مثلها مثل الآلاف من الزيمبابوييّن، فرت إيفيلين من بلدها في ثمانينيات القرن الماضي هرباً من نظام روبرت موغابو المستبد، ذلك الرئيس السابق الذي حكم البلاد بقبضة حديدية وسجن كثيرا من المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين والناشطين من الأحزاب المعارضة خلال فترة حكمه التي امتدت لعقود ثلاثة.
فرت إيفيلين بداية إلى جنوب أفريقيا، ثم أكملت طريقها لتصل إلى أيرلندا في عام 2019، حيث تقيم حالياً جنوبي البلاد، في أحد مراكز الخدمات المباشرة المخصصة لطالبي اللجوء الذين ينتظرون دورهم في معالجة طلباتهم على يد السلطات الأيرلندية، إذ حتى شباط 2021، بلغ عدد طالبي اللجوء الذين يقيمون في مراكز الاستقبال 6273 شخصاً بحسب ما أوردته وزارة المساواة والاندماج الأيرلندية.
إيفيلين التي رفضت أن يشار إليها باسمها الحقيقي خوفاً من الاستهداف من قبل طالبي لجوء آخرين أو من قبل السلطات الأيرلندية، خضعت للعديد من العمليات الجراحية التي أجريت لظهرها في أثناء مكوثها في جنوب أفريقيا، وهذا ما جعل حركتها محدودة وآلامها مزمنة.
ويحصل طالبو اللجوء في مراكز الخدمات المباشرة بأيرلندا على بطاقة طبية تتيح لهم الحصول على مواعيد عند الأطباء، إلى جانب حصولهم على الرعاية في المشافي ووصفات الأدوية خلال فترة انتظارهم لمعالجة طلب لجوئهم. وعلى الرغم من المصاعب التي تواجهها إيفيلين مع قوائم الانتظار الطويلة للحصول على الخدمات الصحية، إلا أنها تمكنت من استكمال جلسات العلاج الفيزيائي وحصلت على دراجة سكوتر من أجل التنقل بالإضافة إلى جهاز يساعدها على المشي.
وتقول إيفيلين إن حصولها على الرعاية الطبية في بلدها زيمبابوي أو في جنوب أفريقيا أمر مستحيل، ورغم اكتشافها حكومة صديقة لذوي الاحتياجات الخاصةفي أيرلندا، إلا أنه يتعين عليها في كثير من الأحيان أن تدافع عن نفسها وذلك لأن منظومة الخدمات المباشرة لا تقدم خدمات ولا أي دعم مخصص لطالبي اللجوء من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتضيف: "علي أن أفعل ما يجب فعله بنفسي حتى أحصل على المساعدة".
الفئة الأكثر ضعفاً
يصنف الأشخاص الذين يعانون من إعاقات بين الفئات الأكثر ضعفاً بين اللاجئين نظراً لارتفاع نسبة خطر تعرضهم للعنف والاستغلال والظلم، بحسب رأي مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وعليه، يعتبر الخطر أكبر بالنسبة للمهاجرين من الكبار في السن والنساء والفتيات اللواتي يعانين من إعاقة ما. إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة حول عدد اللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة تقدران أعدادهم بنحو 12 مليون إنسان.
"يعتمدون على أنفسهم بشكل كامل"
استقبلت ماليزيا عدداً كبير من اللاجئين، خاصة أولئك الذين يتعرضون للاضطهاد لكونهم من أقلية الروهينغيا، حيث وصل هؤلاء من ماينمار خلال السنوات الماضية. كما أن الانقلاب العسكري الذي حدث في ماينمار في عام 2021 وما تلاه من انتشار لأعمال العنف دفع بالكثير من شعب ماينمار للهروب من تلك الدولة الواقعة جنوب شرقي آسيا. غير أن ماليزيا لم توقع على اتفاقية اللاجئين التي أبرمتها الأمم المتحدة في عام 1951، ولا على أي بروتوكول لاحق يوسع من تطبيقها واختصاصها، كما ليس لديها أي نظام للجوء يعمل على تنظيم وضع اللاجئين وحقوقهم.
ويقول حسن العكرة من منظمة Asylum Access Malaysia غير الحكومية، "لا يتمتع اللاجئون في ماليزيا بالحد الأدنى من حقوق الإنسان والتي تشمل حصولهم على التعليم والحق بالعمل بشكل قانوني، أو الحصول على الرعاية الصحية، أو التمتع بالأمن والعدالة... أي إن عليهم أن يعتمدوا على أنفسهم بشكل كامل في تأمين احتياجاتهم الأساسية مثل السكن والطعام والرعاية الطبية، ويخوض اللاجئون من ذوي الاحتياجات الخاصة حرباً أشد ضراوة، وذلك لعدم تسجيلهم ضمن أي نظام يقدم لهم الدعم"، ويشير العكرة هنا إلى تكاليف الرعاية الطبية التخصصية الباهظة، فضلاً عن عدم وجود أي وسائل تساعدهم على التنقل، إلى جانب الحرمان من التعليم.
هذه المنظمة، وإلى جانب مفوضية اللاجئين ومنظمات أخرى محلية غير حكومية، تمكنت من مناصرة تلك الفئات بشكل دفع الحكومة للتصديق على اتفاقية اللاجئين التي أبرمتها الأمم المتحدة، ولكن العكرة مايزال يعتقد أن الحرب لم تنته بتصديق ماليزيا على تلك الوثيقة القانونية الأساسية، ولهذا ينبه إلى ضرورة تقديم المزيد من أنظمة وإجراءات الدعم المخصصة للاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
استهداف مرافق الرعاية الصحية في النزاعات
وقبل غزو روسيا لأوكرانيا، كانت فيكتوريا هورودوفيتش تعيش مع أمها العجوز وطفليها، إيغور وجوليا، في مدينة خاركيف التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، أي بالقرب من الحدود الروسية، ولهذا كانت أول مدينة أوكرانيا تغزوها القوات الروسية. ومنذ اليوم الأول للغزو، استيقظت هورودوفيتش على صوت القصف، وعن ذلك تقول: "رأيت ضوءاً يلمع في السماء من شقتنا الواقعة في الطابق الخامس، فأيقظت أمي وابنتي، وقلت لهما: أمي.. جوليا.. لقد بدأت الحرب".
لكن إيغور، ابن هورودوفيتش المراهق هو واحد من بين 2.7 مليون أوكراني يعاني من إعاقة، لكونه مصابا بالصرع والتوحد وبضعف عضلي وبحاجة لرعاية طبية تخصصية، إلا أن ذلك بات أمراً يستحيل الحصول عليه بعيد أيام من الغزو.
في منتصف شهر آذار، عندما اقترب القصف من شقتهم، أوصل أحد أصدقاء الأسرة بسيارته هورودوفيتش وولديها إلى محطة خاركيف للقطارات، حتى يهربوا جميعاً إلى مدينة ليفيف الواقعة غربي البلاد، إلا أن والدة هورودوفيتش بقيت هناك، ولكن قبل أن تستقل الأسرة القطار، تعرضت المدينة للقصف المدفعي على يد القوات المسلحة الروسية، وهذا الوضع المتوتر أضر بصحة إيغور كثيراً، وعنه تقول أمه: "أصبح عصبياً إلى أبعد الحدود، وصار يرفض أن يأكل أو أن يشرب، وقد أضر ذلك بصحته كثيراً".
وبعد ساعة على ذلك، انطلق القطار أخيراً باتجاه ليفيف، إلا أن إيغور حينها أصبح يعاني من صعوبة في التنفس، لدرجة جعلت والدته تشك بمعاناته من ذات الرئة. وعند وصول القطار إلى ليفيف، قدمت إحدى الممرضات العاملات لدى مركز طبي صغير في محطة ليفيف أقصى ما بوسعها لتجعل إيغور يسترخي، وذلك قبل مجيء عدد من الأطباء من بولندا حاملين معهم معدات وأدوات طبية. وبعد مراقبة المريض وإجراء فحوصات وتحاليل له في ليفيف، أحال الأطباء الأسرة عبر الحدود إلى أحد مشافي وارسو، حيث يمكن لإيغور الحصول على علاج إضافي بالنسبة لأعراض ذات الرئة التي ظهرت عليه.
في مسح أجرته القمة الإنسانية العالمية حول الإعاقة والنزوح القسري، ذكر 70% ممن شاركوا فيه، وجميعهم لاجئون من ذوي الاحتياجات الخاصة، أن أكثر ما يقلقهم هو مسألة حصولهم على الخدمات الصحية، وهذه المخاوف صحيحة ومشروعة، نظراً لتعرض مرافق الرعاية الصحية للاستهداف في حالة النزاع، إذ بحسب منظومة مراقبة الهجمات التي تستهدف الرعاية الصحية التابعة لمنظمة الصحة العالمية، تبين استهداف مرافق الرعاية الصحية الأوكرانية بـ662 هجمة منذ بداية الحرب.
عملت مجموعة تطوعية شعبية على فيس بوك في بولندا على جمع نحو 600 ألف عضو منذ بداية الغزو الروسي، إذ تقول مديرة هذه المجموعة واسمها زوفيا خافوروفسكا: "شهدنا تدفقاً هائلاً للأوكرانيين المصابين بإعاقات خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر آذار"، وأضافت بأنهم قدموا بسبب "التحديات التي تنتظرهم".
تصف خافوروفسكا وضع اللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمزري، لاسيما فيما يتعلق بالرعاية الصحية والسكن. وذلك لتعرض منظومة الرعاية الصحية البولندية لضغط شديد حتى قبل وصول الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين، كما أن مشكلة عدم توفر مساكن مشكلة قديمة في معظم المدن البولندية. ولهذا ترى خافوروفسكا أن اللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة يتعرضون "لمصاعب أخرى إلى جانب تلك الموجودة بالأصل" والتي يتعرض لها أي مهاجر عادي قدم إلى بولندا.
بعد خروج إيغور من المشفى، سافرت هورودوفيتش برفقة ولديها إلى النمسا، حيث يمكنها أن تقيم لدى أسرة زوجها، وأن تبقى قريبة منه بما أنه يعمل على الحدود مع ألمانيا في الوقت الراهن. وتصف هورودوفيتش قرارها بترك كل شيء خلفها والرحيل بأنه القرار الذي أنقذ حياة ابنها إيغور في نهاية المطاف، إذ تقول: "كان سيموت لو بقيت معه في أوكرانيا، وذلك لأن وضعه الجسدي كان سيئاً للغاية".
المصدر: إيكوال تايمز