تعد استعادة بلدية إسطنبول الكبرى أولوية قصوى لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، وفي خضم ذلك أولى مهمة استعادة المدينة الأكبر سكانياً في تركيا لوزير البيئة والعمران السابق مراد كوروم، في منافسة لن تكون سهلة المنال.
وقال أردوغان خلال مؤتمر الإعلان عن بعض مرشحي رؤساء البلديات عن حزب العدالة والتنمية، إنهم سيعملون على إنهاء "فترة خلو العرش" بإسطنبول في انتخابات 31 آذار 2024، وستحصل على مرادها".
وأضاف أردوغان "إسطنبول لا يمكنها أن تتحمل الضياع 5 سنوات أخرى"، في إشارة إلى فترة رئاسة أكرم إمام أوغلو للبلدية الكبرى.
AK Parti Aday Tanıtım Toplantısı https://t.co/3vABXOFdvF
— Recep Tayyip Erdoğan (@RTErdogan) January 7, 2024
خسارة صادمة
كانت خسارة بلديات إسطنبول وأنقرة في عام 2019 بمثابة صدمة للرئيس أردوغان وملايين الأعضاء في حزب العدالة والتنمية الحاكم والمؤيدين له بعد 25 سنة من قيادتها، خصوصاً مع تأكيدات الرئيس أردوغان المستمرة على أن "من يدير إسطنبول يدير تركيا".
وأدى فشل البيروقراطي المخضرم بن علي يلدريم أمام أكرم إمام أوغلو الذي صعد بسرعة من رئاسة بلدية "بيليك دوزو" الصغيرة إلى سدة حزب الشعب الجمهوري، فيما يشبه توبيخ الناخب للحزب الحاكم الذي شهد تراجعاً في أدائه خصوصاً مع الأوضاع الاقتصادية المتراجعة في البلاد، من انخفاض لقيمة الليرة أمام الدولار ونسب التضخم المرتفعة وغير ذلك.
ولعل العدالة والتنمية هو من جعل من الانتخابات البلدية عنواناً سياسياً عريضاً في البلاد، بعد حالة الاستقطاب السياسية المبالغ بها عام 2019، ما انعكس سلباً على صورته، إذ أخذت الانتخابات المحلية بعداً سياسياً أكبر من تأثيرها على أرض الواقع، خصوصاً مع إعادة انتخابات بلدية إسطنبول الرئاسية فقط بقرار قضائي بحجة التزوير، وهو ما أدى نهاية لفوز أكبر لصالح المعارضة.
5 سنوات صعبة على إسطنبول
بعد 5 سنوات، تعود الانتخابات المحلية من جديد، كانت أيامها عسيرة على الإسطنبوليين بشكل خاص، لأن رئيس البلدية كان مشغولا في أحلامه بالصعود إلى سدة الرئاسة ومحاولات السيطرة على حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، ثم إمكانية توليه منصب نائب الرئيس فيما لو فاز المرشح الرئاسي عن تحالف الأمة المعارض كمال كلتيشدار أوغلو.
وخلال حقبة إمام أوغلو شهدت إسطنبول عدة أزمات حملت بعداً سياسياً وفشلاً ذريعاً لرئيسها أكرم إمام أوغلو، ولم يسعفه الحظ في أكثر من مرة لتداركها، حيث كان خارج أسوار المدينة أو خارج التغطية، ولعل من أبرز الحوادث كانت حادثة هطول الثلج الشهيرة عام 2022، والتي أدت لأزمة وفوضى وتعطل حركة المرور وبقاء الناس عالقين بالشوارع بدون طعام أو شراب لقرابة يوم كامل، إلى أن تدخلت الحكومة وفتحت الطرق، فيما سرب لرئيس البلدية إمام أوغلو مقاطع مصورة تظهر لقاءه بالسفير البريطاني في إحدى مطاعم السمك بالمدينة وسيارات البلدية تفتح لموكبه الطريق.
وهذه عينة سلسلة طويلة من الأزمات التي شهدت فيضانات وغرق أسواق وبيوت، إلى جانب تراجع واضح للخدمات في إسطنبول مقارنة بالسابق، ولا شك أن المدينة شهدت بعض التضخيم للأزمات الصغيرة من قبل الصحف المقربة من الحكومة بهدف إظهار إمام أوغلو على أنه فاشل.
من هو مراد كوروم؟
وبعد ساعة ونصف من إعلان اسمه مرشحاً لبلدية إسطنبول قال مراد كوروم في أول كلمة له: "سنسير مع فريقنا وجميع زملائنا، من أجل 16 مليون إسطنبولي، وسنعمل على مكافحة الفوضى وسوء التنظيم في الولاية، وإزالة مخاوف شعبنا بشأن الزلزال".
وأضاف كوروم أن رئيس بلدية إسطنبول يجب أن يكون على استعداد للعمل في أي مكان وفي أي وقت، سنعمل حتى لا يبقى أي مبنى محفوفا بالمخاطر في إسطنبول، ولن نتوقف حتى تنتهي مشكلة المواصلات على طرقاتنا".
وتابع: "ستنتهي فترة التوقف وستبدأ فترة الصعود. البلدية الحقيقية تعني أن نكون بجانب مواطنينا ونحل مشاكلهم. خصمنا سيكون اللامبالاة والإهمال وعدم وجود نظام في إسطنبول".
ولد كوروم في حي تشانكايا بالعاصمة أنقرة عام 1976، في الوقت الذي كان والده يعمل في وزارة الأشغال العامة والإسكان أكمل تعليمه الجامعي في جامعة سلجوق بكلية الهندسة المدنية بولاية قونية عام 1999، وتزامناً مع ذلك وقع "زلزال مرمرة 1999" مخلفاً 17 ألف قتيل ونحو نصف مليون شخص بلا مأوى.
أكمل مراد دارسته بجامعة أوكان للعلوم والتكنولوجيا ليحصل على درجة الماجستير في مجال التحول الحضري، والذي يعد من أبرز الاختصاصات لمواجهة مخاطر الزلزال بالنسبة للبيوت والمساكن القديمة.
وبعد تخرجه بدأ كوروم العمل بمناطق مختلفة، ثم انخرط في القطاع العام عندما بدأ في العمل كخبير في إدارة التنفيذ في مؤسسة الإسكان والتنمية العمرانية (توكي - TOKİ) في عام 2005 بأنقرة، ثم شغل منصب مدير فرع تطبيق الجانب الأوروبي من إسطنبول في TOKİ بين عامي 2006 و2009.
وبين عامي 2009 إلى 2018، شغل منصب مدير عام وعضو مجلس الإدارة في شركة (Emlak Konut - إملاك كونوت) التابعة لإدارة الإسكان الجماعي (TOKİ)، وقاد تحولًا في رؤية إملاك كونوت، حيث ساهم بشكل كبير في تحقيق نمو قياسي عبر العمل الجاد لتعزيز قيمة العلامة التجارية للشركة.
وتمت أكبر عمليتين عامتين في تاريخ الجمهورية في إملاك كونوت أثناء فترة إدارته، وساهمت هذه الإنجازات في اختياره لتولي منصب وزير في الحكومة.
تولى كوروم بعد ذلك منصب وزير "البيئة والتخطيط العمراني وتغير المناخ" في الحكومة التركية لمدة خمس سنوات، بين عامي 2018- 2023.
وطوال فترة خدمته؛ عملت المؤسسة، التي تعمل بحساسية لتطوير المدن وجعلها مرنة من خلال فهم جديد للتوسع الحضري وحماية البيئة، على إعداد حملات إسكان اجتماعي مع TOKI للمواطنين ذوي الدخل المنخفض ليصبحوا أصحاب منازل.
وفي نطاق هذه الحملات تم إنشاء 365 ألف وحدة إسكان اجتماعي خلال فترة كوروم، وعملت المؤسسة على تحويل أنشطة التحول الحضري إلى تعبئة، وتحديداً في إسطنبول، وضمنت تحول وسلامة عشرات الآلاف من المساكن.
وفي انتخابات أيار 2023 تم انتخابه نائباً في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية في إسطنبول.
وتشغل زوجته سنغول منصباً رفيعاً في هيئة تنظيم وسائل الإعلام في تركيا منذ عام 2021، ولديه 3 أولاد.
وبعد ساعات قليلة من إعلان ترشيحه بدأ العمل على حملته الانتخابية بصحبة وزير المواصلات التركي عبد القدير أورال أوغلو قائلاً في تغريدة على موقع "إكس": "نحن نعرف إسطنبول وما يتوقعه سكان إسطنبول منا! سوف نقوم بالقضاء على الفوضى الحالية في هذه المدينة في أسرع وقت ممكن".
İstanbul’u da, İstanbulluların bizden ne beklediğini de biliyoruz!
— Murat KURUM (@murat_kurum) January 7, 2024
Bu şehrin mevcut karmaşasını en hızlı şekilde gidereceğiz.
İlk günden işe koyulduk. Ulaştırma Bakanımız Sayın @a_uraloglu ile bir araya geldik, çilesiz İstanbul için projelerimizi konuştuk.
İstanbul’un… pic.twitter.com/HKpuiRxQG3
لماذا اختار أردوغان مراد كوروم؟
وبعد طول انتظار من المؤيدين لحزب العدالة والتنمية وتأخر إعلان اسم مرشح رئاسة بلدية إسطنبول، الذي كان مقرراً في شهر كانون الأول الماضي، أعلن الرئيس اسم مراد كوروم في احتفالية ضخمة بإسطنبول، إلى جانب 25 بلدية أخرى على أن يستكمل أسماء المرشحين الآخرين بما فيهم مرشح بلدية العاصمة أنقرة يوم الأحد المقبل.
ولعل السؤال البارز، هو لماذا اختار الرئيس أردوغان "كوروم" لمنافسة أكرم إمام أوغلو الذي بات معروفاً لكل الشعب التركي تقريباً بعد تصدره المشاهد السياسية العامة وعلى أعلى مستوياتها؟
وبالإجابة على هذا السؤال لابد من العودة إلى الحدث الأضخم في تركيا وسوريا والعالم في 6 شباط عام 2023، وهو الزلزال المدمر، والذي أدى لمقتل أكثر من 50 ألف شخص في سوريا وتركيا ودمار هائل في أكثر من 10 ولايات تركية.
ذلك الحدث المؤسف، يتكرر الحديث عنه بشكل دائم في الإعلام منذ سنوات طويلة، أن زلزالاً قوياً جداً قد تتعرض له ولاية إسطنبول، وإن لم تسارع الحكومة والبلدية لاتخاذ إجراءات سريعة في التحول العمراني وهدم البيوت المتآكلة، ستحل كارثة بإسطنبول أكبر بكثير من التي حدثت في الجنوب التركي.
وعلى ذلك سيخوض مراد كوروم منافسة صعبة وفيها من الاستقطاب والحشد الجماهيري ما يشبه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإن كانت بوتيرة أخفض باعتبارها ستكون محلية أكثر مما هي عامة.
ويساعد مراد كوروم في ذلك، سيرته الذاتية القوية، وقيادته لوزارات ومؤسسات كانت على صلة مباشرة بالتحول العمراني وبناء المساكن للمواطنين على درجة عالية من الأمان، كما حصل مع مساكن "توكي" التي خرج معظم من كان يقطن بها حياً حين وقع الزلزال المدمر.
ورغم أن الناخب التركي لا يغير رأيه بسهولة بما يخص انتماءاته الحزبية، إلا أن هناك فئة مترددة سيكون لها الدور الأبرز في حسم النتيجة بولاية يصل عدد سكانها إلى أكثر من 16 مليون نسمة.
استراتيجية الفوز
ويعد ترشيح مراد كوروم تقديماً لشخصية شابة (كوروم 49 عاماً - إمام أوغلو 54 عاماً)، وصعود لشخصية جديدة غير مستهلكة حزبياً وسياسياً ما يبث روح جديدة في الحزب، ويستقطب فئة واسعة من الشباب المحافظين والمتأرجحين.
ومن المرجح أن الرئيس أردوغان أعاد اختيار شخصية محافظة معتدلة لقيادة إسطنبول ولكن من خلفية غير قومية مباشرة في محاولة لاستقطاب الصوت الكردي، في إعادة لسيرة الحزب الأولى التي كانت تركز على الأشخاص المعتدلين أيديولوجياً خصوصاً بما يتعلق بالبلديات.
التركيز في الحملة الانتخابية على إعادة إسطنبول لحزب العدالة والتنمية، الذي أعاد تهيئتها حضارياً وعمرانياً بعد عقود طويلة من تأسيس الجمهورية، وتذكير بدور أردوغان الأساسي في الصعود منها إلى سدة السياسة التركية.
بناء جزء كبير من الحملة على أهمية أن يكون على رأس إسطنبول شخصية تفهم بالتخطيط العمراني والتحول الحضري لتجنب كارثة زلزال كالتي حدثت في الجنوب التركي، خصوصاً مع شغل "كوروم" لوزارة البيئة والتخطيط العمراني وقبلها في "توكي" والأهم أنه شخصية "تكنوقراطية" أيضاً.
كما أن لدى الحزب الحاكم خطط مهمة تتعلق بقناة إسطنبول الاستراتيجية، واستكمال مشاريع المترو المتوقفة أو البطيئة جداً وما يتعلق بالحياة اليومية لسكان الولاية، مثل أزمة المرور والازدحام، غلاء أسعار مواقف السيارات، أزمة التكاسي، نظافة المدينة، نشاطات الطلاب المجانية، فعاليات كبار السن، وغير ذلك.
ومع ذلك لن تكون المنافسة بسيطة أو سهلة المنال، فإن نجح مراد كوروم في استقطاب الناخب المتردد فإن هناك العديد من التغيرات في السياسة الحزبية التركية، منها خسارة الانتخابات الرئاسية، وتراجع نسب العدالة والتنمية في المدن الكبرى وبلديات كانت محسوبة لصالحه في إسطنبول مثل أيوب سلطان وأسكودار.
كما لا يمكن إغفال الأصوات التي قد تذهب لأحزاب ستدخل المنافسة لوحدها وستأخذ من أصوات المحافظين، خصوصاً حزب الرفاه من جديد الذي يقود فاتح أربكان نجل رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان، وأحزاب المستقبل والسعادة والتقدم.
كما أن فرص إمام أوغلو ستحددها التحالفات الانتخابية المقبلة، ومدى إمكانية خضوع حزب "الجيد" مجدداً لتحالف آخر مع حزب الشعب الجمهوري بعد خسارة مدوية في انتخابات الرئاسة، إلى جانب الأصوات الكردية التي يقودها حزب الشعوب الديمقراطي.
ولا بد من الإشارة إلى أن إسطنبول، ليست حالة بلدية بسيطة، فهي أكبر بلدية بعدد سكان، وهي مثال مصغر عن تركيا بتعقداتها العرقية والأيديولوجية وحامل سياسي لأي طامح برئاسة أو وزارة أو قيادة حزب، ومستودع الاقتصاد التركي الأهم.
وحتى الآن لا يوجد لكوروم أي تصريحات تخص اللاجئين السوريين بإسطنبول، والذي قد يكونوا محوراً للجدل أو الدعاية السياسية كما حصل بالانتخابات الرئاسية، وإن كان بدرجات أقل بعد الحملة التي طالت المحرضين ضدهم وضد العرب والأجانب بشكل عام.
İstanbul'u sistemli ve planlı bir sekilde yönetmek, şehre hak ettiği özel ilgiyi göstermek için buradayız#HazırızKararlıyız
— Murat KURUM (@murat_kurum) January 7, 2024
Yeni dönemde bu güzel şehir, tecrübesini Türkiye'den sonra SADECE İstanbul'a odaklayan bir yönetime sahip olacak.
YENİDEN İSTANBUL, ŞİMDİ İSTANBUL,… pic.twitter.com/sHbqQQGP5F