لا يكل السوريون في البحث عن أي طريق للهجرة يخلصهم من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها، حيث نشطت مؤخرا تجارة تهريب البشر بشكل لافت من شواطئ طرطوس واللاذقية إلى قبرص عبر شبكات مهربين يتعاملون مع أشخاص متنفذين في ميليشيا "الأمن العسكري".
ورغم أن التهريب من الساحل السوري لا يعتبر أمرا جديدا على مدى سنوات، إلا أن التشديد الأمني لأجهزة النظام منذ عام 2011 أوقف هذه الرحلات بشكل تام، نظرا لمراقبتها الشديدة لحركة الصيادين والشواطئ.
قبل نحو خمسة أشهر نجحت عدة مجموعات بالخروج من شواطئ قريبة من بانياس إلى قبرص، الأمر الذي دفع الأخيرة لإعلان حالة الطوارئ خوفا من وصول دفعات كبيرة من اللاجئين.
وتزايدت هذه الرحلات وفق ما أكدت مصادر مطلعة في مدينة جبلة لموقع تلفزيون سوريا وباتت تخرج من أكثر من منطقة مثل منطقة الرملة والشقيفات والبرج والجلغوم بريف جبلة، بالإضافة إلى منطقة عرب الملك جنوب بانياس وأماكن أخرى في طرطوس، وبمعدل وصل إلى رحلتين إلى ثلاثة أسبوعيا تتفاوت أعداد كل منها بحسب سعة المركب.
من يتولى رحلات التهريب وكيف تنسق؟
وحول طريقة خروج هذه الرحلات قال الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" إن الأسابيع الأخيرة شهدت هجرة عشرات الشبان بعضهم من اللاذقية وآخرون من محافظات أخرى عبر هذا الطريق، من خلال التنسيق مع أشخاص متنفذين، هم من يتولون كامل الرحلة.
وأوضح في حديثه حول طريقة التهريب ومن يعمل بها أن هذه الرحلات تتم عبر أشخاص متنفذين مقربين من ضباط "الأمن العسكري" الذين يوفرون لهم الحماية، مشيرا إلى وجود سماسرة أصبحت أرقامهم منتشرة بشكل لافت يتم عبرهم تنسيق الرحلة حيث يتم وضع مبلغ يتراوح بين 2000 و3000 دولار مع وسيط يتفق عليه الطرفان لتسليمه عند الوصول.
وتابع: "الرحلات غالبا تتم عبر قوارب صيد خشبية صغيرة وأحيانا عبر قوارب مطاطية يقودها أحد الأشخاص من أبناء الساحل كون معظمهم على دراية بقيادتها وعبر نظام الخرائط يتم توجيه المركب حيث تستمر الرحلة قرابة 6 ساعات في أفضل الأحوال وأحيانا أكثر حسب وضع البحر".
وأكد الناشط أن رحلات التهريب لا يمكن أن تتم دون موافقة وتغاضي "الأمن العسكري "الذي يشرف على مراقبة سواحل البلاد منذ عام 2011، ويمنع خروج أي رحلة صيد دون الحصول على موافقة خطية من حرس الموانئ، كما أنه يحدد ساعات الخروج والعودة والمسافة التي ستتوجه لها.
دعاية النظام مزيفة
من جانب آخر لفت شاب من مدينة جبلة فضل عدم ذكر اسمه لدواع أمنية أن ما أعلن عنه النظام مؤخرا من إحباط تهريب 74 شخصا من ميناء جبلة إلى قبرص أمر "غير صحيح"، أراد من خلاله النظام تبرئة نفسه من دعم هذه الرحلات وتسهيلها.
وأشار المصدر أن اللافت في هذه الرحلات هو أن عددا كبيرا من شبان الطائفة العلوية باتوا يتخذونها سبيلا للهجرة والوصول إلى أوربا مؤكدا أن هذه الرحلات لا تزال قائمة وتخرج كل عدة أيام.
في غضون ذلك تحدث أحد الشبان الذين وصلوا حديثا إلى قبرص عبر هذه الرحلات لموقع "تلفزيون سوريا" عن ظروف صعبة عانوها أبرزها خطورة الرحلة في قارب خشبي غير مخصص لقطع هذه المسافة، مشيرا إلى أن رحلتهم استغرقت أكثر من 10 ساعات وكانوا جميعهم من الشبان.
وأوضح الشاب الذي اشترط عدم ذكر اسمه لدواع أمنية أن السلطات القبرصية أعادتهم عقب وصولهم إلى لبنان عبر طائرة، وبقوا هناك لأكثر من 24 ساعة في الطائرة لكن عدم قبول السلطات اللبنانية استقبالهم أجبر السلطات القبرصية على معاودة استقبالهم ومنحهم أوراق إقامة مؤقتة.
وأكد الشاب أنه دفع 2500 دولار أميركي في هذه الرحلة، لسمسار في مدينة جبلة، وأن الرحلة لم تواجه أي اعتراض أمني من قبل أجهزة النظام الأمنية.
كانت ممنوعة.. لماذا يغض النظام الطرف عن هذه الرحلات؟
وحول أسباب تهاون النظام السوري في خروج هذه الرحلات غير الشرعية من مناطق سيطرته قال الصحفي المنحدر من مدينة اللاذقية أحمد حاج بكري في حديث لموقع تلفزيون سوريا إن طرق التهريب باتت تقودها ميليشيات وشبيحة لا سيما في الساحل سلطتها فوق الدولة وهي من تشرف بشكل مباشر على هذا الأمر بهدف جمع الأموال لعناصرها وقادتها.
وأضاف حاج بكري أن النظام بداية كان يتشدد في مراقبة سواحله خوفا من هجرة معارضين ومطلوبين له، لكن حاليا يعلم أن معظم من يسلكون هذه الرحلات لأسباب اقتصادية بحتة، وبالتالي لا مانع بالنسبة له من تشكيل ضغط إضافي على الدول الأوروبية عبر هذه الهجرة، وحتى الاستفادة منهم في نقل وجهة نظره إلى هذه الدول، كون العديد من المهاجرين هم من الموالين للنظام ويؤمنون أن العقوبات أو كما يسميه النظام "الحصار" هو ما تسبب برحيلهم.
وسبق أن صرّح وزير الداخلية القبرصي نيكوس نوريس، في 22 مايو/أيار الفائت، أن بلاده تشهد موجة يومية من المهاجرين الواصلين إليها بحراً من ميناء طرطوس، مضيفا أن بلاده "تدخل حالة طوارئ فيما يتعلق بالهجرة، ولم تعد تملك الإمكانات لاستقبال مزيد من المهاجرين."
وتشهد مناطق النظام السوري مؤخرا هجرة واسعة إلى العديد من الدول بسبب الظروف المعيشية السيئة واستمرار النظام بالملاحقات الأمنية وتجنيد الشبان في صفوف قواته.