تتنوع المنتجات المستوردة من عدة دول، في بسطات ومحال الأسواق التجارية في الشمال السوري، مشكلة نموذجاً لانفتاح السوق المحلية على استيراد المنتجات من دول جوار سوريا عبر المعابر الحدودية مع تركيا، إضافةً إلى السوق الداخلية التي تحكمها معابر فاصلة بين مناطق السيطرة الجغرافية.
ورغم توافر الخضراوات والفاكهة، والمنتجات الغذائية، والألبسة والأدوات الكهربائية والمنزلية، والمعدات الزراعية، وما يوازيها من النشاطات التجارية في المنطقة، إلا أن ذلك لا يبرر وجود قوة شرائية لدى الأهالي في تأمين أبسط الاحتياجات الأساسية التي يجدون صعوبة في تأمينها حتى تبقيهم على قيد الحياة.
منتجات مستوردة على بسطات ريف حلب
ضمن بسطة خضراوات وفاكهة متعددة الأصناف في مدينة مارع شمالي حلب تجتمع عدة دول عربية وأجنبية مصدرة للبسطة، من بينها تركيا وإيران ومصر والصومال وسوريا ولبنان، بالتزامن مع شهر رمضان المبارك، مشكلةً لوناً فريداً في السوق السورية المحلية.
تتكون محتويات بسطة الخضراوات من الباذنجان التركي، والإيراني، والكوسا التركي، والسوري، والبطاطا السورية والتركية والمصرية، والبندورة التركية والإيرانية والمصرية، والخيار التركي والسوري، والفليفلة الإيرانية والتركية، والفاصولياء الإيرانية، والبصل الفول الأخضر والقرنبيط والملفوف والخس والنعناع والبقدونس والجرجير والسبانخ والسلق.. المحلية.
بينما تتكون بسطة الفاكهة بين التفاح التركي، والأوكراني، والبرتقال السوري والتركي، والموز الصومالي، والمصري، واللبناني، والجزر السوري والتركي، والأناناس والكيوي والفريز التركي، والجبس والعقابية التركيين، في تنوع فريد للمنتجات المستوردة.
يقول علي حاج محمد، صاحب محل خضراوات في المدينة خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا": "إن الخضراوات والفاكهة المستوردة التي تدخل بكميات كبيرة من المعابر الحدودية مع تركيا الأكثر حضوراً في بسطات الشمال السوري، بينما المنتجات السورية والمحلية حضورها وأنواعها قليلة كما أنها تقتصر في الغالب على منتجات ساحلية وأخرى تزرع محلياً مثل الحشائش".
ويضيف: "أن الخضراوات والفاكهة تستورد في برادات موضوعة على سيارات شحن قادمة من الداخل التركي، وصولاً إلى أسواق الهال التي تنتشر في مدن الشمال السوري، في حين تتنوع مصادر البضائع بين التركية والإيرانية والمصرية والصومالية".
قائمة بأسعار ومصدر الخضراوات والفاكهة في أسواق ريف حلب الشمالي |
||
النوع |
المصدر |
سعر الكيلوغرام مفرق |
بندورة |
مصر |
17.5 |
بندورة |
إيران |
15 |
خيار |
تركيا |
35 |
باذنجان |
إيران |
35 |
باذنجان |
تركيا |
32 |
فليفلة |
تركيا |
80 |
فليفلة |
إيران |
65 |
بطاطا |
سوريا |
12 |
بطاطا |
مصر |
13 |
فاصولياء خضراء |
إيران |
50 |
كوسا |
تركيا |
35 |
ليمون |
سوريا |
10 |
ليمون |
تركيا |
8 |
موز |
مصر |
30 |
موز |
الصومال |
35 |
تفاح |
أوكرانيا |
28 |
برتقال |
سوريا |
15 |
برتقال |
تركيا |
18.5 |
تشكل بسطة بقالية الخضراوات والفاكهة نموذجاً لمعظم المنتجات التي تباع في محال وأسواق مناطق شمال سوريا، ما يؤكد أن الشمال سوق متنوع ومفتوح على استيراد المنتجات، من المعابر الداخلية التي تفصل بين مناطق السيطرة السورية، والخارجية عبر المعابر الحدودية مع تركيا.
في حين يشمل ذلك التنوع المنتجات الغذائية في المولات والمحال التجارية، وتشكل المواد الاستهلاكية الأساسية من المنتجات السورية المحلية والقادمة من مناطق سيطرة نظام الأسد، إضافةً إلى المنتجات التركية السورية التي يصنعها اللاجئون السوريون داخل الأراضي التركية.
تعتبر السمنة والزيت والسكر والأرز من المواد المستورة، ويكون قسم منها معلباً، والآخر يعلب ويغلف لدى شركات محلية شمالي سوريا، وتعرض في المحال والمولات الغذائية، بينما الطحين والبرغل والسميد، والحبوب كالعدس والفول والحمص والفاصولياء، من المنتجات المحلية، وتصنعها وتغلفها شركات سورية محلية، بحسب ما أوضح أحمد الفيصل صاحب "مول المدينة" وسط مدينة مارع.
وفي حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا قال الفيصل: "إن المنتجات الغذائية الاستهلاكية تقتصر على مصدرين رئيسيين المحلي والتركي، بينما منتجات المواد الغذائية المعلبة، المرتديلا والسردين والطون والشوكولا والبقوليات المعلبة.. تكون من مصادر متعددة، سورية وتركية ومنتجات أوروبية".
وأضاف: "إن الشمال السوري سوق مفتوح أمام مختلف المنتجات والماركات الدولية، التي يستوردها التجار عبر المعابر الحدودية مع تركيا، ولا يمكن حصرها بمصدرين أو ثلاثة، لأنها على العموم تأتي من السوق التركية، التي تحوي منتجات دولية ذات مصادر متنوعة".
وتابع بأن التجار في مدينة سرمدا التابعة لمحافظة إدلب، ومدينتي اعزاز والباب شمالي حلب (أبرز المناطق التجارية في مناطق شمال غربي سوريا) يستوردون بضائع متنوعة تشمل البسكويت والشيبس والمعلبات، والمنظفات، ومواد غذائية أساسية، والأدوات المنزلية، بجودة وماركات عالمية.
قائمة بأسعار ومصادر أبرز المنتجات الغذائية الاستهلاكية في ريف حلب الشمالي |
||
النوع |
المصدر |
السعر بالكيلوغرام مفرق |
سكر |
مستورد |
25 |
رز قصير |
مصري مغلف محلياً |
29 |
رز طويل |
مصري |
66 |
سميد |
محلي |
26 |
برغل |
محلي |
30 |
طحين |
تركيا |
35 |
عدس |
محلي |
35 |
سمنة نباتية |
تركيا معبأ محلياً |
68 |
زيت نباتي |
تركيا معبأ محلياً |
36 |
تمر |
مصر، الإمارات، العراق، السعودية |
يبدأ من 55 ليرة حتى 70 |
شاي |
محلي |
300 |
لا يقتصر ذلك التنوع على المواد الرئيسية لاستمرار المعيشة والتي لا تقوى العائلات على توفيرها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تحكم المنطقة نتيجة عدة عوامل، إلا أن التنوع يشمل الأدوات الكهربائية المنزلية، والعطورات والبارفانات والألبسة، والمعدات الكهربائية المهنية، والمعدات الزراعية المهنية.
ويؤكد صاحب متجر متخصص في الأدوات الكهربائية، خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا على أن "سوق الشمال السوري تستوعب كل أنواع المنتجات من مختلف الدول، إذ يوجد في متجره منتجات متنوعة المصادر؛ برادات وغسالات وطباخات منها التركي والسوري والألماني والصيني، وأسعارها متفاوتة تلبيةً لاحتياجات السوق".
وأضاف: "رغم توافر البضائع، فإن السوق يشهد ركوداً بينما تركيز الأهالي يقتصر على الاحتياجات الأساسية لا سيما الغذائية والدوائية، بينما الاحتياجات الأخرى لا تشتريها إلا شريحة قليلة من الناس، معظمهم من العاملين في الجمعيات والمنظمات الخيرية، والتجار وأصحاب المشاريع الزراعية".
أسباب تنوع المنتجات واختلاف مصادرها
تشكل المعابر الحدودية مع تركيا المصدر الرئيسي المورد للمواد المستوردة ولعل أبرزها معبر باب السلامة والحمام وجرابلس والراعي في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بينما معبر باب الهوى في ريف إدلب الشمالي، وتعد المنطقة مفتوحة أمام التجار في استيراد مختلف المنتجات، فيما تمنح بعض البضائع إعفاءات جمركية بهدف التشجيع على الاستيراد.
وأوضح وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، أن الاستيراد من المعابر الحدودية مفتوح أمام التجار من مختلف الدول، إلا من روسيا وإسرائيل وإيران، لكن في حال توافر بضائع إيرانية في السوق المحلية يكون بسبب عمليات التهريب.
وقال خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "إن الحكومة السورية المؤقتة تسهل عملية استيراد المواد الغذائية الأساسية، والمواد الأولية للصناعات المحلية، من خلال تخفيض رسومها الجمركية". وأضاف: "أن جعل السوق مفتوحاً أمام الاستيراد يهدف إلى توفير منتجات متنوعة في السوق، وفتح باب المنافسة أمام التجار، ومنع عمليات الاحتكار".
وأكد، أن توافر المنتجات المتنوعة في السوق إيجابي ومهم في تنشيط الحركة التجارية، لكن المشكلة تكمن في ضعف القوة الشرائية، حيث يركز الأهالي على شراء الأساسيات في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الحالية.
ويعود توافر المنتجات وتنوعها في أسواق الشمال السوري تزامناً مع دخول شهر رمضان، وتوقع زيادة الطلب على المنتجات الاستهلاكية والغذائية، سواء من الأهالي، الذين تحكمهم مصادر الدخل، أو من المنظمات الإنسانية الأهلية التي تراجع نشاطها تزامناً مع توقف المساعدات الأممية.
ويرى الباحث والمحلل الاقتصادي يونس الكريم، أن حجم وتنوع المنتجات شمالي سوريا كبير مقارنة مع القوة الشرائية للأهالي، لأن دراسة حاجة السوق لا تتم بطريقة علمية، والاعتماد على مستوى الخبرة لدى التجار.
وأوضح في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن "فتح المجال أمام استيراد وتوفير السلع، دون حساب القوة الشرائية للأهالي، من قبل حكومتي الإنقاذ والمؤقتة لأسباب مؤسساتية للتغطية على فشلهما، ما تسبب في تنوع وتوافر المنتجات في السوق المحلية". وأضاف: "أن ارتفاع تكاليف الشحن، وتوفر مخازن في الشمال السوري، تدفع التجار إلى استيراد كميات كبيرة، لتخفيف أعباء كلفة الشحن".
ضعف القوة الشرائية
على الرغم من توافر المنتجات ضمن أسواق الشمال السوري إلا أن معظم الأهالي يواجهون صعوبة في توفير الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، والتي باتت من الرفاهيات لدى بعض العائلات لا سيما المواد الغذائية والدوائية والخضراوات والفاكهة، والمنظفات.
يشتكي مصطفى الصالح في مدينة مارع من ظروف المعيشة التي يعاني منها نتيجة انخفاض مستوى الدخل المعيشي الذي يحصل عليه خلال عمله سائق ميكروباص (سرفيس)، على خط المواصلات بين مدن وبلدات ريفي حلب الشمالي والشرقي.
وقال الصالح لموقع تلفزيون سوريا: "إن تكاليف المعيشة مرتفعة جداً ومصدر الدخل الوحيد متدنٍ جداً، ويتراوح دخلي الشهري بين 2000 إلى 3500 ليرة تركية، في حال كان العمل وفيراً ولم يحصل أعطال في السيارة التي تحتاج إلى تكاليف إصلاح".
وأضاف: "أن عائلته مكونة من تسعة أفراد، وما يدخله شهرياً من المال لا يسد إلا جزءاً من احتياجات المعيشة، التي تقدرها نسبة العمل والأجور التي يحصل عليها يومياً، معتمداً على أسلوب المعيشة أولاً بأول".
في السياق، لا يختلف مستوى الدخل الشهري لدى شريحة واسعة من الأهالي في الشمال السوري، عن دخل الصالح، والذي يتراوح في القطاع العام بين 1500 و3000 آلاف ليرة تركية، بينما في القطاع الخاص، لا يتجاوز حدود الـ 150 دولاراً أميركياً، بينما فئة عمال المياومة لا يجدون فرصة عمل لتغطية مصاريفهم اليومية.
ويرى الباحث يونس الكريم أن الشمال السوري يتأثر بالوضع الاقتصادي التركي الذي يشهد تضخماً حاداً، ما تسبب في انخفاض الليرة التركية (العملة المتداولة محلياً) أمام الدولار الأميركي، والذي انعكس سلباً على حياة الأهالي.
وقال: "إن انخفاض الحوالات المالية، وانخفاض مستوى الدخل في القطاعين العام والخاص، وندرة فرص العمل، وارتفاع أعداد السكان بشكل متواصل نتيجة عمليات ترحيل اللاجئين والهجرة الداخلية بين مناطق السيطرة، جعل تكاليف المعيشة ترتفع، انعكس سلباً على القوة الشرائية".
وأضاف بأن "توقف المساعدات الأممية، التي كانت تحمل عبئاً من تكاليف المعيشة على الأهالي، وتسهم في الحركة التجارية، وتجلب الأيدي العاملة، وتدعم المشاريع الصغيرة، تسببت في جمود تجاري وارتفاع الكلفة المعيشية".
وارتفعت حدود الفقر والجوع إلى أعلى مستوياتها مطلع مارس/آذار الحالي، مقارنةً بالأعوام الماضية، إذ بلغ حد الفقر المعترف به إلى قيمة 10 آلاف و843 ليرة تركية شهرياً، بينما حد الفقر المدقع فقد ارتفع إلى 8 آلاف و933 ليرة تركية، بحسب فريق "منسقو استجابة سوريا".
وإذا ما تمت مقارنة متوسط مستوى الدخل في الشمال السوري البالغ 75 دولاراً أميركياً مع مستوى حد الفقر البالغ 328، فإن المواطن يحتاج إلى خمسة أضعاف الدخل الذي يحصل عليه شهرياً، حتى يصل إلى حد الفقر، ما يعني أن حد المعيشية الحقيقي مضاعفة المبلغ الأخير مرتين على الأقل.