أثار مقتل تاجر المخدرات مرعي رويشد الرمثان في قرية الشعاب جنوبي السويداء، في الثامن من أيّار الجاري، التساؤلات عن مصير تجار المخدرات الآخرين المرتبطين بأجهزة النظام الأمنية وميليشيا حزب الله اللبناني في منطقة الجنوب السوري، وسط اختفاء العديد منهم عن الأنظار وهروب آخرين نحو لبنان.
وجاء مقتل الرمثان بغارة جوية يُرجّح أنها أردنية، بعد عدة أيام من تهديدات وجهها وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي خلال مقابلة أجرتها قناة “CNN” الأميركية، قال فيها إن بلاده ستقوم بعمل عسكري داخل سوريا في حال عدم القدرة على وقف تدفق المخدرات نحو دول الخليج والعالم.
وبعد ساعات من الغارات الجوية على الجنوب السوري، أعلن وزير الخارجية الأردني أنّ الأردن اتفق مع النظام السوري على تشكيل "فريق أمني سياسي" لمواجهة موضوع خطر تهريب المخدرات، الذي يُعدّ تهديداً كبيراً للأردن والمنطقة.
اختفاء شركاء الرمثان
بحسب مصدر خاص لموقع "تلفزيون سوريا" فإن العديد من تجار المخدرات المرتبطين بالنظام السوري وحزب الله تواروا عن الأنظار منذ مقتل الرمثان خوفاً من أن يلاقوا المصير نفسه ويكونوا ضمن قوائم الاستهداف.
وأفاد المصدر بأن قسماً من تجار المخدرات في قريتي الشعاب وخربة عواد غادروا إلى مدينة السويداء في حين توجّه قسم آخر إلى منطقة البادية السورية.
وأشار إلى أن شريكي الرمثان فارس صيموعة، مقره في قرية عرمان، وناصر السعدي، ومقره في بلدة صلخد بريف السويداء، غادرا محافظة السويداء إلى جهة مجهولة.
ويدير كل من صيموعة والسعدي العديد من شبكات تهريب المخدرات في محافظة السويداء، ولهم ارتباط وثيق بفروع أمن النظام السوري وحزب الله اللبناني، بحسب المصدر.
وفي التاسع من أيّار الجاري غادر تاجر المخدرات رافع رويس مزرعته الواقعة بالقرب من بلدة معربة شرقي درعا، إلى لبنان خوفاً من مصير مشابه للرمثان، بحسب قيادي سابق في فصائل المعارضة لموقع تلفزيون سوريا.
وقال القيادي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن تجاراً يعملون في تهريب المخدرات في قرية خراب الشحم غربي درعا غادروا القرية إلى مدينة دمشق، مشيراً إلى أن أفراداً من شبكات التهريب ما زالوا في القرية يعملون في إنتاج حبوب الكبتاغون في مصانع يدوية.
وأوضح القيادي أن شبكات التهريب الموجودة في قرية خراب الشحم مرتبطة بشكل مباشر بمكتب أمن الفرقة الرابعة الذي يديره العقيد محمد عيسى من مكان إقامته الحالية في منطقة الصبورة في ريف دمشق.
تعزيزات تصل إلى المخافر الحدودية
في ظل الحديث عن وجود العديد من مصانع إنتاج الكبتاغون في درعا والسويداء، لكن شحنات المخدرات التي تعلن السلطات الأردنية عن ضبطها تفوق قدرة تلك المصانع عن إنتاج المخدرات، ما يعني أن شحنات المخدرات بالغالب تصل مغلّفة جاهزة من لبنان عبر منفذ القصير ومنافذ أخرى إلى سوريا وتعبر من خلال حواجز النظام العسكرية.
ويعتمد كل من حزب الله والنظام السوري على شبكات تهريب تنقل الشحنات إلى مراكز تخزين مؤقتة قرب الحدود مع الأردن سواء في الجهة الجنوبية الشرقية من السويداء مثل قريتي خربة وعواد والشعاب وعلى الخط الحدودي باتجاه دولة العراق، أو الجهة الجنوبية الغربية من محافظة درعا مثل قرية خراب الشحم ومحطة التنقية المائية التي تعرضت لقصف جوي قبل عدة أيام.
وبعد القصف الجوي لموقعين مرتبطين بتجارة المخدرات في درعا والسويداء، بدأت الفرقة الخامسة التابعة للنظام السوري بتعزيز المخافر الحدودية بين سوريا والأردن في محاولة من قبل النظام إثبات التعاون في سياق مكافحة تهريب المخدرات.
وبحسب معلومات وردت لموقع "تلفزيون سوريا" فإن العديد من المخافر الحدودية التابعة للنظام السوري تقوم بتسهيل عمليات تهريب المخدرات إلى الجانب الأردني مقابل حصولهم على الأموال من قبل تجار المخدرات.
وفي 11 شباط الماضي، حصل خلاف على تهريب شحنة مخدرات بين تاجر المخدرات مرعي الرمثان وضابط سوري يدعى أيسر مسؤول عن نقطة حدودية، بعد أن طلب الضابط حصته من التهريب، ليقوم الأخير باحتجاز 21 شخصاً من العاملين في تهريب المخدرات لصالح الرمثان وتسليمهم لفرع فلسطين، بعد تفريغ حمولتهم في الأردن وعودتهم عن طريق المخفر 193.
الأمن العسكري يعتقل تجار مخدرات
يوم أمس الأحد 14 من أيّار، اعتقلت دورية أمنية تتبع لجهاز الأمن العسكري اثنين من العاملين في تجارة وتهريب المخدرات، أحدهما "عبد الله مهاوش الخالدي" بعد مداهمة مجمّع السالم في قرية خراب الشحم، والآخر "فواز سليم الخالدي" بعد مداهمة منزل قريب من محطة التنقية المائية التي قُصفت بسلاح الطيران في الثامن من أيّار الجاري.
وعبد الله مهاوش هو شقيق تاجر المخدرات المرتبط بالفرقة الرابعة وحزب الله "أحمد مهاوش" الملقب بـ (أبو سالم الخالدي) الذي اعتقل قبل نحو أربعة أعوام بسبب خلاف على شحنة مخدرات مع مسؤول مكتب أمن الفرقة الرابعة، العقيد "محمد عيسى".
على إثر الخلاف الذي حصل بين أبو سالم والفرقة الرابعة، قامت دورية تابعة للأمن العسكري بمصادرة شحنة المخدرات التي كانت معدة للتهريب على أوتستراد دمشق – درعا بتاريخ 4 آب/أغسطس 2019، وفي الشهر ذاته اعتقل الخالدي في العاصمة دمشق من قبل مكتب أمن الرابعة.
وظهر أمس الإثنين، دهم رتل عسكري يتبع للأمن العسكري مزرعة تاجر المخدرات رافع الرويس، الواقعة بين بلدة معربة وقرية ندى في ريف درعا الشرقي، واعتقل عناصر النظام شخصين كانا موجودين داخل المزرعة.
وجاءت مداهمة مزرعة الرويس بعد نحو أسبوع من مغادرته إلى لبنان حيث رجّحت مصادر محلية وجود مستودع لتخزين المواد المخدرة في مزرعة الرويس، تم إخلاؤه عقب القصف الذي طال منزل الرمثان ومحطة التنقية التي يُشتبه بوجود مستودع لتخزين المخدرات فيها.
وقال الصحفي في "تجمع أحرار حوران"، سمير السعدي لموقع "تلفزيون سوريا" إن النظام السوري أعطى تعليمات لعدد من تجار المخدرات في محافظتي درعا والسويداء بالهروب من المنطقة، وقام باحتجاز عدد آخر من تجار المخدرات سيفرج عنهم بعد استكمال الاتفاق مع الدول العربية.
وأضاف السعدي بأن النظام يريد إظهار حسن النوايا باتفاق خطوة مقابل خطوة، ويعمل على المراوغة وكسب الوقت حتى يحضر القمة العربية ويعقد علاقات مع الدول.
وسبق أن كشف "تجمع أحرار حوران" عن مواقع في المحافظة تستخدمها الميليشيات الإيرانية لصناعة المخدرات، كما كشفت التقارير العديد من الطرق والنقاط التي تستخدمها لتهريب المخدرات إلى الأردن، وأهمها تل شهاب وكويا وبيت آرة ومنطقة الزمل، وخراب الشحم والمتاعية، وبلدة نصيب ومعبرها.
كبش فداء!
قال المحلل العسكري والاستراتيجي العميد أسعد الزعبي لموقع "تلفزيون سوريا" إن النظام السوري استخدم العشرات من أبناء محافظتي درعا والسويداء كبش فداء لتنفيذ مهمات مثل تهريب المخدرات وسيأتي اليوم الذي يتخلص النظام منهم بعد أن أصبحوا معروفين للقاصي والداني.
وأضاف الزعبي أن النظام "هدفه إثبات التعاون مع الدول العربية في سياق مكافحة تهريب المخدرات وإيصال رسائل بمشاركته في قمع تجار المخدرات، سواء باعتقالهم أو قتلهم بشكل سري في بعض الأحيان".
ويحاول النظام استباق دخول قانون "محاربة الكبتاغون" الأميركي حيّز التنفيذ مطلع شهر حزيران المقبل، وتجنّب كوارثه عن طريق تقديم تنازلات للدول العربية بالكشف عن بعض مواقع تصنيع المخدرات والتخلص من بعض التجار الذين انفضح أمرهم أمام الجميع، بحسب الزعبي.
وأشار المحلل العسكري والاستراتيجي إلى أن النظام "يعتمد على أسلوب التخلص من بعض الشخصيات التي أصبحت مكشوفة بعملها في تجارة المخدرات، بهدف تصدير شخصيات أخرى غير معروفة حتى الآن بعملها في التهريب".
علاقة الأمن العسكري بتجارة المخدرات
منذ سيطرة النظام السوري على محافظة درعا منتصف عام 2018 جنّدت أجهزة النظام الأمنية العديد من المجموعات المحلية السابقة في فصائل المعارضة للعمل في ملفات أمنية وأخرى لها صلة بتهريب وتجارة المخدرات.
ويعرف جهاز الأمن العسكري بدرعا الذي يرأسه العميد لؤي العلي بدعمه الأمني واللوجستي لمجموعات محلية تعمل بإمرته في محافظتي درعا والسويداء، من أبرزها مجموعة القيادي "عماد أبو زريق" ومجموعة القيادي "مصطفى المسالمة" الملقب محلّياً بـ (الكسم) ومجموعة "محمد الرفاعي" الملقب محلياً بـ (أبو علي اللحام) ومجموعة القيادي "راجي فلحوط"، إضافة إلى شخصيات أخرى مرتبطة بشعبة المخابرات العسكرية وتعمل في تجارة وتهريب المخدرات مثل غسان أبو زريق في نصيب، ووسيم اعمر المسالمة في مدينة درعا، وعماد الحمدان في مدينة نوى.
قبل نحو شهرين فرضت كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة عقوبات على مسؤولين عن إنتاج وتصدير الكبتاغون، كان من بينهم 3 شخصيات من الجنوب السوري وهم: عماد أبو زريق ومصطفى المسالمة وراجي فلحوط، وأخيراً ورد اسم القيادي وسيم اعمر المسالمة على لوائح العقوبات الأوروبية وهو مسؤول جمعية العرين الممولة من قبل إيران في مدينة درعا.
وذكر عن ارتباط الشخصيات الأربعة بشعبة المخابرات العسكرية وتسهيل الأخيرة لعملهم في ترويج المخدرات محلّياً وتهريبها خارج سوريا عن طريق إدارتهم شبكات محلية تعمل في التهريب.
في هذا السياق، تساءل الصحفي سمير السعدي في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" كيف يعتقل الأمن العسكري أشخاصاً يعملون في تجارة المخدرات في حين يغض النظر عن قادة بارزين يدعمهم في محافظة درعا بالبطاقات الأمنية والسلاح والمال وصدرت بحقهم عقوبات دولية لعملهم في تجارة المخدرات.
وقال السعدي إن "المخدرات انتشرت في المنطقة الجنوبية من سوريا بشكل كبير بعد سيطرة النظام على المنطقة منتصف عام 2018"، موضحاً أن الأردن لم يسجل أي حادثة تهريب مخدرات عبر حدودها خلال سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة.
وتساءل السعدي، "هل يمكن للأمن العسكري مداهمة مجمّع الغزالي في بلدة قرفا والذي يعد مركزاً لإنتاج المخدرات وتخزينها تشرف عليه المخابرات الجوية بدرعا بالتنسيق مع ميليشيا حزب الله؟".
وبحسب السعدي فإنه يوجد معمل بلاستيك داخل مجمع الغزالي يجري فيه صناعة أدوات تشبه الخضراوات لإخفاء حبوب الكبتاغون داخلها، مشيراً إلى أنه تم رصد خروج العديد من شحنات المخدرات من المجمّع باتجاه الحدود الأردنية.
ويقف كل من النظام السوري وميليشيا حزب الله اللبناني والميليشيات المدعومة من إيران، خلف جميع عمليات تهريب المخدرات بعد أن حولت من الجنوب السوري إلى بؤرة لتصنيع المخدرات، ومركز انطلاق لعمليات التهريب إلى الأردن ومنطقة الخليج العربي.
وباتت تجارة المخدرات عصب الاقتصاد للنظام السوري ومورداً رئيسياً لميليشيات إيران، حيث بلغت عوائد تصنيع وتهريب المخدرات خلال العام الفائت، 5 مليارات و700 ألف مليون دولار، مع توقعات بوصولها إلى أكثر من 7 مليارات بحلول العام الجاري، وفقاً لصحيفة "دير شبيغل" الألمانية.
مؤشرات توحي بأن تصعيداً سيطول العاملين في تجارة وتهريب المخدرات في المنطقة الجنوبية، لكن ثمة تساؤلات لدى أبناء المنطقة. هل سيتم استهداف مراكز إنتاج وتصنيع الكبتاغون بشكل مباشر؟ هل ستقتصر الاستهدافات على مروّجي المخدرات أم ستطول منتجيها؟