلية.

بلحن فريد ورجفة خاشعة وبُحة مميزة في صوتها، ووجه بسّام مشرق للوافدين إلى صالة المولد فرداً فرداً، تجعل أم رزّاق كل من عاش تلك المرحلة لا ينساها، ولا ينسى ذكراها كلما مر عيد المولد وهي تردد "يا آمنة بشراكِ.. سبحان من أعطاكِ.. بحملك محمد.. رب السما هنّاكِ".

تقول سراب، 55 عاماً، من أهالي الرقة: "لم تثنِ الأيام والتقدم في العمر أم رزّاق عن إسعاد من تحبهم بقراءة الموالد، التي ورّثتها لبناتها من بعدها، وظلت حاضرة في بيوت من أحبتهم"، مضيفة أن أهالي المدينة يستعينون اليوم ببناتها لإحياء ذكرى المولد النبوي.